أثر التماثل والتناظر في سياسات الدول الكبرى على مستقبل النظام الدولي

بقلم: سيماء علي مهدي

شهد النظام الدولي حالة عدم الاستقرار والانتقال من حالة إلى أخرى مع حدوث تحولات هيكلية من حيث الترتيب وفي توزيع أنماط القوى العسكرية، الاقتصادية و التكنولوجية إلى جانب تحولات قيمية، فإن النظام تحول من الأحادي القطبية إلى المتعدد الأقطاب وإلى الثنائي القطبية ومن ثم عاد إلى الأحادي القطبية على أثر انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة في قيادة العالم.

ما هي حقيقة الصراع العالمي المعاصر؟

إن بروز العولمة وظهور فواعل غير الدول والذي أصبح لهم دور مؤثر في رسم مستقبل هذا النظام، فضلاً عن تصاعد القوى الراغبة بالتغيير سعياً منها للحفاظ على مصالحها وأهدافها والتعبير عن قدراتها وتأثيرها في إدارة التفاعلات الدولية وتوجيهها، لذلك يكمن التساؤل هل أن مستقبل النظام الدولي سيبقى نظام أحادي القطبية أم أنه سيتجه إلى التعددية القطبية أم الى نظام بلا أقطاب؟ وإن أي تغيير في هيكلية النظام الدولي

سيرافقه أيضا تغيير في مستوى ترتيب وتوزيع أنماط القوه العسكرية، الاقتصادية والتكنولوجية، التي تعد هذه التغييرات هي تحصيل حاصل عن اثر التحولات على مستوى طبيعة الصراع الدولي اذ كان صراعاً إيديولوجياً- عسكرياً في حقبة الحرب الباردة و تحوله إلى صراع اقتصادي- حضاري في حقبة ما بعد الحرب الباردة، أما اليوم فمن الممكن أن نصفه بأنه صراع سياسي –اقتصادي، وهذا الأمر الذي ترتب عنه تراجع للقوة العسكرية مقابل تعاظم للقوتين الاقتصادية و التكنولوجية.

وبذلك فإن أي محاولة لاستشراف مستقبل النظام الدولي يجب أن تسبق بتعريف النظام الدولي وأهم القوى الفاعلة وطبيعة علاقتها مع القطب الأحادي(الولايات المتحدة الأمريكية) لكون هذه الدول الكبرى هي القوى المؤثرة في تغيير النظام الدولي المعاصر.

محاور ونقاط يجب الحديث عنها

تم تقسيم الورقة الى المحور الأول تعريف النظام الدولي ودوافع التغيير في النظام، أما المحور الثاني فنتناول فيه تفسير مدارس العلاقات الدولية لظاهرة التغيير في النظام الدولي و تتبع ظاهرة التغيير في مراكز القوى الدولية في القرن العشرين والحادي والعشرين، أما المحور الثالث فنتناول أهم القوى الفاعلة في النظام الدولي المعاصر و تأثير وباء كورونا(كوفيد-19) على النظام الدولي، ونتناول في المحور الرابع مستقبل مراكز القوى الدولية في النظام الدولي، إلى جانب الخاتمة والاستنتاجات.

تعريف النظام الدولي و دوافع التغيير في النظام

يختلف الباحثين في تعريف النظام الدولي بحسب التصورات والمنطلقات التي يستندون إليها والتي تحكم نظرتهم الى النظام فقد عرف كينيث بولدنغ النظام الدولي بأنه، مجموعة من الوحدات السلوكية المتفاعلة التي تسمى أمماً أو دولاً والتي يضاف إليها أحياناً بعض المنظمات فوق القومية كالأمم المتحدة، ويمكن ان توصف كل واحدة من هذه الوحدات السلوكية بأنها مجموعة من المتغيرات التي يفترض وجود علاقات معينة فيها بينها.

ويعرف جوزيف فرانكل النظام الدولي بأنه، مجموعة من الوحدات السياسية المستقلة تتفاعل فيها بينها بشيء من الانتظام، وكذلك يعرف النظام الدولي هو مجموعه من التفاعلات أو العلاقات التعاونية أو الصراعية التي تجري بين أعضاء المجتمع الدولي على المستويين العالمي والإقليمي أو أنه نظام يضم الوحدات السياسية المستقلة والتي تتفاعل فيما بينها بتواتر معقول وفق عمليات منتظمة، إذ يمكن وصف النظام الدولي هو فكر ومؤسسه وقواعد وأدوار.

