تنافس أم تلاهث؟

تتفاوت أقدار الناس، وتتباين منازلهم، فهذا الثَّرَى، وذاك الثريا، وهذا طويل، وذاك قصير، وهذا عاقل، وذاك أحمق، وهذا ناجح، وذاك فاشل، وهذه سنة كونية سنها الله في خلقه لتستقيم الحياة، وتتكاملَ في صورة مذهلة، تدور بها عجلتها دونما توقف، في عفوية جمّلها الخالق-سبحانه وتعالى، ولكنها لم تجمُل في نظر بعض السفهاء، الذين يظنون أن الحياة أقدار عبثية، تنحاز إلى قوم على حساب قوم. (التكامل والاختلاف بين البشر)

صورة ريفية 

إن هذه القناعة لا تقع موقعها في قلوب كثير من البشر، فتراهم يتلاهثون فيما بينهم، فهذا لا يحلو في عينيه إلا ما في يد جاره، وذاك لا يبرق في ناظريه إلا ما حققه صاحبه من مجد.ترى الفلاح في حقله يترصّد زرع جاره، كم أخذ، وكم أعطى، وكم أنفق، وكم ادخر، وتراه أيضا يقارن ولده بولده، وكأنه لن يظفر بما يطمح إليه إلا من خلال نظراته السابحة، وأفكاره الشاردة، التي يرسلها سائبة تقتات من قصص الآخرين. ولو أنفق هذا الفلاح كل وقته الذي يجلس فيه صائلا جائلا، ساهمَ الطرف مقهورا، يملأ الحسدُ قلبَه، في التخطيط والتنسيق والعمل، لأحرز خيرا كثيرا، وطارت به همته إلى آماد بعيدة، لكنها طبيعة ريفية أصيلة، تستغرق مجالسهم ونواديَهم، ولا يرون فيها ذرة من قبح الصنيع، أو نتفة من مقذور العمل، لا ينجو منها إلا من نجّاه الله.

صورة أشد عجباً 

وتعجب أشدَّ العجب حينما تُلِم بهذه الملاهثات التي تحدث بشدة بين طبقة من أرقى الطبقات، نفر منهم مَن نفر لإصلاح عيوب المجتمع، وانبرى منهم مَن انبرى خطيبا مهابا في عمامته، ثم تجد فيهم من يرتاع قلبه، وترتعد فرائصه، حين يرى من قامت له قائمة قبله، أو انصاعت له الظروف، وتهيأت له الأسباب، فحقق ما كدح فيه وكابد، كأن الحياة لا تسع سواه، ولا تصلح لغيره، وقد قال النبي-صلى الله عليه وسلم- للأعرابي: ” لقد حجَّرتَ واسعا”، لما سمعه يقول: “اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا”.

الفطرة السوية

أما أصحاب الفطر السوية، والقلوب النقية، الذين سكنت نفوسهم بالرضا، وعمرت قلوبهم بالحب، وقليل ما هم، فتراهم جادين لا يهزلون، فيدركون المجد من أطرافه، وإن رأوه قد حلّ في دار غير دارهم، أتَوا صاحبها فهنّأُوه، كأنما أدركوا بغيتهم، وظفروا بمبتغاهم، لا ينشأ ولدانهم على كره في نفوسهم، ولا يكبر صغارهم على أن هذا لا ينبغي أن يكون أفضلَ منك، وأن ذاك لا يحق له أن يكون أسبقَ لك، وليست قصص الخلائق عندهم إلا محلا للاعتبار والاتعاظ إن كان ثَم اعتبار واتعاظ.

خاتمة

لن ينجح مجتمع في أي مجال من مجالات الحياة المختلفة، إلا إذا سادت فيه فكرة التكامل والترابط، والعمل الجماعي، وغلبت المحبة والألفة والترابط، ونبذ أفراده من قاموسهم الموروثاتِ والعاداتِ التي تكرِّس للتناحر والتدابر، وشعاراتِ الاستعلاء والكراهية، قال النبي- صلى الله عليه وسلم: ” إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا”.

فيديو مقال تنافس أم تلاهث

https://youtu.be/xlsyugX7qV8

أضف تعليقك هنا