الرسالة الأخيرة

بقلم: الكاتب صلاح الشتيوي

الرسالة الأخيرة: إلى أبي..

وعجز قلمي

تعثر قلمي على الورق وكأنه لأول مرة تمسكه يدي، له الحق أن يتسمر على الورق فهو يستعد ليكتب لأبي، تسبح الكلمات ويصعب على تجميع جملة تعبّر عما يخالج قلبي المسكين. ما سأكتبه وأدوّنه على رسالتي لن يعبر بجد عما في قلبي فحبي لا يرسم بمجرد قلم، يعجز عقلي عن التفكير فماذا أكنب في رسالتي الأخيرة إليك يا أبي، هل أشكرك أو أكرمك. أو أكتب لك رسالة شكر وتقدير، ماذا أكتب لأبي وكل الكلمات التي أعرفها لا تستطيع كتابة جملة مفيدة تعبر عن إحساسي الحقيقي لأبي.

قلمي سكت على الورق، فأفكاري ضاعت وروحي ذهبت لتلقى أبي في الأفق، تحرّك قلمي وشفق علي ورسم حروف أسمك فتراقصت الحروف وسط الكلمات فنطت الفواصل بين الجمل وبقت النقاط تتوثب لتجعل مما سبق جمل، تجمّعت الجمل لتعبّر عما أحس به. السماء سوداء حزينة كقلبي المسكين ﻻ تمطر تتماسك فلا تنزل كدموعي المتجمدة في مقلتي ينفطر قلبي على موت أبي وتنهمر الدموع فلا تنشف تتساقط كأمطار الخريف على وجنتي أمسحها لكن الحزن في داخلي ﻻ أستطيع محيه فلا يمسح، الموت حق والفراق مرّ يا أبي.

كلمة أبي

حين أنطق كلمة أبي تهاجمني حرارة الخجل، فأطأطأ راسي احتراما وتقديسا أمام كلمة أبي، تصعد الحرارة إلى راسي حين أنطقها فأشعر بدفء وحبا أبدي.. أنام وفي جفني صورتك لا تفارقني تتنقل إلى حلمي تلامسني كنسيم عليل في يوم حرِ، أحس بك وأنت جالس بجاني تنصحني ترشدني تعانقي…ترافقني في حلمي إلى البحر لتذكرني كيف كنا نصطاد معا… نرمي السنارة وننتظر ونعيد الرمي مرة ثانية فثالثة وأخيرا تغمز السنارة ونمسك معا السمكة تتمعنها أبي ثم تقهقه وتقول: ” السمكة بعين وأحدة فلو لم تكن كذلك لما علقت” وأمسكنا بها وضحكنا معا طول الطريق ونعود الى المنزل والسعادة تغمرنا.

الحلم الضائع

انتهى حلمي على تغريد عصفوري الذي سجنته في قفص ولم أفهم إن كان يغني أو يستغيث، لم أفهم إن كان سعيدا في قفصه أو حزين لسجنه، استيقظت ولكن ستبقى صورتك في حلمي ترافقني الى الأبد، استيقظت وأنا أفتح جفني على صورتك أمامي معلقة في الجدار وأنت جالس على كرسي بجاني وسط الاشجار، هل أستدعيك لشرب قهوة أو أتخيلك ترشفها معي، أو أني صرت مجنون؟ فإن جننت بحب أبي فهذا غير غريب!

لقد علمتني

أيها القارئ المحترم أظن أن لك أب وتشعر بما أشعر به، هل تتلذذ حنان الأب وعطفه وفرحه وسعادته حين تنحني وتقبل يديه وتنتقل إلى رأسه وتطبع عليه قبلة الاحترام والحب. أشعر بالحنان وهروب الخوف من قابي الصغير وأنا أرتمي بين أحضانك علمتني أن للكون خالق واحد، وأن الظلم ظلام وأن العدل هو نور الحياة وأن التواضع زينة الرجال، وأن الاخلاق والمبادئ هي الأساس.

لقد كنت أبي النور الذي يهديني إلى الحق، لقد علمتني أن الحقيقة غاية أبحث عنها كشمعة وسط ظلام حالك، وأن الظلم وبال وعتمة على فاعله علمتني أن حسن الخلق مفتاح القلوب، وأن الجود مكرمة الرجال، علمتني أن الضر بيد الله واليسر من عنده، وعلى أن أصبر في الأولى، وأشكر الله على الثانية، علمتني أن لا أقول إلا كلمة حق، وأن كلمة الباطل نار.

13ماي 2020

بقلم: الكاتب صلاح الشتيوي

أضف تعليقك هنا