محاولة في تحليل السلوك الدولي

إن هيكلية ونسق النظام الدولي تتأثر بالحروب والتحالفات والمفاوضات والتهديد والتعاون والتكامل والاندماج….الخ فالنظام الدولي يشمل قوى فاعلة تسمى وحدات النظام، وهذه الوحدات هي التي تعطي للنظام صفة الدينامية من خلال التفاعل القائم بينها، والمقصود بالفاعل هنا، هي كل سلطة او جهاز أو جماعة قادرة على أن تلعب دوراً في الحقل الاجتماعي، أي المسرح الدولي.

إذن الفاعل أو اللاعب، في نظام دولي معين، هو القوة القادرة على الاشتراك في علاقات القوى داخل هذا النظام الدولي وكطرف فيها، لكن هناك أيضاً فواعل دولية لها دور مهم ومميز كالمنظمات الدولية الرسمية منها وغير الرسمية والشركات المتعددة الجنسية، وهي جميعاً تمثل وحدات ولا يمكن إغفال أثرها عند أي محاولة لتحليل السلوك الدولي فضلاً عن دور الفرد وحركات التحرر والإرهاب.

أهم خصائص النظام الدولي

(الشمولية-عدم التجانس-التفاعل ما بين الوحدات-انعدام السلطة الدولية) ويعد التغيير الحركة الحتمية الملتصقة بالتفاعلات الدولية وتفرضها الأهداف والمصالح.

ما هي دوافع التغيير في النظام الدولي؟

ينطلق تغيير النظام وفق ضوابط ومحددات ودوافع معينه ولولا تلك المحددات فإن التغير سيكون تغيير فوضوي وغير هادف ويسبب المشاكل والصراعات وقد تختلف دوافع التغيير باختلاف أهداف واستراتيجيات القوى الفاعلة في النظام وعلى مدى استجابتهم لتلك المتغيرات العديدة وهي:

  1. المتغيرات الجيوسياسية: ويقصد به هي سعي القائد السياسي عبر رصد المتغيرات السياسية في النظام الدولي واقتناص الفرصة التي تمكنه من تأكيد موقفه أو استعادة مكانته للتغيير تجاه قضية ما مثل الموقف الروسي من الأزمة السورية، إذ نجح فلاديمير بوتين من توظيف الأزمة كورقة ضغط تجاه الهيمنة الأمريكية في سبيل استعادت مكانتها الدولية.
  2. المتغيرات الاجتماعية: تتجه القوى الكبرى نحو سعيها للتغيير نتيجة زيادة في عدد سكانها والأيدي العاملة ومستوى التنمية البشرية والتعليم وقلة الأمراض تماسك الروح الوطنية داخل المجتمع.
  3. المتغيرات الاقتصادية: يتغير النظام الدولي نتيجة اختلالات اقتصادية مثلا حدوث ازمة شاملة تؤدي الى التغيير، وتعد العولمة من العوامل المسببة للتغيير في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والتكنولوجية والاجتماعية.
  4. المتغيرات الفكرية الثقافية: وترتبط بالأفكار والتاريخ والسعي إلى أحياء الماضي كمحاولات روسيا التي تسعى إلى تغيير منظومة القيم التي تحكم العالم وانتزاع الاعتراف بها كقوى كبرى من قبل القوى المهيمنة (الولايات المتحدة الأمريكية) على النظام الدولي.

وهكذا فان هذه المتغيرات تؤثر وتغيير النظام الدولي سواء كانت مجتمعة أو منفردة وبحسب شدتها ومدى استجابة القوى العالمية المهيمنة مع تلك المتغيرات والنظر إذا كان التغيير يخدم مصالحها أم لا.

ما هو مدارس العلاقات الدولية لظاهرة التغيير في النظام الدولي؟ 

تفسير مدارس العلاقات الدولية لظاهرة التغيير في النظام الدولي: اهتمت المدارس بتفسير ظاهرة التغير والتحول النظام الدولي من حالة إلى أخرى وذلك في سبيل تقديم السبل والحلول لصناع القرار لتنبؤ لشكل النظام وكيفية التعامل معه ومن أهم المدارس هي:

أولاً: المدرسة الواقعية: تفسر هذه المدرسة حالة التحول نتيجة ظهور قوى دولية فعالة لها القدرة على تسخير المتغيرات الدولية لصالحها لضمان الوصول إلى مركز النظام والتي يمنحها هذا المركز في صياغة قرارات وقوانين النظام.

