تأملات في الجبال (المدينة المنورة)

بقلم: د.إيمان عقرباوي

تمثل الجبال أوتاد للأرض تثبتها وتمسكها حرصا على ان تميد الأرض، فالجبال لها جذورتمتد في طبقة السيما اللزجة ( الطبقة المنصهرة) أسفل القشرة الأرضية، وردت الجبال في القراءن الكريم على أنها رواسي  (في 9 أيات) ومنها قوله تعالى”وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ” ﴿سورة النحل١٥﴾، وجاءت بمعنى وتد ( مرة واحدة)، في قوله تعالى” أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ﴿٦﴾ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ” ﴿سورة النبأ ٧﴾” والجبال تحفظ  توازن الأرض. وفي مدينة رسول الله كان للجبال التي احاطت المدينة من جهاتها الجنوبية والشرقية والغربية، أثر في التقليل من العواصف التربية، ولصخورها السوداء دور في امتصاص الحرارة، وفي جهات أخرى تزيد بها الأمطار.

تأملات في الجبال

الناظر الى المدينة المنورة من صورة جوية ، يجد انها التفت بها الجبال ، ولا يلبث الزائر يلتفت حولة فيجد انه ارتسمت امامة صور الجبال، بلوحة فنية غاية في الاتقان، تعددت الوانها، وتضاريسها، وارتفاعاتها، تبهر كل من تأمل بها، وترمي الشمس بحبالها الورافة الرفيعة سفوحا جبلية وتتوارى خلفها على استحياء عند مغيبها، مخلفة نورا خافتا، وقرص شمس كأنه البدر في وسط السماء. الى ان تتهاوي الشمس بسكينة واطمئنانا، ويحل الظلام، ويرفع الآذان، ويفطر الصائم على تمر ولبن وماء، وندعو الى تأملات في الجبال ( فسبحان الله ).

ظاهرة الجبال في مدينة رسول الله، ظاهرة فريدة من نوعها، فقد جمعت بين  العصرالقديم والحديث، فهي تعود الى اقدم العصور الجيولوجية (ما قبل الكامبري) الى العصر الحديث، وتخللها فترات تعرية وارساب، تمثل متحف جيولوجي  متنوع .

وتشمغ الجبال عاليا لتلامس السحاب، وتقف بقوة وأجلال وتسبح للذي خلق السماوات وثبت الارض، ما خلقها باطلا – سبحانك- وتطوق مدينة رسول الله كطوق مصنوع من لؤلؤ ومرجان حول مدينة يأرز اليها الأيمان، وتحمي داخلها من عواصف وغبار. وتميل الأرض وتغطيها الحرات وكانها حصيرة مصنوعة على يد فنان، وانسيابات لابا سوداء كأنها أنهار تجمدت من قديم الزمان. وبراكين تطل على  جنوب المدينة  وشرقها، كأنها الحارس لساكنيها، وتسبح الله. اينما توجه نظرك ترى الجبال وهي تميل على هيئة أرتفاعات وبروزات، وسفوحا كأنها موجة بحر تميل ثابتة في المكان، وصور بانوراما للجبال فيها سحر جذاب،  تراكمت كأنها طبقات أرتصفت على عدة مستويات. ووجدت الجبال تتقطع بالصدوع والأخاديد كزجاج هش انكسروتعددت فيه الشقوق والأنكسارات. وقواطع صخرية مختلفة في الألوان، وتتهاوى صخورها من فوقها  كأنها كرات تدحرجت لتستقر في القاع. اي كون هذا الذي ابدعة الخالق القهار – سبحان الله –.

ضمها المولى عز وجل في كتابة في ايات تجازوت العشرات تدعوالى التفكر، فكانت ايه الله في الكون الدائر في فلكة بانتظام، ترددت بكتابه العزيز بصيغة الجمع (33 مره) تبعا المعجم المفهرس لالفاظ القران و خمس مرات بصيغة المفرد، وتسع مرات كلمة رواسي.ونسور أحبت وعشقت الجبال، وبنت لها في أعاليها قصور وأعشاش ، تعشق القمم ولا تعيش في القاع، تعيش في الأعالي بكل فخر وكبرياء، حره طليقة في الهواء، دون قيد او حبس في قفص مغلق باحكام، بغزيرتها القنص والكد لتبقى على الحياه.

