اليتيمة الصغيرة

بقلم: بولنوار قويدر

أميمة ذات الوجه الملائكي والطلعة البهية ذات الابتسامة المشرقة على محياها ,طلعت لهذه الدنيا بغير أب ليس بمحض إرادتها ,ولكنها الأقدار جعلتها أن تكون يتيمة من غير أب نتيجة حادث مروري, وشلل الأم  بعجز تام في رجلها اليسرى. فنشأت في أحضان أسرة يلفها الفقر والعوز ويحاصرها المرض من كل جهة, فالأم مشلولة,والجد كفيف ,والعم عائل ,أمّا الأخوال فقد شردتهم لقمة العيش على ربوع المعمورة, فلا ترى لهم طيف إلا في عطلة الصيف لمدة لا تتجاوز نصف الشهر ثمّ يغيبون على مدار الحول.

العائلة التي عاشت فيها أميمة

ترعرعت في وسط هذه الظروف الاليمة تعاني رافضة الابتعاد عن جدها ,وكانت الام تربطها علاقة أسرية وطيدة بعائلة شيخها لأنها كانت هي الاخرى يتيمة الاب والام ,فلا مأوى لها غير بيتها الاول الذي سكنته مع زواجها , وقد لاقت فيه كل نعيم بمفهومها للحياة حتى بعد وفاة زوجها…أميمة كانت لا تحب أن يقال لها أنت يتيمة .كانت تجد اليتم كلمة صعبة وثقيلة ثقل الجبال,تلوي الألسن عند ذكرها ولاتحب سماعها ولا الاتصاف بها … كانت ترى فيها شبه للجمر فيحرق حرارته ولونه,ترتعد له الأطراف وتقشعر لها لأبدان…كانت ترى في كلمة (يتيم) حساسية مفرطة, وبخاصة لمّا ترى كل أب يداعب ابنه وينحني له عطفا وحنانا.

وترى الابناء يقبلون أيادي أبائهم حين الذهاب للمدرسة وحين العودة  منها…فأرادت أن تتجاوز هذه المحنة لتحولها إلى منحة في كنف أمّها المشلولة وجدها الكفيف…كانت لا تخرج من بيتهم إلا وتقبل يد أمّها بالمطبخ وهي مرتكزة على عود تستند عليه لتحضير فطور الصباح, وما فطور الصباح سوى كأس حليب أكثر من نصفه ماء, وقطعة خبز يابسة من بقايا عشاء البارحة… وتدخل على جدها في غرفته لتلقي عليه تحية الصباح وهي تقبل يده,فيداعبها ويقبل رأسها ويعطيها حبات حلوى كان قد اذخرهم لها , وهي عادة قد  ألفتها منه كل صباح.

الظروف التي واجهتها أميمة

بعد هذه السمفونية الرائعة التي تعزف كل صباح, وبعد مغادرة أميمة البيت متجهة إلى المدرسة وبعد التأكد من خروجها تنهمر عيون الجد شلالا من الدموع لا يعرف كيف يكفكفها…أمّا الام على عجزها وإعاقتها كانت تقاوم كل ذلك لتحضر للأسرة ما جادت به بعض الجمعيات الخيرية والمحسنين والمنحة التي تصرف لهما كمعوقين كل شهر. على الرغم من قلتها كانت تصرف  فيها الام بمهنية فائقة .كأنّها خريجة أكبر جامعات الاقتصاد فتعرف وضع كل دينار في مكانه:(التفكير والتدبير نصف المعيشة إن لم تكن هي المعيشة بذاتها…).

الطموح الذي كانت تحلم به أميمة

أميمة كانت و في كثير من المرات تقول لأمها : (نحن لسنا بحاجة إلى هكذا صدقات نحن لسنا بحاجة إلى مايعطونا,نريد أب يدخل علينا بيد ههذه الأشياء.وتقفز بكلمات أكبر منها ولكنّها متيقنة منها:( يجب أن أعمل وأشتري لكما ما تحتاجان له. )…كانت الام تلاطفها  وتحبس دموعها غصبا وتقول لها: (أنا بانتظارك يا أميمة حين تكبرين وتأتيني بما أحتاج وحينها لا أقبل هذه الصدقات…)تضحك اميمة وتجعل من قول أمها مشروعا تنتظره بفارغ الصبر, وتريد ان تختصر الايام والسنوات حتى تحقق ما قد وعدت به أمها.

ملاحظة

ملاحظة: توقفت كثيرا هنا: هل أكمل القصة إلى نهايتها أم أتوقف…فأردت أن أترك حرية القارئ إمّا أن يكمل أو يتوقف ويجعل لهذه القصة نهاية كما يريد؟؟

هل حققت حلمها لإنقاذ عائلتها؟

توالت الأيام ,وتدرجت وتدحرجت السنون أيام وشهور مع دوران سن أميمة ,وقد حالفها النجاح والتوفيق وحلم مشروعها قد كبر معها وكانت دائما تذكره وتتذكره …أنّها ترفض الصدقات.  وتريد أن تتكفل بحاجيات الأسرة … ليس هروبا من المقادير لنحزن عليها دهرا, بل الشقة والمشقة لمّا لا نستطيع تحمل نتائج المقادير… في هذا الوقت كانت النتائج على الابواب لمّا ازداد المرض على الجد, ومع ظهور نتيجة أميمة بتفوق كبير بتقدير “ممتاز جدا” نقل لها نبأ وفاة جدها ,فاختلط عليها الأمر, وتحولت نشوة الفرحة وبرنامج الحفلة إلى مأتم وتحولت البسمة إلى دمعة….ليست الأيام دائما على حال واحد, كل حين ونحن في شأن…( يمكن للحزن أن يتلاشى، ويمكن للفرح هو كذلك أن يتلاشى، ويبقى الأمل في تزايد ومستمر وهو سيد الساحة ) قابلت المحنة بصبر وثبات وعقدت العزم أن تحوله منحة لأمها بأن تمسح دمعها بشهادة نجاحها وتكرمت بأن تهدي تفوقها لجدها وهو في القبر.

بقلم: بولنوار قويدر

 

أضف تعليقك هنا