زائر وضع النقاط على الحروف

هل أحدثَ طَلبُ المؤذن على المنابر ” صلّوا في بيوتكم” أمرا جديدا؟ أم أن هذا الأمر من الأوامر التي نُفذت قبل إصدارها؟ هل فعلا انحياز الدنيا لصالح إنسانٍ ما أمرٌ بسيط؟ أم أنه أمرٌ مكلف للغاية؟ (الصلاة)

أهمية الصلاة

انطلاقا من قوله تعالى : ” وَلَقد كرّمنا بني آدم” فإنَّ من أعظم مظاهر هذا التكريم هو نزول كتابٍ سماوي يصلحُ لجميع المراحل الزمنية، يخاطب البشرية جمعاء، يحتوي على أبسط الطرق التي تؤدي لسالكيها سعادة الحياتين، وحثَّ – مرارا وتكرارا – على أهم الأعمال الحياتية بل أساسها، فقال الله – عزّ وجلّ – :” وأقيموا الصلاةَ” كما قال : ” وأقيموا وجوهكم عند كلّ مسجد “، فما وُضعت الصلاةُ إلّا لأهميتها في توثيق صلة العبد بخالقه ودعاءه لربّه، وما سُمّيت الصلاةُ صلاةً إلّا لاحتوائها على معاني الاستقامة، حتى يكمن فيها المعنى الحقيقي للسعادة، وما كانت الصلاةُ في مكانٍ عشوائي الاختيار بل كانت في مكانٍ محددٍ” المسجد ” الذي يُعدُّ نقطة الانطلاق إلى ما تبقى من أعمال يعتمد صلاحها على صلاح العمل الأساس لها حسب قوله _ صلّى الله عليه وسلم _ : ” أول ما يحاسب العبد من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر”.

لماذا قرن الله الصبر بالصلاة؟

قال _ عزّ وجّل _ : ” واستعينوا بالصبر والصلاة ” فليس عبثا قَرَنَ الله الصبرَ بالصلاة، لكن من فقد الصبرَ فقد أدّى بنفسه إلى ضياع الصلاة فأحدث بذلك الانحراف الحقيقي في مسار حياته تجاه سعادته، وللأسف هذا ما قد وقعت فيه غالبية بني الإنسان، وخضعت أسيرةً لسيل أفكارها مجردةً من الصبر، راكضةً ركضَ العدائين نحو الحياة مستزيدةً منها شقاوةً ومتخذةً منها أقصرَ طريق – حسب الاعتقاد الشائع – أقصر طريق للحياة السعيدة، لكنها وقعت في شباك النسيان، نسيان ما خُلقت من أجله، نسيان عبادة الله وأولها الصلاة، فقال تعالى : ” وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ” فأصبح صوتُ المؤذن يغردُ ” حيّ على الصلاة” لكن دون مستمع حقيقي وذلك لأن سائر حواس الإنسان غارقةٌ في كِدّ الحياة ومشاقها، واستمرَّ الأمرُ هكذا حتى خُليت المساجد.

هل هناك فرقٌ بين “حيّ على الصلاة” قبل وصول الزائر وبين “صلّوا في بيوتكم”؟

في يومٍ من الأيام حلّ على بني الإنسان زائرٌ غريب لا علمِ له فيه ولا معرفة، يبدو أنّه رأى هذا الأمرَ رؤية الحرف خالي النقاط، فما كان من لسان الزائر إلا أنّه نَطَقَ مخاطبا المؤذن : ” أمضيتَ عمرا تنادي حيّ على الصلاة وما من مجيب، فنادِ – إذا- صلّوا في بيوتكم” لكن لسان المؤذن نَطَقَ : ” وما الجديد؟ ” فكأنّ الصلاةُ في ظل وجود الزائر الغريب ما هي إلا ضَربٌ من المضحكات المبكيات، فهل هناك فرقٌ بين ” حيّ على الصلاة” قبل وصول الزائر وبين ” صلّوا في بيوتكم ” بعد وصوله، هذا إن كان قد تحقق نداء المؤذن” قد قامت الصلاة”، فما أصعب ذلك إن كان طَلبُ الصلاة في البيت قد تمت استجابته قبل تحريك شفاه المؤذن بها، والأشدُّ صعوبةً منه أن يكون هذا حرمانا من زيارة بيوت الله، ما أعظم ذلك من خوفٍ إن كان هذا غضبا وإعراضا من الله عن رؤية بني الإنسان بعد تكريمه!