ثانياً: المدرسة الليبرالية تؤمن هذه المدرسة بأن التغيير يحدث بصورة تدريجية وليس بصورة مفاجئة وأنه ناتج عن التطورات التكنولوجية التي تحدث بعيد عن سيطرة القوى العالمية فضلاً عن التغيرات التي تطرأ على الاقتصاد العالمي وحقوق الإنسان والبيئة إضافة بأنها تؤمن بأن التغيير ينتج عبر دخول لاعب دولي جديد يمتلك شركات متعددة الجنسية ومؤسسات حكومية تمكنها من إقامة علاقات دولية واسعة وتمكنها من تغيير النظام.

ثالثاً: المدرسة البنائية: تركز هذه المدرسة على الأفكار بدل من التفسيرات المادية التي تعتمد عليها المدرستان الواقعية والليبرالية إذ أنها ترى بان التغيير في النظام الدولي هو ناتج عن تغيير في المعايير الاجتماعية في النظام القائم عبر المؤسسات الدولية والقانون والحركات الاجتماعية أي بمعنى كيف تطور استخدام القوة عبر الزمن؟ وكيف انتشرت الافكار الديمقراطية وحقوق الإنسان دولياً؟ …الخ أي أنها تنطلق من التفسير الجزئي وصولاً إلى الإدراك الكلي لأسباب التغيير.

رابعاً: المدرسة السلوكية: تنطلق هذه المدرسة بالاعتماد على عامل الزمن المستقبلي في تفسير ظاهرة التحول والتغيير في شكل النظام الدولي، إذ أن هذا التغير قائم على مدخلات كالأيديولوجيات والتفاوت في القدرات والموارد فضلاً عن توجه عدد من الدول لأحداث التغيير بما يحقق مصالحها إضافة إلى حدوث خلل في سير التفاعل الدولي نحو تراجع أطراف لحساب طرف آخر أي بمعنى حدوث خلل في التوازنات الدولية أو حدوث أزمة مفاجئة تدفع لتغييرات غير طوعية بين الدول.

تتبع ظاهرة التغيير في مراكز القوى الدولية في القرن العشرين والحادي والعشرين

بعيداً عن تاريخ انطلاق النظام الدولي وصولاً إلى بداية الانطلاق لقرن العشرين إذ نرى بأن النظام المتعدد الأقطاب قبل الحرب العالمية الثانية ليس كما كان قبل الحرب العالمية الأولى إذ أخذت الولايات المتحدة الأمريكية تحتل مكانة دولية قبيل الحرب العالمية الثانية أي أنها أخذت مكان بريطانيا قبل الحرب العالمية الأولى وكذلك تراجعت القوة اليابانية والألمانية مقابل انطلاق روسيا وفرنسا كأطراف مؤثرة في النظام الدولي ليتغير النظام من متعدد الاأطاب إلى ثنائي القطبية بعد الحرب العالمية الثانية ومن ثم إلى نظام أحادي القطبية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة

لتنطلق الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أحادي منفرد في إدارة النظام إلا أن هذا الانفراد الصلب لم يدم طويلاً لاسيما في القرن الحالي على إثر احداث 11-ايلول-2001 التي عرفت بـ(صدمت القرن) والتي كان لها تاثير على مكانة أمريكا وعلى هيبتها ومكانتها الدولية، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية 2008 التي سببت في تراجع النجم الأمريكي وتحول النظام إلى أحادي مرن عبر السماح للقوى الدولية بالتعاون معها في إدارة النظام نتيجة ظهور تحديات لا يمكنها مواجهتها بمفردها ومنها الحرب على الإرهاب الدولي بعده عدو مجهول الهوية والجغرافية

وبأنه يهدد العالم أجمع فضلاً عن أن إدارة النظام الدولي يتطلب تكلفة عالية لم تعد تتمكن أمريكا من تحملها بمفردها كما ما يشهده العالم اليوم من انتشار وباء كورونا (كوفيد-19)الذي أثر على الحياة البشرية وعلى الاقتصاد العالمي والذي تسبب في تراجع قوة ونفوذ أمريكا نتيجة عدم قدرتها على مواجهة هذا العدو (الغير مرئي) والذي سيؤثر على موازين القوى الدولية وعلى ترتيبها داخل النظام الدولي.

