من وجهة نظر كورونا

بقلم: علي عبده حقيس

لست جلاداً أكثر منكم حتى تصفوني بالجائحة! ولست شيطاناً مسلطاً على براءتكم ما دامت أصابع بعضكم طرية بدماء البعض تذكر بالحقيقة أن تنفع الذكرى.

خطاب كورونا والرد الصاروخي على وصفها بالجائحة

أيها العالم البشري المليء بالبؤس افتح عينيك جيداً إلى ما حولك وتعرف على الأشباح فيك والاشباه منك، قتلتم بعضكم بالدين فأغلقنا الجوامع والكنائس والمعابد حتى يمكنكم المراجعة الجادة واستعادة المعنى الحقيقي لماهية ووظيفة الدين في الحياة قتلتم بعضكم بواسطة العرق واللون والجنس فأتيت لأربط الأجناس بالعدوى العرضية والأعراق بالحجر الصحي والألوان بتعداد الإصابات وتباين الحالات

حتى تعلموا أن الاختلاف فيكم سنة كونية وليس طوق نجاة لهذا دون ذاك، دمرتم بعضكم بالأسلحة الفتاكة التي تتسابقون فيها وتدخرونها فجئت اليكم لأخبركم وأنتم مصابون بالشلل أمامي بأن القوة ليست فيما تأكل جنسكم البشري بل القوة هي فيما تمتلكون للحفاظ على عالمكم وجنسكم كله على حد سواء، فلو أنفقتم للسلم ربع ما أنفقتم للحرب لجسدتم اسمى معاني الحياة، ذلك أن معركة البشر المصيرية لا سلاح للانتصار فيها سوى السلام.

إنها محاولة بائسة في طريق تنزيه أنفسكم بالفزع من فكرة تواجدي بينكم وقد أفسدتم دهوراً من الحياة وأقمتم في يومكم الأسود، هل أتيت لأفسد حياتكم بعد أن أوقفت خطوط الإمداد والتجارة الرابحة بالأسلحة والذخائر التي توجهونها لصدور البشر؟؟ ربما هي كذلك فأنتم قد تعودتم غالباً إن تقتاتون من دماء بعضكم وتصنعون أمجادكم على حساب تدمير الآخرين منكم.

لماذا تخاف أيها الإنسان من جُزيء صغير وقاتلك من البشر ماثلاً أمامك؟

وأنت تعلم، أنا جزيء لا يرى بالعين المجردة ولكن يمكن أن تختبئ مني في المنزل، بينما من هو من جنسكم يقتلكم على فراش منامكم في بيوتكم منذ زمن بعيد، فإن لم يكن عبر صاروخ فرصاصة طائشة تخترق إحدى النوافذ فتصيب رأسك… وإن لم يكن طعام ملوث فشريط دواء يمكن أن يقوم بمهمة تصفيتك وأنت بين أطفالك.

سيدي الخائف مني أخبرك بأنه بامكانك تحصين نفسك مني بأبسط الإجراءات الوقائية فكفوف مطاطية على الأيادي، وكمامة تحجب الأنف والفم، ومعقم بسيط يمكن لذلك بكل قوة أن يتغلب علي، بينما قاتلك التقليدي لم يمنحك أي فرصة للوقاية وقد استنفذت كل أشكال المعاهدات وأنواع الاتفاقيات واستبشرت بكل صلح وتنفست كل الدساتير، لم يتركوا لك سوى وقاية الأسوار على المقابر وقبور تقي الموتى من صخب الحياة.

الغريم التقليدي “البشري” يُميت جوعاً بينما الكورونا لا تفعل ذلك

لم أقتل أحداً من الجوع بينما غريمكم التقليدي يقتل الكثير منكم فقراً وجوعا! لم أقتل أحداً منكم قهراً ولا ذلاً، بينما أشباهكم يتسلطون على الضعفاء منكم حتى أن البسطاء يتجرعون القهر كل يوم فيموت المغلوب على أمره مرات عديدة وأن بقي على قيد الحياة، اذ أن ابشع صور الموت هو الموت من الداخل، لم آتي اليكم باسم الإنسانية ولا على شكل حبة دواء ولا بهيئة اطعمة مسمومة ولا حتى على شكل نظام سياسي او مشروع ممتد، اتيت اليكم بعد ان يئستم من أنفسكم وأحاطت بكم خطاياكم المتراكمة…

هل كانت الكورونا الصفعة التي أيقظت فينا الوعي؟

أتيت بطريقة قاسية أعرف، لكنها ليست بشيء من قسوة عيشكم البائس، بعد أن تخدرتم بحالكم المألوف أتيت بالحالة التي تعرفونها جيداً وتعودتم عليها ولكن بطريقة جذرية تنسف من أمامها فكرة كل الأشباح الوهمية التي دمرتكم، يمكن للألم بأن يصبح ضريبة في طريق الوعي ويمكن أن يصبح الألم نسخة مكررة من واقع ممتد تتلاشى الآمال فيها مع فكرة الخطابات الرنانة ذلك الغريم التقليدي يستخدمكم الآن مرة أخرى بتجسيم الفزع مني أمام أعينكم، إذ أن بيني وبين الحقيقة وسائط وهمية كثيرة هي التي تقتلكم أكثر مني مليون مرة، وما أتيت إلا لأنسف تلك الوسائط وأعانق الحقيقة وإن أصابكم شيء من الألم فضريبة الوعي أولى من ثمن التخدير، وفزعكم من الغفلة أولى بكم من الفزع من كورونا.

بقلم: علي عبده حقيس

 

أضف تعليقك هنا