العبادة في الجبال

وفي العالم معابد ارتبطت بالجبال، لا يلبث ان يصل المتعبد بعد طريق شاق الى معبده  في مكان كلة هدؤ وسكينة، ودون ازدحام، وحالة انقطاع في تفكر وتأمل في الكون الفسيح، مع ترتيل الأيات لساعات وايام، في صورة إيمانية وقلب خاشع، وانه مع الله. و قلب مملؤ باليقين والأيمان، ومراجعة عما فات وغسل الذنوب والخطايا، يدعو الله تضرعا وخيفة، وانه أقرب الى الله ، دون فضائيات او حتى اتصال مع الأصدقاء.لا عجب ان المصطفى علية السلام تعبد في غار حراء في جبل النور، وحوله جبال شامخة وفضاء واسع لايام وليالي  تصفو النفس فيه، بعبادة تفكرو تأمل.  فكان هو الرسول المختار بعد نزول الوحي عليه في الغار. بل  أحب الرسول جبل أحد، يطل بصخوره النارية ويزنها جرانيت مختلف الوانه، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم :” أُحُد جبلٌ يحبُّنا ونحبه ”  .انها تأمــــلات في الجبال، وثقافــــــــة تأمــــــل

سياحة الجبال

كانت السياحة ترتبط عادة بسواحل البحار والبحيرات، والغابات والسهول. نقف عند الجبال ونقول سياحة الجبال، فهي سحر جذاب من وجود الينابيع والشلالات، كان منها البارد والحار، او تجمعات مياه امطار كونت بحيرات، وفوهات براكين مضى عليها الزمان، وكهوف وحفر موجودة في الجبال، بل الوان تزين الجبال تصبغ صخورها كأنها ريشة رسام رشق فيها الجبال بالألوان، بل هي طبيعة في الصخور من تركيب كيماوي، ومعادن وبلورات، او انها خرجت من فوهات براكين وكونت صخور سوداء، لونها خالقها الباري فاحسن صورها – سبحان الله- فذكر في كتابة “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ” ﴿سورة فاطر: 27﴾ ، وكانت اية من ايات الله في الكون .

وتميل الطبقات الصخرية الملونة بصورة غاية في الدقة كأنك في عالم الخيال، وجبال سود حدثت بفعل براكين، وتجمدت وبقيت حيث كانت، وانساب منها من اللابات لمسافات، وغطت الأودية والمنخفضات، كأنها انهار صخرية سوداء. وفي مساحات غطتها اللابات، وكونت الحرات ومنها حرات المدينة في سهول فسيحة غطتها الحصى والمفتتات، وكان منها خيبر ورهاط وكرماء في شرق المدينة، وفوهات براكين حدثت من سابق الزمان كأنها حلقات ظهرت على صور فضائية مختلفة المساحات وكانت غاية في الجمال .

جبال المدينة المنورة 

تقع المدينة المنورة في حوض رسوبي تحيط بها الحرات والجبال من ثلاث جهات الشرقية والغربية والجنوبية، تتراوح ارتفاعاتها بين ( 1000م في الشرق – 1800م في الغرب ) تكونت من صخور الدرع العربي ( وهي صخور قديمة ومتطبقة تعود لعصور قديمة (الكامبري وقبلة اي  قبل 500 مليون سنة)، وصخوربركانية حديثة نتجت عن البراكين، وهي الأوسع انتشارفي المدينة ومنها البازلت والأنديسيت، في حين ان صخور الدرع العربي تظهر كبروزات جبلية في المدينة المنورة، أضافة الى الرسوبيات .

أهم الجبال في المدينة المنورة 

تعددت الجبال في المدينة المنورة وكان أشهرها جبل أحد والرماه ، والجماوات، جبل عير، جبل سلع ،جبل قريضة، جبل الأصفرين، جبل الراية، جبل الأغوات، جبل المستندر، جبل أعظم، جبل الحرم، جبل ثور.

أولاً: جبل أحد

يقع في الجهة الشمالية من المدينة المنورة، وتحديداً شمال غرب وشمال وادي قناه، ويبعد 4 كم من المسجد النبوي، ويمتد على هيئة سلسلة من الشرق الى الغرب لمسافة تصل الى 7 كم شمال المدينة المنوره، ويميل نحو الشمال، ويتراوح عرضه بين 2-3 كم، ويبلغ ارتفاعه 1077م، وجبل أحد متعدد الألوان، وله روؤس كثيره، ويحتوي عروق معدنية، ويغلب عليه صخور نارية وهي صخور الجرانيت بلون أحمر الى الأخضر الداكن. ويتسم جبل أحد بكثرة الشقوق، والانهيارات الأرضية، وشدة انحدار سفوحه، وتتجمع مياه الأمطار الغزيره في فجواته وتكون برك مؤقته تسمى المهاريس، وتكون الشلالات. لقد أرتبط جبل أحد بالتاريخ الأسلامي وبأهم الغزوات ( غزوة أحد)، وله مكانة دينية عند المسملين، وأحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان يقول : ” أُحُد جبلٌ يحبُّنا ونحبه “.    وسمى أحد لتفرده وانقطاعة عن الجبال الأخرى، ويقع جبلي تيأب وثور من جانب أحد الشمالي الغربي، وجبل الرماه من جانبه الجنوبي الغربي. وتنبت بين شقوق جبل أحد نباتات منها ( الحميض، وشوكة العنب، وشجرة الريح ).