ماذا حدث بعد وصول الزائر الغريب؟

سارت الأيامُ وكانت قد سارت خُطى الإنسان معها باحثةً عن هدف يبغى الوصول إليه، هدفٌ مشترك بين بني الإنسان ” حياةٌ ملؤها السعادة”، وتعلق أكثر ما يمكن تعلقه في مصطلح السعادة، حتى وصل به الأمرُ إلى بذل كلَّ ما يمكن ما بذله تحقيقا لهدفه النبيل، فما كان من شخصه الكريم إلّا الخضوع لأوامر أفكاره في إنزال أولى مرتكزات عيشه ” القوت اليومي” إلى مكانةٍ بسيطةٍ إن لم تكن محتقرةً، مؤمنا بعلوّه عنها، والارتقاء إلى ما يُعرف بالملذات والمترفات يملأ بها حياته؛ وذلك بكلّ بساطة لأنه قد ألبسها ثوبُ القوت اليومي وجعل منها مرآةً حقيقيةً لرؤيةِ هدفه وانحياز الدنيا لصالحه، وقد طال هذا الأمر، حتى وصل ذلك الزائرُ الغريب ( واضع النقاطِ على الحروف) كان يريد المزيد من نشر رعبه حتى يكون اليد الأولى في تحقيق هدفٍ من طراز آخر ( وضع النقاط على الحروف)، فأجبر بني الإنسان العودة إلى مرتكزات العيش لأن الضرورة أقوى من الترف والملذّة.

وتمثل هذا الأمرُ في مشهدٍ لطابور لا نهاية له؛ بحثا عن خبز العيش، مما أجبر المترفات الظهور بشكلها الحقيقي، الشكل الذي يثبت بأنها لم ولن تكن في يومٍ من الأيام سببا من أسباب العيش ولا حتى طريقا لانحياز الدنيا او تحقيق السعادة، فاسحةً كُلّ المجال لصبّ اهتمامات الإنسان نحو القوت اليومي الحقيقي، مبينةً ما قد تعرضَ له جرّاء احتلال سيل الأفكار، وأثبت بكل جدارة بأنه هو الطريق الحقيقي للوصول إلى ” حياةٌ ملؤها السعادة” وكأن شفاه الزائر تردد قوله تعالى : “وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى” ليؤكد قوله – صلّى الله عليه وسلم – : ” مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا “، فبيّن ماهية الانحياز الحقيقي للدنيا ومدى بساطته، فأيُّ سعادةٍ خيرٌ من تلك السعادة؟

شكرا أيُّها الزائر الغريب

شكرا أيُّها الزائر الغريب وإن كانت زيارتك زيارة شرٍ ورعب وربما غضب، وإن كانت زيارتك ابتلاء، وذهبت بسببك أوقات وأفراح كأنها هباء، وأصبحت أمنياتٌ مثلَ النجومِ بلا سماء، لكن لا يمكن انكار الحروف التي أظهرتها خاليةً من النقاط، شكرا على اثباتك الحقيقي لافتراءٍ واضحٍ بحقّ كثيرٌ من النعم، شكرا على اظهارك صورةَ الانحراف عن ما خُلقَ من أجله بنو الإنسان، فوالله لو حُسِبت النقاط فاقدةَ الأحرف ما استوعبتها مقالةٌ ولا اثنتين ولا عشر، وما يكفي في ظِلّ وجودك سوى القول: ” اللهم رُدّنا إليكَ رداً جميلا”.

فيديو مقال زائر وضع النقاط على الحروف

 

 

 

أضف تعليقك هنا