قطار الوقت لا توقفه محطات الحياة

أود في مقالي هذا أن أسلط الضوء على بعض الملاحظات الاجتماعية التي تم رصدها خلال فترة الحظر الذي تسبب به فيروس كورونا وما قبله بشكل عام، وكيف كان التفاعل مع وقت الفراغ الذي أتاحته هذه الجائحة وبشكل متساوٍ للجميع.. وسوف أركز في موضوعي هذا على قضية التفاعل المجتمعي ( التفاعل المجتمعي مع وقت الفراغ الذي أتاحته جائحة كورونا ) وليس على السلوك الفردي.

طريقة التفاعل المجتمعي مع وقت الفراغ الذي أتاحته جائحة كورونا

تختلف المجتمعات والمجموعات في طريقة تفاعلها مع المؤثرات التي تمس حياتها اليومية أو توجه مستقبلها وتديره وذلك لأسباب اجتماعية وثقافية وجغرافية وسياسية متعددة، فالمجتمعات وبشكل عام إما أن تكون متفاعلة إيجاباً مع المؤثرات التي تمس حياتها اليومية ومستقبلها وتبحث في هذه المؤثرات وتدرس إيجابية أو سلبية هذا التأثير. وإما أن تكون سلبية مستسلمة وغير متفاعلة تنتظر من يخطط لها ويقودها عبر الطريق..

مظاهر التفاعل المجتمعي مع وقت الفراغ الذي أتاحته جائحة كورونا 

فأما المجتمعات أو المجموعات المتفاعلة فقد عودت نفسها على الحيوية والنشاط والتخطيط ووضع الأهداف ومعرفة آلية تحقيقها والوصول إليها.. فهي إذاً تمتلك روح الإبتكار وتسعى لتطوير نفسها بنفسها ثقافيا وعلمياً واجتماعياً ومادياً مستغلة ما تتيحه لها الأنظمة والقوانين من إمكانات جيدة لتحقيق ذلك، ومن مظاهر ذلك التطور هو الإقبال على إنشاء الجمعيات الخدمية والتكافلية والتوعوية والعلمية، فهذه جمعية لحماية البيئة و الاهتمام بالزراعة و التشجير و نشر الخضرة في كل مكان، وجمعية أخرى لتعليم الحرف اليدوية والمهن الحرة، وثالثة لرعاية الأرامل والأسر المحتاجه ورابعة لرياضة المشي، وخامسة للرسم والفنون، وسادسة للصحافة والتصوير، وجمعية للمبدعين والمخترعين، و هكذا…

إسهامات الجمعيات ودورها في عملية التفاعل المجتمعي مع وقت الفراغ الذي أتاحته جائحة كورونا

و تمتاز هذه الجمعيات بالديناميكية و الحيوية و النشاط و القرب من أفراد المجتمع بتسهيل طرق التواصل مع الناس. و لذلك نراها تواصل برامجها و عطاءاتها في النهار و في الليل و على مدار العام، بل إننا قد نشاهد في بعض القرى الصغيرة نسبياً و التي تتمتع بخاصية الوعي المجتمعي أكثر من فعالية تقام في نفس التوقيت للكبار او للصغار .. للنساء أو للرجال. فهذه الجمعيات الفاعلة النشطة تتنافس فيما بينها لجذب أفراد المجتمع المحيط نحو أنشطتها. و لذلك هي تعمل على تطوير أدائها باستمرار من خلال متابعتها لما يدور حولها و في العالم ثم تنقله إلى مجتمعها ليستفيد من ذلك في زيادة وعيه و تطوره. و من الجميل و الجدير بالذكر هو أن القائمين على هذه الجمعيات و الذين يديرون الأنشطة فيها هم شباب متطوعون و في الغالب من نفس المدينة او القرية دفعهم الحماس و الوعي لخدمة مجتمعهم.

إسهامات وسائل التواصل الاجتماعي في عملية التفاعل المجتمعي مع وقت الفراغ الذي أتاحته جائحة كورونا

و قد أتاحت وسائل التواصل الإجتماعي المرئي منها والمقروء فرصة للإستفادة منها في إيصال رسائل التطوير من خلال إعطاء المحاضرات و الدورات و تشجيع روح المناقشات الهادفة والحية، لقد نقلت وسائل التواصل المرئي كبرنامجي zoom و dou وغيرها طريقة التدريب والتثقيف والتوعية نقلة كبيرة بجعل المشاركين يظهرون إبداعاتهم ومواهبهم ويعبرون عن أنفسهم بشكل مباشر أمام المجموع، ومؤخراً و مع ظهور مرض كورونا و ما صاحبه من ظروف الحظر ومنع التجمعات برزت أهمية هذه البرامج حتى على مستوى عقد القمم الدولية و الاجتماعات الرسمية. فكانت هي الحل البديل المناسب لصعوبة عقد اللقاءات المباشرة، لذلك لم تفوت هذه الجمعيات فرصة الاستمرار بالتثقيف والتوعية وإقامة الندوات واللقاءات رغم جانحة كورونا. لا بل زادتها هذه الجانحة فرصة لتصل إلى كل الأسر والبيوت دون أن يكلفها ذلك أكثر من تنزيل أحد برامج التواصل المرئي المذكورة.

الفروقات السلوكية بين المجموعات غير المشاركة والمجموعات المشاركة في عمليات التفاعل المجتمعي مع وقت الفراغ الذي أتاحته جائحة كورونا

أما المجموعات السلبية فهي التي تميل إلى الخمول وعدم التفاعل مع المؤثرات والفرص المتاحة لتطوير نفسها لأسباب كثيرة. أهمها الإفتقاد إلى روح المبادرة وعدم الشعور بالمسؤولية الإجتماعية، وأفراد هذه المجموعات او المجتمعات في غالبيتهم لم يستفيدوا من فرصة الحظر و ما أتاحه من وقت طويل لتطوير الذات وطرق أبواب المبادرات الإجتماعية.

ومع اقتراب انكشاف هذه الغمة والعودة للحياة الطبيعية يمكن أن نرى الفروقات السلوكية التي أوجدها كورونا بين أفراد المجتمع، فالذي استغل وقته بشكل صحيح و تأثر إيجاباً بهذا الحظر لن يعود كما كان قبله، أما الذي اعتبر ان الحظر يشبه السجن فقط لأنه حد من حرية حركته. فسوف يعود لما كان عليه من سلوكيات قد تكون سلبية أو لا فائدة منها على أحسن الأحوال، إن قطار الوقت لا توقفه محطات الحياة و ليس في نظامه فرملة و لا رجوع إلى الوراء.

فيديو مقال قطار الوقت لا توقفه محطات الحياة

أضف تعليقك هنا