ثانياً: جبل الرماه 

هو جبل صغير بجانب جبل أحد، يقع شمال المسجد النبوي الشريف على بعد 3 كم، له مكانة دينية وتاريخية عند المسلمين، فقد أوقف الرسول عليه السلام عبدالله بن جبير على خمسين رجلاً في غزوة أحد، لحماية ظهور المسلمين من تسلل المشركين من الجهة الجنوبية، وأمر الرماه أن يتمركزوا فيه سواء انتصر المسلمين أو هزموا، لكنهم خالفوا أمره ظناً منهم أن المعركة أنتهت، فاستغل المشركون خلو الجبل من الرماه وقتلوا عدد كبيرا منهم . وسمي الجبل بهذا الاسم لانه وضع عليه خمسين من الرماه في غزوة أحد، ويعرف ايضاً بجبل عينين.

ثالثاً: جبل عير 

هو جبل أسود شكله مستقيم وطويل( يبلغ طوله 2000م)، يقع جنوب المدينة المنورة، ويبعد 8 كم عن المسجد النبوي الشريف، ويقدر عرضه 70م، وأرتفاعه 955م، وهو حد حرم المدينة المنورة كما حدده الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن ابراهيم التيمي عن ابيه  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “المدينة حرم ما بين عير الى ثور”.

رابعاً: جبل سلع 

يقع شمال غرب المسجد النبوي الشريف على بعد أقل 500م ، والأن يتوسط المدينة، وطوله يبلغ 1000م وعرضه 300-800م، وارتفاعه 681م، وأشتهر سفح الجبل الغربي بين أهل المدينة باسم المساجد السبعة، وهو المكان الذي صلى فيه اصحاب الرسول عليه السلام أثناء حفر الخندق، وأشهر هذه المساجد في هذا الموقع مسجد الفتح، وعلى سفحه الغربي كانت احداث غزوة الخندق سنة 5 للهجرة، وطرفه الشرقي تقع ثنية الوداع. ويتكون هذا الجبل من صخور بازلتية لونها داكن تميل الى اللون الأسود، ويمتد الى الجنوب وتتفرع منه أجزاء في وسطه.

خامساً: جبل الراية

يقع في الجهة الشمالية  من المدينة المنورة وشرق جبل سلع، أول طريق العيون يبعد عن المسجد النبوي 1,5كم ، ويسمى بجبل ذباب، وهو جبل اسود اللون، وصغير لا يتجاوزر ارتفاعة 20 م ، وقف عليه الرسول عليه السلام للاشراف على اعمال حفر الخندق، وبنى عليه مسجداً عرف باسم مسجد الرايه.

سادساً: جبال الجماوات 

هي ثلاثة جبال سود، تقع في الجهة الغربية من المدينة المنورة، وعلى أمتداد مجرى وادي العقيق، وأهمها ، جماء العاقر، جماء أم خالد، جماء تضارع، وفي العصر الأموي بنت على سفوحها قصور، ومزارع، وتمتد من الشرق الى الغرب.

سابعاً: التلال البركانية 

تقع جنوب المدينة المنورة، على بعد 20- 30 كم، وهي مجموعة من التلال غير المنتظمة، وبعضها يرتفع الى 900م، منها جبل ضبع على بعد 35كم من المدينة المنورة .وكانت الجبال في المدينة المنورة متحفاً طبيعاً، وما ارتبط بها من جمالية بالمكان. وسجلا تاريخيا يوثق التاريخ الاسلامي في المدينة المنورة، وتشهد الجبال على الأحداث التي حلت بالمنطقة من خلال النقوش الأثرية على صخورها، ومن المصادر الدينية والتاريخية والأثرية، فهي تجمع سجلا جيولوجيا وتاريخيا في آن واحد.

بقلم: د.إيمان عقرباوي

 

أضف تعليقك هنا