الشيطان الوديع

كم تخيلنا تحول الأعداء إلى أصدقاء، ولكن بالفعل قد حصل ذلك بشكلٍ أو آخر… التفاوض بالتعايش مع الطرف الآخر شيء لابد منه وعلى وجهِ الخصوص في الوقت الراهن وفي هذا القرن، ولَكن التفاوض لهُ وجه آخر وهو ضعف أحد الطرفين وخضوعه للآخر  فالكثير مِن المواقف عبر التاريخ تُبرهن كيفيه وإمكانية التفاوض للعيش بسلام حتى مع العدو اللدود، ولكن ما الفائدة من ذلك ومن المُستفيد الأول. 

أنا والشيطان الوديع على طاولة مستديرة

لطالما رأيت في منامي ذلك الشيطان الذي كُنت أُقاتله بكل ما أمتلك مِن قوةٍ عقليه وجسديه، فقد كان العدو الوحيد لي، حاربتهُ بالسيف وبالرمح وحتى بالقلم، هذا السلاح الذي يخافه الكثير، ولكن دون أي جدوى وبلا أي حلول سلميّه بيننا، كُنت في فترةٍ مُسيطر على الأمر في بيتي ولكن ما حدث أنهُ ذكي جداً ولا يَترك لي منفذ للإنتصار، فقد أذاقني الأمرّين، ودائماً كُنت أذكر له إنتصاراتي عليه في الماضي القديم حينما كُنت رمزاً للنضال والقوة، فيضحك ويقول ذلك هو الماضي وفكّر في المُستقبل ولن تستطيع تحقيقه إلا في عملك الحاضر، جالساً في غُرفتي و سئمت الإنتظار والأذى والخوف، فقررت في إحدى الليالي الجلوس مع هذا الشيطان على طاولةٍ مستديره لتبادل الآراء و المصالح المشتركة بيننا.

كلٌّ يدلي بما عنده

حاولت عشرون وثلاثون مره إلى أن قَبِلَ الجلوس و المفاوضه، وبدأت أقول له ماذا لو أعطيتكَ نصف بيتي هذا؟ ماذا لو جعلتك تحرس البيت ولك كُل المقدرات والثروات الموجوده فيه، ماذا لو تركتني أعيشُ يوماً براحةِ بال، سأعطيكَ كُل ما أملك مُقابل الأمان والراحه والحِماية، فل نتبادل المصالح وننسى ما حصل، فكّر قليلا وفي نظرةٍ ثاقبه وقد امتلأَ المكان بالهدوء والصمت والخوف فوافق على ذلك بعد السكون المخيف والمريب وبدأ يتلو علي الشروط والقوانين التي فرضها بنفسه، وهاقد مضى الوقت وبدأنا التأقلم والتعايُش، وسرعان ما توسعت أطماع هذا الشيطان وبدأ يَزيد ويُنقص في الشروط لصالحه مراتٍ عديده ويخرق الهدنة، والمواثيق التي بيننا ولكن لاسبيل للتراجع بعد التَفاوض ذلك التفاوض، فبدأت تقبُل الأمر الواقع والاستماع إلى الإملاءات الصادره مِنه، فأنا مَن قبِل التفاوض والخضوع والخنوع مع كُلِ الأسف.

هواجس متضاربة 

الآن بالكاد يكون هذا بيتي رغم الوثيقة التي تُثبت ملكيتي له ورُغم الإرث التاريخي المُثبت لذلك، هذا الشيطان قد أصبح ممسكا بزمام الأمور بشكلٍ كامل، وليس لي سوى الإنصات والتنفيذ، وهذهِ عاقبة من يقبل التفاوض مِن أجل العيش بسلام لفترةٍ محدوده ولا يُفكر بنتاجها مُستقبلاً على نفسه ومَن معهُ في هذا البيت المَجازي، هذا هو الشيطان الوديع الذي يرونه الناس مُسالماً يُحب الخير ويتصف بالود، ودائماً ما يتناقلون القصص التي يغلفها الحب والتعايش بيني وبين هذا الوديع بنظرهم، للأسف لم يرونه كما رأيته من زاويتي ومنظاري، فقد عانيتُ الآن، بسبب أنني أردت الراحة و لفترة قصيره، تضررت الآن معه أكثر من الضرر الذي لحق بي سابقاً، حاولت كِتابة رسالة قصيره إليه بأدق المفردات وأبلغ المعاني، لكي أعتذر عن إستكمال الاتفاق، فقد فكرتُ بكلماتٍ كثيره ووجدت كلمةً بليغه ربما وصفت هذه الكلمة كُل شيء في حالتي السيئة وبدأت أبحث عن المعنى الدقيق لها ،وخلال البحث المطوّل وجدت المعنى و ضاعت الكلمة وبقي المعنى بين يداي… ثم أفقت من المَنام.
وكما قال عنتره بن شداد: فَعيْشُكَ تحْتَ ظلّ العزّ يوْماً *** ولا تحت المذلَّة  ألفَ عام

فيديو مقال الشيطان الوديع

أضف تعليقك هنا