نتيجة عما سبق

هكذا يمكن أن نستنتج بأن القرن الحادي والعشرين شهد السرعة في التغيير وصيرورة معقدة من التفاعلات بين الوحدات واستراتيجيات القوى الكبرى وما تمتلك من قدرات وإمكانيات تؤهلها لاتخاذ سلوك مغاير عن سلوكها في السابق ويكون اأثر انسجام مع أهدافها ومصالحها مما تندفع هذه القوى الكبرى إلى البحث عن آيات وأدوات جديده لإدارة تفاعلاتها ومحاولة اكتساب المشروعية أو إعطاء مبررات عقلانية للتغيير والتحول الذي ترغب به أن خلال الوقائع والمتغيرات الدولية وما يمكن توظيفه لخدمة ذلك التغيير، ولكي يكون التغيير حقيقي ومقبول ينبغي أن ينضبط بأطر من الأعراف والشرائع والقوانين الدولية.

ما هي أهم القوى الفاعلة في النظام الدولي المعاصر وتأثير وباء كورونا على النظام؟

أهم القوى الفاعلة في النظام الدولي المعاصر: تتوزع القوى الفاعلة في هيكلية النظام الدولي وفق توزيع القوة ودرجات الهيمنة والنفوذ والتأثير بين الوحدات لتكون النظام السياسي الدولي فتكون هناك قوى تتحكم في صورة النظام الدولي وهناك قوى كبرى يكون لها وزنها في النظام من دون القدرة على القيادة إضافة إلى قوى متوسطة وصغرى وصغيرة جداً تكون دول ضعيفة داخل النظام وكما نعلم بأن السياسة الدولية هي دوماً ميداناً للصراع والمنافسة، ومن المرجح أن تبقى كذلك.

فبالرغم التقلبات في كثافة التنافس بين القوى الكبرى، لاتزال أحدى هذه القوى تخشى الأخرى وتتنافس دوماً فيما بينها على القوة، فأنها تطمح بأن تصبح الدولة المهيمنة أي القوة العظمى في النظام الدولي.

وكما نعلم بأن القوى الكبرى هي بريطانيا-فرنسا –ألمانيا -روسيا – اليابان وسيتم التعرف على مكامن القوة والضعف لهذه القوى وطبيعة علاقتها مع القطب الأحادي.

الدول الأوربية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) وعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية؟

تجتمع هذه الدول الأوربية بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية ولها دور مؤثر في النظام الدولي لما تمتلكه من مقومات سياسية واقتصادية وعسكرية وتكنولوجية وعلى الرغم من هذه العلاقات إلا أنها ترغب بالاستقلال عن الولايات المتحدة الأمريكية ولعب دور المقرر وليس التابع في الساحة الدولية فإن هذه الدول الاوربي تأخذ دور المنافس والمتعاون والشريك الاستراتيجي مع القطب الأحادي كما وأن هذه الدول على رغم من مكامن قوتها إلا أنها لاتزال تعاني من مكامن الضعف

فهي تفتقر إلى التنظيم السياسي لاسيما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي فضلاً عن عدم قدرتها على حل الأزمات في داخل قارتها كالأزمة اليوغسلافية الأزمة اليونانية- التركية بشأن القضية القبرصية كما أن فرنسا وبريطانيا تشعر بالقلق الدائم من قوة ألمانيا اقتصادياً إذ أن كل المؤشرات تؤهلها على المدى المتوسط أو على المدى البعيد بأن تنطلق كقوة عظمى متحكمة في مسارات القوى مستقبلاً وحتى من الناحية العسكرية فإن كل ما تمتلكه من قوة لن تؤهلها بأن تتبؤا مكانة القوة العظمى.

وهكذا ليس من مصلحة الدول الأوربية الابتعاد عن الولايات المتحدة الأمريكية بل أن العلاقات تتجه نحو التعاون أكثر من التنافس لكون الأطراف هم أعضاء في حلف شمال الاطلسي فيمكن وصف العلاقة بين الطرفين بأنها(علاقات تحالف وتعاون أكثر من علاقات التنافر والتنافس).

