فِيلُوصُوفْيَا

” مَن يأخذ قُشورَها يغرق و من يتعمَّق يصِل بِها إلى الإيمان “لابد و أنّ لِهذه القشور معنى يغرقك إذا تمسَّكت بها تمسُّكَ الطفلِ الصغيرِ من عمره بثوبِ أمّه فإذا أرضَعتهُ وترعرعَ -أي تعمَّق- أصبح ذو مقدرةٍ وثباتٍ فيَنجو، الغريبُ في الوصف ما هي هذه القشور وما قدرتُها على تعميقِ إيمانك؟!

ماهو جذر كلمة فيلوصوفيا؟

إن الأصل في كلمة (فِيلُوصُوفْيَا) عنوانُ هذا المقال له صلةٌ بهذه القشور فكلمة (فِيلُوصُوفْيَا) هي كلمةٌ يونانيةٌ تُقسَم لِقسمينِ لغةً (فِيلُو) تعني حُب أما (صُوفْيَا) فهي الحِكمة، فتصبحُ ذاتَ معنًى كاملٍ بحراً ليسَ كَمِثلهِ بحر، حبُّ الحكمةِ أو البحثُ عن المعرفةِ في تفسيرٍ آخر، (فِيلُوصُوفْيَا) أي الفلسفة التي ما زالت تعتنقُ عقولَ الكثيرِ من البشر على أنها الثرثرةُ و الخطاباتُ العقيمةُ التي لا فائدةَ منها، و هذا حالُ البعضِ فإذا قلت أن الفلسفة في اصطلاح معناها بحرٌ فعليك تعلُّم الإبحار.

جوهَرُ الفلسفةِ ليسَ بامتلاكِ المعرفةِ ولكن بحبِّ المعرفةِ و البحثِ عنها، قد اندرجَ  عبرَ العصورِ معانٍ كثيرةٍ للفلسفةِ وَسَمها  فلاسفةُ كلِّ عصرٍ، منهم من قال أن الفلسفةَ فنُّ الحياةِ و منهم من نعتَ فلسفتَهُ على أنها تفكيرٌ في التفكير ، الفلسفةُ و عمقها هو العلمُ الذي مازالَ يُبنى على مدِّ العصور مقترناً بالعالم أو الفيلسوف في نهجهِ و رسمهِ للفلسفةِ في عقله، فهذا الاختلاف اختلاف تفكيرٍ و اختلاف معرفةٍ و اختلاف عقولٍ ، اذاً وصفُ الفلسفةِ بمعنًى دقيقٍ هو وصفٌ نسبيّ و هذا العلم نسبيٌّ أيضاً، و معنى الفلسفةِ يختلفُ من فيلسوفٍ إلى آخر حسب فلسفتهِ النسبية غير المطلقة.

الفلسفة تأمل عقلي وحوار مع الذات والوجود

من خلالِ مجموعةِ اشتقاقاتٍ أرى أن الفلسفةَ هي نشاطٌ عقليٌّ أو كما قال الفيلسوف ابن رشد ما هي إلا عمليةٌ تساؤليةٌ نحاورُ فيها أنفسنا و نتحاور بها مع الآخرين و العالم، لنا في الفلسفةِ الإسلامية رأيٌ و هو النظرُ إلى الموجوداتِ للاستدلالِ على الخالقِ، و في إثباتِ أن عالمَ الوجودِ الذي تدرسهُ الفلسفة علمٌ لا يمكن إنكاره أنّ فلسفة الوجود هي فلسفة الخالق، فلسفةٌ غيرُ نسبيةٍ و مطلقة مقيدةٌ بأن اللّٰه الخالق موجودٌ و هو من أحيا الوجود.

و الفلسفةُ هي شجرةٌ جذورها الميتافيزيقيا – أي ما وراء الطبيعة- و هي أصل الفلسفة لأنه كما يعتقد الفلاسفةُ هي الوجود و إثبات أنّ هذا العالم أو الكون هو كونٌ وهميٌ و على عكس ذلك ، فبدأتِ الفلسفةُ بمن نحن؟ و ما هذه الكون؟ و ما الوجود ؟
و جذعُ الفلسفة المنطق و العلوم و الفيزياء و القيم كالأخلاق و الخير و الجمال و لربّما هي إبداعُ المفاهيم، ليس من الضروريّ أن يقالَ عن شيءٍ بأنه جميلٌ و يدرجُ تحت الحكم الجماليّ فيما لم يكن قطعةً فنيةً أو يحمل طابعاً فنياً و هذا ما يطلقُ عليه فلسفة الاستطيقا؛ الفلسفةُ المعنية بالطبيعة  وتقديرِ الجمال و الذوق الرفيع، إن الفلسفةَ مدرسةٌ كببرةٌ فمن يأخذ قشورَها يغرق و من يتعمّق يصل بها إلى الإيمان.

هل يوجد حقائق مطلقة مسلَّمة في الفلسفة؟

دامَ الإنسان يسألُ و يستفسرُ عن الحياة و ما غايتُها و ما المصيرُ  و المماتُ و الخيرُ و الشرُّ و النورُ و الظلامُ و الخلودُ، و يسعى للبحث عن الاسئلةِ وإجاباتِها له نظرةُ، من يبحثُ عن الحقيقةِ لمحاولةِ فَهم الذاتِ و الحياة  فهو فيلسوف، و إذا أراد أن يُبحر في الفلسفةِ عليه تعلُّم الإبحار و النضوجِ و أن يمتلكَ الشجاعةَ فلا توجدُ حقيقةٌ مطلقةٌ، الفلسفةُ كانت و مازالت في جوهرِها عبارةً عن البحث عن اللّٰه ولأن اللّٰه مجردٌ من المادةِ فما زال البعض يبحث عن اللّٰه.

فأساس البحث و التعمقِ معرفة أنّ اللّٰه ليسَ بالمادةِ و هو أصل الإيمان و التعمُّق في الإيمان و لأن الوجودَ ليس يعمُّ بالفوضى العمياء إذاً هناك عقلٌ مبصرٌ مدبرٌ رشيدٌ بصيرٌ حكيمٌ، إن تحريمَ الفلسفةِ من بعضِ علماءِ الدينِ ليسَ بالشيءِ الصائب لأننا اتفقنا أنّ الفلسفةَ نسبيةٌ لا مطلقَ فيها و تتمحور حول فِكر الفيلسوف و معنى الفلسفة لديه، منهم من يلحد بفلسفته و منهم من يدعو للإلحاد بمحورِ فلسفته و منهم من يتعمَّق بالفلسفةِ الصحيحة و يبحث عن اللّٰه فيزدادَ إيمانه.

” لا توجد حقيقةٌ مطلقةٌ سوى حقيقة الوجود لأنَّ الخالق موجود ”

فيديو مقال فِيلُوصُوفْيَا 

 

 

 

أضف تعليقك هنا