منح المحن – #فيروس_كورونا

التغييرات التي فرضها فيروس كورونا على العالم

قد يتساءل القارئ عن سر تعجبه من موضوع المقال وكيف لهذا الخفي الصغير المرعب قد اجتاح العالم كله وفعل ما فعلته الحروب وأكثر، فقد عُطّل اقتصاد العالم، وهبطت البورصات والأسواق العالمية، وتوقف الإنتاج في أغلب مصانع العالم، وأغلقت الجامعات والمدارس والمؤسسات التعليمية، وأغلقت الأسواق والمجمعات التجارية وفقدت المنتزهات والملاهي والحدائق ضحكات الأطفال وركضهم، وأصبحت المقاهي خالية من روادها، وغابت الإبتسامة والأفراح والأعراس، ومُنعت التجمعات في الاستراحات، وبدأ حظر التجول في الطرقات، وأصبحت المدن وكأنها لا تسكنها إلا الأشباح ليلاً بعد أن كانت مليئة بصخب الناس، ثم إن الطائرات بعد أن كانت السماء ملتقاها أصبحت لا تجدُ لها مكاناً في المطارات، ورست السفن في موانئها وكأن الله يصور لنا هذا المشهد: (ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) سورة الروم آية (41)، وبعد هذه المصائب كلها تأتي المصيبة الأكبر بتوقف الجُمع والجماعات في المساجد بل أصبح المسجد الحرام المكي والمدني لا يصلي فيه إلا الإمام ومعه ثلة قليلة تكاد أن تعدهم من خلف الشاشات، وتوقف الطواف حول الكعبة المشرفة فلا حول ولاقوة إلا بالله، ثم يتساءل السائل مرةً أخرى وبعد كل هذه الأحداث من هذا الوباء.

ومع كل هذه المِحَن أين تكمُن المِنَح؟!

لا شك أن ما مرَّ به العالم هي مصيبة وكرب اجتاح أغلب دول العالم، لكن إذا علمنا أن ذلك كله من تدبير وتقدير الله عز وجل لهذا الكون هانت علينا مصائبنا.. كيف لا وهو المبشر والمهون علينا عندما قال في كتابه: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) سورة البقرة آية (156)، وليتذكر المؤمن المسلم الصابر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) رواه مسلم

وإذا فتشنا في صفحات التاريخ رأينا خير البشرية محمد صلى الله عليه وسلم قد ابتلي بالمصائب منذ ولادته وفي أهله وبيته مروراً بدعوته ومع ذلك تجده صابراً محتسباً متفائلاً بأن يخرج من أزمته، كيف لا! وهو يعلم أن مع العسر يسر وأن ما بعد الظلام بزوغ الفجر، ودعونا نتأمل حال المسلمين في غزوة الخندق إذ وصفهم الله بموقفهم العصيب بقوله: (إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلْأَبْصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠ * هُنَالِكَ ٱبْتُلِىَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالًا شَدِيدًا) سورة الأحزاب آية (11)، ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام يغرس في نفوس أصحابه الضعفاء والمضطهدين التفاؤل وعدم اليأس واليقين بنصر الله.

فهل هناك تفاؤل أكبر في هذا الموقف الصعب؟

ونحن في خضم هذه الأحداث بحاجة لمنهج النبي صل الله عليه وسلم في الفأل، لنحسن الظن بالله رب العالمين، فكم من أزمة مرت وأذهبها الله وستذهب هذه الأزمة بفضله ومنّه، ودعونا نتأمل الجانب الطيب من فيروس كورونا (كوفيد 19):

  • عرف الغرب والملحدون الآن قوة الله عز وجل وكيف توقفت مؤسسات العالم وجُيشت الجيوش ووقف الغرب بتطوره وتقدمه عاجزاً عن جندي خفي لايُرى بالعين. مهما وصلنا من العلوم والتطور والتقنية فنحن لم نصل لشيء (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) سورة الأسرة آية (85)
  • رأينا في مجتمعنا كيف عادت الأسرة لوضعها الطبيعي فها هو المسؤول الأول ورب الأسرة (الأب) تجده بين أبنائه يعلمهم يدارسهم يضاحكهم بعد أن كان بعضهم مقصراً وأغلب وقته خارج المنزل في الاستراحات ولا يعطي حتى القليل من وقته لأسرته (فخيركم خيركم لأهله)
    وشاهدنا (الأم) كيف عملت بمقتضى الآية الكريمة (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) ولا تخرج من مملكتها إلا لحاجة ضرورية.
  •  كذلك مكوث الشباب والفتيات في منازلهم ومنهم من قرأ وكتب ومنهم من التحق بالدورات التدريبية عن طريق (الأونلاين) ومنهم من تعلم وكسب مهارة.
  • تجربة وزارة التعليم بالتعلم عن بُعد وشاهدنا أغلب الجامعات ومدارس المملكة بهذه التجربة الرائعة الناجحة وفي وقت وجيز بتفعيل هذه التقنية وتفاعل أغلب الطلاب والطالبات.
  • حرص أغلب الأسر على تناول الوجبات الصحية من منازلها وكيف يُمكن لنا أن نستغني عن الوجبات السريعة والمطاعم.
  • استطعنا أن نُكمل يومنا بالإستغناء عن شرب القهوة السوداء صباحاً ونحن ذاهبون إلى أعمالنا وأن نوفر قيمة الريالات للكوب الواحد.
  • مارسنا الرياضة وأوجدنا البديل المناسب للتمارين بعد أن كنا (نتحجج) بأنه يجب الإلتحاق بنادي رياضي أو صحي حتى أمارس الرياضة.
  • عرفنا قيمة النظافة وقيمة الوصايا النبوية بالتنظيف الدائم للأيدي والأجساد وهذا ليس بجديد على شريعتنا ومصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟)، قالوا: لا يبقى من درنه شيء …… الحديث) متفق عليه
  • وجدنا أنّ هناك كماليات لسنا بحاجة لها وأن نوفر ميزانية سنكون بحاجة لها يوماً ما.
  • وأخيراً وأهمها رجوع الناس إلى الله عز وجل والتضرع له بالعبادة والدعاء وقد أصبحوا مقبلين بعد أن كانوا مدبرين، تائبين نادمين , ورُفع الأذان في الغرب بعد أن كان محظوراً, وأُغلقت معظم الكنائس والأضرحة، وسُمعت آيات الله تُتلى في المتاجر وهذه هي البشارة النبوية في الحديث
    (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر) صححه الألباني. اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بسوء ماعندنا، وادفع عنا هذا البلاء برحمتك ولطفك، إنك على كل شيء قدير

فيديو مقال منح المحن

أضف تعليقك هنا