اليابـــان وعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية

تتبوأ اليابان مكانة مرموقة في النظام الدولي الجديد بصفة خاصة في العلاقات الدولية لعالم ما بعد الحرب الباردة بصفة عامة، لما تملكة من قوة اقتصادية التي باتت المحدد الرئيس المتحكم في مسار العلاقات الدولية، وإن احتلال اليابان لتلك المكانة ليس صدفة، إنما نتيجة لجملة من الاعتبارات، فان وزن قوتها الاقتصادية اعطاها الفرصة لتلعب دوراً حاسماً في التأثير على المؤسسات المالية الدولية الكبرى، إذ يمثل الاقتصاد الياباني ثاني اقتصاد عالمي بعد الاقتصاد الأمريكي.

كما أن اليابان إن لم تكن قوة عسكرية فأنها تملك قاعدة صناعية تكنولوجية كفيلة بإنتاج ترسانة عسكرية من أحدث الأسلحة بما فيها أسلحة الدمار الشامل بمختلف أنواعها الرؤوس الحربية النووية ولها امكانيات التقنية وتكنولوجية لصناعة الأسلحة ما يكفل لها التصدي بمفردها لأي عدوان تقليدي وممارسة الردع النووي، إن علاقات التعاون المتميزة بين اليابان الولايات المتحدة الأمريكية في جميع مجالات الحياة المتنوعة إلى درجة التحالف الاستراتيجي الوثيق بينهما إلا على رغم هذه العلاقات إلا أن اليابان أيضاً ترغب بأن تكون مستقلة عن السيطرة الأمريكية لأنها تؤمن بتعددية الأقطاب في النظام الدولي الجديد.

روسيا وطبيعة علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية

عادت روسيا الاتحادية إلى الساحة الدولية بوصفها قوة كبرى وقطباً دولياً فاعلاً في النظام الدولي للقرن الحادي والعشرين، فقد خرجت روسيا بنجاح من المرحلة الانتقالية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي، وهي تتوافر على معدلات نمو مرتفعة نسبياً ومستقرة في مجال الاقتصاد، مع الاحتفاظ بقوة عسكرية هائلة ومتجددة للإبقاء على تفوقها الاستراتيجي العالمي فصلاً عن تطورها التكنولوجي وسيطرتها على الفضاء واتباع الحرب الإلكترونية

إضافة إلى توسع نفوذها في الشرق لاسيما في الأزمة السورية والدعم لبرنامج اإران النووي وعلاقاتها المتعددة الأطراف كل هذا يعد مكامن قوتها التي تؤهلها للعب دور عالمي رئيسي في المستقبل. هكذا فإن تمسك روسيا بتاريخها والرغبة باستعادة مكانتها يجعل علاقتها مع القطب الأحادي علاقات تنافسية تصارعيه لأنها ترفض النظام الأحادي وتدعوا إلى تعدد الأقطاب إلا أن هناك عدة تحديات ظهرت حديثا دفعت الطرفان للتعاون والتقارب في سبيل تجاوز التهديدات

مثل التعاون لمكافحة الإرهاب الدولي ومنع انتشار الأسلحة النووية إضافة إلى انتشار الآن وباء كورونا (كوفيد-19) الذي جمع كل أطراف العالم في سبيل إيجاد الحلول والعلاج لإنقاذ البشرية أجمع بعيدا ًعن التنافس والصراع التاريخي بين القوى الكبرى وبين الولايات المتحدة.

هل يتعبر التفاعل الأمريكي الأوروربي اقتصادياً بحتاً؟

هكذا نتلمس في نهاية التماثل والتناظر بين الدول الكبرى هو تنامي أدوارها في العالم فإن روسيا انتهت من مرحلة التأقلم التي تلت نهاية الاتحاد السوفييتي وها هي تزداد قوة وعدائية، وكذلك اليابان التي أصبحت أكثر استعداداً لإفصاح عن آرائها وموقفها أمام جيرانها، وأوروبا تتصرف في المسائل التجارية والاقتصادية بقوة فإن التفاعلات القائمة بينهم وبين أمريكا هي تفاعلات ذات طبيعة اقتصادية وليست ذات طبيعة عسكرية أو بالأصح بأنها مزيجاً بين القوتين الاقتصادية العسكرية.

تأثير وباء كورونا على النظام الدولي

أثر وباء كورونا على النظام الدولي وعلى طبيعة العلاقات القائمة بين الدول لأنه عدو غير مرئي ومعركته غير محدودة ولا يصلح استخدام القوة العسكرية معه فإنه كارثة أمام المؤسسة السياسية التي لم تعد قادرة على مجابهته، كما إنه أدخل العلاقات بين الدول الكبرى في مسارين وهما:

  • علاقات تنافسية من قبل شركات الأدوية وما ترتب عليها من مكاسب تجارية وتعزيز القوة الناعمة.
  • تكاتف العلاقات عبر تكاتف الخبرات وتعاونها من خلال المشاركة في الاكتشافات.

