مجالس قرآنية 8 (صنفين)

بسم الله الرحمن الرحيم “أرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)”.

أسرار سورة الماعون

كثيراً ما نتساءل عما نراه من سلوك سيء وخُلقٍ قبيح، مع بني الإنسان في كل مكان، وخاصة حينما يتعلق الأمر بالمحتاجين وأصحاب الظروف الخاصة، كالمعاقين والأيتام والمساكين، ما سببه؟ وكيف يمكن معالجته؟ وأظننا سنعرف الإجابة من خلال بعض أسرار هذه السورة:

من هم المكذبين بيوم الدين كما ورد في سورة الماعون؟

إنها تبدأ بهذا الاستفهام ا التعجبي الذي يوجه لكل مَن يرى:”أرايت الذي يكذب بالدين” الدين هنا هو يوم القيامة، يوم الحساب، يوم الفوز والندامة، فهل رأيت مًن يُكذِّب به؟ وكأنك ستسأل أين هو، وكيف أعرفه؟ فتكذيب يوم الدين أمر باطني فكيف سأعرفه، ولما كان المكذبون بيوم الدين صنفين، كانت الإجابة بتوضيح أهم سلوكيات هاذين الصنفين.

الصنف الأول هم الكافرون

فبدأ بالصنف الأول وهو الكافرون، فقال: “فذلك الذي يدع اليتيم” فالفاء هنا للعطف؛ فهو جمع مع التكذيب أنه “يَدُّعُّ اليتيم “،  أي  يدفعه بعنف ويقهره؛ فهو لا يمتنع عن مساعدته فقط، بل يدفعه ويزجره، سبحان الله ! اليتيم الذي ترق له القلوب و تنكسر له النفوس مهما كان جنسه أو دينه؛ فليس جرمه أن كان يتيماً؛ فهذا لا يلقى من ذلك المُكذَب حتى الصمت، بل سوء تعامل؛ فما أقبحها من صفة.

وليس هذا فحسب بل جمع صفة ثالثة وهي” ولا يحض على طعام المسكين” نعوذ بالله المسكين الفقير الضعيف  المحتاج المنكسر قلبه، فهو تجاوز منع نفسه من الإطعام للمساكين إلى عدم حض (وهو الحث والترغيب) غيره على الإطعام، وعبر القرآن الكريم بلفظ” طعام” ليشمل كل ما يتعلق بالطعام من الإطعام والمحافظة على الطعام وتناوله وغير ذلك، ومن جميل التعبير القرآني استخدام الفعل المضارع للصفات الثلاث ( يكذب، يَدُع، يحضُّ) لإفادة تكرار هذا السلوكيات واستمرارها فهي ليست مؤقتة وإنما متجذرة.

الصنف الثاني المنافقين

ثم ينتقل السياق إلى الصنف الثاني من المكذبين (المنافقين )، وعبَّر عنهم بصيغة الجمع؛ فقال: ” فويلٌ للمصلين” والويل هو العذاب والهلاك والخيبة والخسران، وهو أمر آخروي، بدأ بذكر جزائهم لتشويق النفس لمعرفة صفاتهم لتجنبها، وذكرهم بسلوك جميل فسماهم “المصلين “، لكنه سلوك ٌظاهر يُخفي باطناً سيئاً، ومن الطبيعي أن تتساءل أي المصلين أولئك.

صفات المنافقين

فيكشف عنهم بثلاث صفات بدأها بقوله: “الذين هم عن صلاتهم ساهون”، فلا يحرصون على أوقاتها ولا أركانها ولا شروطها ولا كل يتعلق بتجويدها وإنما أداءً بأقل ما يمكن، وذلك لأن دافعهم المراءاة أمام الناس، وأن يُقال عنهم مصلون؛ فهي صلاة للبشر لا لخالق البشر ” الذين هم يُراءون”ﱲ”، وحُقَّ لصلاة بهذا الشكل ألا تُؤتي ثمارها فلا تنهى عن الفحشاء والمنكر فمَن كذلك مع الخالق، فهو بلا شك مع المخلوق أسوأ، فلا يعطي خيراً، بل ويمنع غيره “ويمنعون الماعون” والماعون كل ما فيه منفعة من قليل أو كثير، سواء زكاة أو صدقة أو معروف أو حتى إعارةً لإناء صغير  يُمكن أن يرجع إليه بعد أن ينتهي طالبه من الاستفادة منه.

إن هذا الدين ليس مظاهر وشعائر فقط، لكنه يجمع معه جواهر داخلية ونفوسًا أبية، وقلوبًا رحيمة، ليس بينهم فقط، بل مع عموم البشرية.أظننا عرفنا الإجابة على سؤالنا الأول عن سبب السلوك السيئ، وأعظم سبب هو التكذيب بيوم الدين[1]، والعلاج هو زرع الإيمان بيوم الدين في نفوس الناس أجمعين.اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.  [1] وهذا لا يتعلق بالمسلمين فقط، بل بكل إنسان؛ فمَن كان يؤمن باليوم الآخر أياً كان فهو سيتحرك من أجله، والعكس صحيح.

فيديو مقال مجالس قرآنية 8 (صنفين)

 

 

 

أضف تعليقك هنا