مجالس قرآنية 6 (المفاصلة)

” قل يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)ﱠ” الكافرون.

ما هو سبب نزول سورة الكافرون؟

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد،كلمتان ذكرتا في سورة واحدة ترسمان حدود تعامل المسلمين مع الآخرين، لنبدأ:في مكة المكرمة: جاء بعض كفار قريش إلى الرسول  وقالوا: يا محمد، هَلُمَّ فلنعبدْ ما تعبد، وتَعْبَدْ ما نَعْبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله؛ فإن كان الذي جئت به خيراً مما بأيدينا، كنا قد شاركناك فيه، وأخذنا بحظنا منه. وإن كان الذي بأيدينا خيراً مما بيدك، كنت قد شرِكتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه، فأنزل الله هذه السورة فغدا رسول الله r   إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش، فقام على رءوسهم، ثم قرأها عليهم.

شرح معاني سورة الكافرون

بدأت السورة بـ ” قل” تقريراً بكون هذا الكلام ليس من عند محمد؛ نظرا لما قد يتصور من غلظة الكلام مع رحمة النبي ورفقه، ولبيان أنه أمر رباني لا يقبل المساومة والأمر نفسه لمَن بعد الرسول .”يا أيها” نداء يستدعي الانتباه واليقظة، هكذا “الكافرون” بوضوح ولا خوف ولا وجل، وهو خطاب فيه بيان للصفة التي من أجلها خاصمهم وفارقهم والتي لا يمكن التنازل عنها “الكافرون”، وهذا في كل زمان ومكان.

ثم يأتي تقرير المفاصلة وعدم إمكانية التلاقي، وقدّم نفسه باعتبار أنه الأهم، وباعتبار أن عبادة الله هي الحق، نعم نحن نحسن التعامل مع الكفار، نعم نتحاور معهم، نعم نتاجر معهم، لكن قضية العبادة قضية مفاصلة لا يمكن التهاون فيها، ويعبر عنها القرآن الكريم بأكثر من أسلوب:

  • ” لا أعبد ما تعبدون” بصيغة الفعل لتوضيح عدم العبادة حالياً، وعدم ممارسة العمل، وبصيغة الإفراد لكون معبودي واحدًا، أما أنتم فبصيغة الجمع، فهناك من يعبد صنماً وحجراً وشجراً وبشراً وغيرهم كثير؛ فمهما كان معبودكم لا أعبده.
  • ولا أنتم عابدون ما أعبد “وفي المقابل فأنتم لا يمكنكم عبادة ما أعبد.
  • “ولا أنا عبد ما عبدتم ” بصيغة الاسم لبيان الثبات والاستقرار على ترك العبادة حتى مستقبلاً، وكذلك عدم قبولها لأن النفي بالجملة الاسمية أكثر توكيدًا، أما أنتم فلديكم استقرار وإصرار على عبادتكم – أياً كانت-؛ لذا أعيد ” عابدون” مرتين وليس تعبدون. وقابلهم بقوله:” ما أعبد ” فعدل عن لفظ عبدت إلى أعبد؛ إشعاراً بأن ما عبدته في الماضي هو الذي سأعبده في المستقبل.

لماذا ذُكرت في سورة الكافرون كلمة العبادة ثماني مرات؟

لقد ذُكِرت كلمة “العبادة” ثماني مرات من أصل 32 كلمة بأربع صيغ، وهي تتضمن ستة محاور: عابدين اثنين أنا وأنتم، ومعبود الله وغيره، وعبادة على طريقة الرحمن أو على طريقة الشيطان، كل هذا لبيان أهمية تلك الكلمة وما يتبعها، وهي الكلمة الأولى، أما الكلمة الثانية فجاءت في ختام السورة.

“لكم دينكم” إنها كلمة “الدين”، وذاك هو السبب الرئيس في اختلاف العبادة؛ فالدين هو الدافع نحو العمل، وهو المنهج المحرك للإنسان، وهو الذي يحدد الحساب والجزاء؛ فأنتم لكم منهجكم وطريقتكم، وسيكون جزاؤكم على ما اخترتم، وأنا لي اختياري وعملي وسيكون جزائي عليه، وطالما افترقنا في الدين والعبادة فسنفترق في الحساب والجزاء.

وهكذا تكون السورة قد بينت منهج التوحيد العملي وإخلاصه لله وحده، كما أن سورة الإخلاص بينت التوحيد القلبي؛ لذا – والله أعلم- ثبت استحباب قراءة هاتين السورتين في بعض المواضع، مثل سنة الفجر والوتر وسنة المغرب وركعتي الطواف وعند النوم.اللهم ثبتنا على الملة والدين، وجنبنا عبادة الكافرين، واحشرنا مع زمرة سيد المرسلين.وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين.

فيديو مقال مجالس قرآنية 6 (المفاصلة)

أضف تعليقك هنا