وهذه المشاركات تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتأييد 188 دولة وكذلك تم تبني المشاركة والتعاون من قبل المؤسسات الدولية كـ(صندوق النقد الدولي) وأغلب البنوك المركزية باتباع سياسات أكثر تسهيلاً للسياسات النقدية ما يزيد من الحس التعاوني بين الدول إلا أن هذا لا يلغي الحس التنافسي في التعامل بين الدول، إلا من من آثار كورونا هو القضاء على العولمة العودة إلى مفهوم الدولة القومية واستعادة مفهوم السيادة وبالنظر إلى اتجاهات النظام الدولي المعاصر سنجد أن كورونا “يعزز الترابط الاقتصادي والتقني من ناحية ولكنه ينطوي على تفتت السياسي والاجتماعي

من ناحية أخرى” كما ودعا رئيس منظمة الصحة العالمية إلى “عدم تسييس موضوع الكورونا” وعلى اثره انتشار وباء كورونا عقد العديد من المؤتمرات والمنتديات في سبيل تحسين الظروف الإنسانية للإنسان ويعد فيروس كورونا من أبرز القضايا التي شغلت اهتمام العديد من المنظمات الدولية كمنظمة الصحة العالمية (WHO)ومنظمة أطباء بلا حدود إذ أن فيروس كورونا من أخطر الأوبئة التي تعرض لها العالم

وتكاتفت الجهود الدولية بالعمل للحد من انتشاره والبحث عن العلاج ونشر التوعية للوقاية منه ويشير عمل هذه للمؤسسات إلى مدى قوة هذه المؤسسات في التأثير على الأحداث الدولية والتي قد لا تستطيع دول بأكملها أحداثه حيث أضحت هذه المؤسسات فاعلاً أساسيا مؤثر على السياسة الدولية وأصبح العالم باسره متوجه نحو الديمقراطية الأخلاقية والبعد الإنساني والسعي لتوفير الاحتياجات البشرية البسيطة مقابل الاستغناء عن نظرية النيوليبرالية.

ماهي طبيعة النظام العالمي الحالي في ظل كورونا؟

  1. الترابط الاقتصادي والتقني.
  2. الاعتماد المتبادل بين أسواق الدول الكبرى سيدفع العلاقات الى نحو اللعبة الغير الصفرية أي توظيف المصالح المتعارضة بطريقة لا تؤذي المصالح المشتركة.
  3. زيادة أهمية المنظمات الدولية سواء كانت حكومية أم غير حكومية.
  4. التزاوج الأيديولوجي اي بين الفكر الاشتراكي (عدالة التوزيع) والفكر الليبرالي(معدلات النمو) مما سيدفع ذلك العلاقات الدولية نحو اتجاه أقل عنف.
  5. عمقت هذه الأزمة من الترابط الجيوسياسي لاسيما في الاتحاد الأوربي بعد أن تعرض للانقسام نتيجة انسحاب بريطانيا منه واحتمالية تفككه، إلا إن هذه الأزمة ستعيد بناء النسيج السياسي والاقتصادي والاجتماعي كرد فعل طبيعي لاحتواء وتجاوز الأزمة، كما أن العديد من الدول المترابطة جغرافياً ستترابط علاقاتها في سبيل إصلاح الأضرار الاقتصادية وزيادة معدلات الاستثمار.

مستقبل مراكز القوى الدولية في النظام الدولي

في سبيل استشراف مستقبل التغيير في النظام الدولي وتحديد ملامح القوى الكبرى يمكننا اللجوء إلى ثلاث احتمالات منها:

نظام الشراكة الدولية مع القوة المركزية(الولايات المتحدة الأمريكية)

ينطلق هذا النظام عبر أسس التعاون والشراكة فيما بينهم ويكون نظاماً أكثر انصافاً وعدلاً ويسمح للقوى الكبرى المشاركة في إدارة التفاعلات الدولية بدل من الانقياد وراء قرارات الولايات المتحدة الأمريكية فضلاً عن ضمان مصالحهم وأدوارهم ونفوذهم العالمي وقد أشار المفكر جوزيف ناي بأن العالم اصبح اليوم ضمن رقعة الشطرنج المعقدة وثلاثية الأبعاد(عسكرية-اقتصادية-التكنولوجية)ففي أعلى هذه الرقعة نجد القوة العسكرية والتي تهيمن عليها الولايات المتحدة الأمريكية بدون منافس أما في منطقة الوسط نجد القوة الاقتصادية والتي تكون متعددة الأقطاب ومن أهم اللاعبين في هذه الرقعة (الولايات المتحدة الأمريكية –اليابان-الدول الأوبية) أما في القاعدة فنجد التكنولوجيا والفواعل العابرة للحدود وتقع خارج سيطرة الحكومات.

