المروءة المتحركة

بقلم: عادل عبدالستار ممرض بالطب النفسي

كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء ، وكان حديثه حول كم القبح وسوء الخُلق الذى حولنا، ولا شك أن عنده حق فى هذا الطرح ، ولكن ما لفت نظرى إنه لم يستطيع أن يرى النماذج الجيدة و الكثيرة أيضاً حولنا ، وشاء القدر أن انضم صديق أخر لنا، ومن ضمن الحديث ذكر أن زميلة زوجته سيدة متزوجة من قرية تعمل فى مؤسسة غاية فى الالتزام وقد مرض أخيها الوحيد فجأة ، وما كان من تلك السيدة التى لديها زوج وأولاد وبيت الا أن تتكفل برحلة مرض أخيها ليس مادياً فقط ولكن ذهبت معه الى القاهرة وأدخلته فى مستشفى خاص ، ثم قامت بتأجير شقه بجوار المستشفى ليسكن فيها والدها ووالدتها ثم كل أسبوع تذهب اليه يومين بعد أن تنهى عملها ال 24 ساعة.

تضحية السيدة

تخرج من عملها الى القاهرة ، تاركه أبنائها وبيتها وهى بين المطرقة والسندان بين واجبها تجاه أخيها وبين أبنائها التى تركتهم ، ثم لا تنتهى التضحية الى هذا بل أعطت والدها مبلغ من المال بعشرات الالاف لتكلفة علاج أخيها وأستمر هذا الحال لمدة شهرين متتالين ، كانت تقوم فيها بعمل الاكل فى بيتها وتذهب به الى القاهرة لابيها وأمها وأخيها ، الى أن منً الله عليه بالشفاء.

ايها السادة … أعلم أننى ربما أطلت بعض الشئ فى ذكر التفاصيل ولكن أردت من هذا أن يصل للقارئ الكريم مدى تضحية تلك السيدة التى أشعرتنا إنها ( كتلة مروءة متحركة ) لانها فى المُقابل كانت تستطيع ببساطه شديدة تقول والدى ووالدتى مع أخى ، ويكفى أن ازوره مره او مرتين خصوصاً وإنها غير ملزمة إجتماعياً وربما دينياً بكل ما قامت به فهى سيدة متزوجة وأبيها وأمها على قيد الحياة ، ولكن تلك هى المروءة ، المروءة التى مازالت فى النفوس والقلوب ، المروءة التى اثق تماماً إنها سوف تظل فينا الى أن يرث الله الارض ومن عليها.

هل القبح ساد العالم أم لا تزال المروءة موجودة؟

ورسالتى ايها السادة إنه ورغم ما نراه حولنا من قبح وسوء خلق الا إنه علينا أن نؤمن أنه يجب أن ننظر الى الصورة كامله ولا ننظر الى جانب واحد منها فقط والا أمتلئت نفوسنا وعقولنا أن المروءة قد أنتهت ، وأن حسن الخلق اصبح شئ من التاريخ ، ولكن الحقيقة غير ذلك فلدينا الاف الامثلة مثل تلك السيدة لا يتسع الوقت ولا المكان لذكرها ولكن دعوتى ان ينظر كلاً منا حوله وسوف يجد تلك الامثلة ودعوتى أيضاً أن نشير لها ونذكرها أمام أبنائنا كى تعلو تلك القيمة داخلهم و حتى لا يُصابوا بما أصيب به صديقى احباط ، علينا أن نعلمهم أن ينظروا الى الصورة كاملة ومن أكثر من نافذة فيتشكل وجدانهم وثقافتهم أنه كما هناك السيئ فهناك الجيد ايضا … نعم هناك قبح حولنا وبيننا ولكن هناك من يصنع الجمال ايضاً فى نفوسنا ، هناك من هم حقاً صناع الجمال .

ورسالتى الاخيرة للاعلام … أن على إعلامنا أن ينتبه الى الاحباط الذى بدأ فى الظهور فى نفوس الناس لما يروه من كم القبح الذى حولنا ، فعلى الاعلام أن يُشير الى مثل تلك الامثلة فهى كثيرة للغاية ، فوالله إن تلك النماذج هى أحق من تلك النماذج السيئة والرخيصة التى يظهرها إعلامنا ، وكلمتى لهم ياقوم ما لكم كيف تحكمون .اللهم أحفظ مصر … ارضا وجيشا وشعبا و ازهراً.

بقلم: عادل عبدالستار ممرض بالطب النفسىي

 

أضف تعليقك هنا