ففي هذا النظام سمحت الولايات المتحدة الأمريكية للدول الكبرى بالمشاركة معها في إدارة شؤون النظام وتحمل أعباء الإدارة إلا أن هناك نقطة مهمة وهي علة رغم من اتباع الولايات المتحدة الأسلوب المرن لاسيما في عهد أوباما إلا أنها تسمح بالمشاركة وليس بالشراكة معها في مصالحها ومناطق نفوذها، فهي تؤمن بالنظام المتعدد الأقطاب

ولكن تحت الهيمنة الأمريكية وذلك عبر أقامة تحالفات وشراكات استراتيجية في في مجالات اقتصادية وأمنية وتكنولوجية مع احتفاظها على حيويتها الاقتصادية والعسكرية والاعتماد على المساعدات كوسيلة سياسية وورقة ضغط ودعم الحلفاء والشركاء لاسيما حلف شمال الأطلسي والاعتماد على الاستثمارات كأداة للتوسع وممارسة النفوذ ومن الاسباب التي دفعت بأمريكا أن تتقبل فكرة هذا النظام هو ظهور تحديات دولية كالإرهاب الدولي وتلوث البيئة التغيير المناخي والأمن السيبراني لذلك آمنت بأن الشراكة أفضل من الصراع مع الأقطاب الكبرى.

نظام بلا أقطاب

يشير هذا الاحتمال من شكل النظام الدولي لعدم وجود قوى قادرة على أن تلعب دور مؤثر ورئيسي داخل النظام لعدم اكتمال مقومات قوتها أو تراجع قدراتها وتأثيرها في أداء التفاعلات الدولية وهذا مما سيؤدي إلى إقامة نظام على أساس التحالفات والشراكات الاستراتيجية المضادة والمرنة ومستمرة التغيير ولا تعطي شكل ثابت للنظام وفي مقال لـ(سيمون سيرفاتي) أستاذ السياسة الخارجية الأمريكية بعنوان “الحركة نحو عالم ما بعد الغرب” الذي نظر إلى اللاعبين الرئيسيين في عالم ما بعد الغرب والعلاقة بينهم

إذ استنتج بأن عصر الأحادية قد ولى إلى غير رجعه كما أنه يستبعدأن يعود العالم إلى ثنائي القطبية فرغم من تراجع القوة الأمريكية إلا أنه ليس هناك قوة دولية أخرى قادرة على أن تحتل مكانتها التي كانت عليها، وإن العالم يتجه اإى عالم بلا قطبية أي بمعنى تعدد الأقطاب الصاعدة والمؤثرة وكذلك أضاف ريتشارد هاس وهو رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية في مقال له (عالم بلا قطبية: ماذا بعد هيمنة الولايات المتحدة) إذ أنه يرى حتمية انتهاء النظام الأحادي والتوجه نحو نظام بلا أقطاب وذلك لعدة أسباب وهي:

  • العولمة.
  • تراكم الموارد البشرية والمادية والتطورات التكنولوجية.
  • الاستنزاف الاقتصادي لولايات المتحدة الأمريكية نتيجة حروبها وتوسعها خارجياً.
  • ظهور تكتلات عالمية كالاتحاد الأوربي وشنغهاي وبريكس.

وقد أشار هاس بأن نظام بلا قطبية سيؤدي إلى كشف نقاط ضعف الولايات المتحدة الأمريكية بسبب تعدد مصادر التهديد مما يجعل من الصعوبة السيطرة على اتخاذ القرارات فإنه وصف هذا النظام بأنه نظام فوضوي ومعقد وغير مستقر وتكثر فيه النزاعات والأزمات.

النظام المتعدد الأقطاب

يؤكد هذا النظام على أن القوى الكبرى ستكون جاهزة لتحمل المسؤولية لإدارة النظام وتحمل تكاليف وأعباء إدارة ومعالجة الأزمات والقضايا العالمية التي تهدد الأمن والاستقرار العالميين مثل الفقر الإرهاب الدولي انتشار الأسلحة النووية والأمراض التصحر إذ ستشعر كل دول العالم بأن هناك تهديد لأمنهم ولدولهم مما ستندفع الى التعاون بدل من الصراع والنزاع والتنافس على البحث عن الهيمنة وفرض النفوذ على النظام الدولي بالقوة، فضلاً عن تأكيدها على ضرورة اتباع آليات الحل الجماعي للمشكلات التي يتعرض إليها النظام وإعطاء الأولوية للقانون ونشر الديمقراطية والأخذ بقيم العدالة والاحترام المتبادل والتعاون.

وكما أننا نشهد اليوم تأخر في حل الأزمات الدولية من قبل الولايات المتحدة إذ أنها أصبحت غير قادرة على العمل بمفردها كالأزمة السورية والأزمة الأوكرانية فقد وصفت الباحثة روزا بروكس الولايات المتحدة بالعملاق الجريح وكذلك مقال للباحث ديفيد بروتكوف بعنوان “أمريكا المحدودة) قائلاً أن الولايات المتحدة انتقلت من قوى عظمى إلى مجرد معلق سياسي على أحداث العالم” فضلاً عن زيادة نشاط الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن”

واستخدام حق الفيتو من قبل روسيا والصين وعدم السماح لأمريكا باستخدام القوة العسكرية لحل أزمة سوريا وكان هذا الموقف مشابه كذلك لموقف بريطانيا الرافضة لأي تدخل عسكري إضافة إلى تنامي القدرات وتحقيق النجاحات في مختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية لكل القوى الكبرى (روسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان) التي تسعى كل هذه القوى إلى تأسيس نظام متعدد الأقطاب.

لذا نجد بأن الاحتمال الثالث هو الاحتمال الأرجح نتيجة حدوث عدة من المتغيرات الاقتصادية والعسكرية والجيوسياسية التي عكست تأثيرها على بيئة النظام وتفاعلاته السياسية مما استلهمتها القوى الكبرى لتغيير النظام وتحقيق أهدافها ومصالحها من غير أن تتجاوز على مصالح وأهداف الدول الأخرى.

الخاتمة

لاحظنا عبر التاريخ تغييرات في العلاقات الدولية، وفي تغيير ترتيب الدول الكبرى سواء صعود قوى وتراجع مكانة قوى أو قد تصل إلى درجة التلاشي والاضمحلال، كما أدركنا بأن المصالح والأهداف هي التي تتحكم في سلوك القوى الكبرى وهذا ما سيكون عليه أمر بالنسبة للهيمنة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية، فهو أيضاً سيتلاشى في وقت من الأوقات، غير أن القول بزوال، أو، ربما تراجع، الهيمنة الأمريكية، يجب أن يقابله البديل الحقيقي

إلا أن اغلب الدراسات تؤكد على أن النظام سيتحول إلى نظام متعدد الأقطاب متمركز على التعاون وحرية التفاعل والحركة ومواجهة كل التحديات والتهديدات بجهود مشتركة ويعتمد هذا التغيير كذلك على مدى استجابة القطب الأحادي للتغيير والسماح للأخذ بمبدأ المشاركة مع القوى العالمية الأخرى وعدم استخدام القوة العسكرية لإدارة التفاعلات الدولية وأفضل دليل على هذا هو كيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني وسعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى الوصول لحل عبر الحوار من دون استخدام فعلي للقوة العسكرية وكذلك عدم قدرتها على حل الأزمة السورية والأزمة الأوكرانية بمفردها من غير المشاركة والأخذ بتوافق المصالح.

الاستنتاجات

  1. التغير في النظام الدولي هي ظاهرة حتمية ودائمة.
  2. ينطلق التغيير وفق ما تمتلكه القوى الفاعلة من القدرات ومشروعية أهدافها ومدى تأييدها من الوحدات الدولية الأخرى ومدى قدرتها على التأثير في تسيير ذلك التغيير.
  3. النظام الدولي في هذا القرن يتجه نجو نظام متعدد الأقطاب تشترك فيه قوى كبرى ومؤسسات العالمية والشركات والمصارف والأفراد كل هذه الوحدات تؤثر على شكل النظام.

بقلم: سيماء علي مهدي

أضف تعليقك هنا