مُراجعـة وانطباع: الدرامـا اليمنية بين سُخرية الشارع ووعي المُشاهد

فــي اليمن أغلب أنشطـة القنوات الفضائـية موسميـة وشهر رمضان الكريم هو مـوسم لبــدء عرض أغلب الأعمال الفنية من برامج، ومسلسلات، ومسابقات، ودروس دينية، وغيرها من أنشطـة العرض التلفزيوني حيث يتسابـق المُذيعون والمُخرجون ومؤسسات الإنتـاج الفـنية للتعاقد مع الفنانين للحاق في أخذ الأدوار وتوزيعها فيما بينهم حسب إمكانيات وقدرات كل من يتقدم للدور أو البرنامج فمنهم من اعتدنا عليهم في الشاشـة اليمنية كـوجوه مألوفـة عليها ومنهم من هـو مازال في بدايـة مشواره الفـني ويحاول جاهداً تقديم نفسـه للجمهور من خلال الأداء والدور الذي يؤديـه…

ما الذي أحدثه مسلسل “غربة البن” في شارع الدراما اليمنية؟

سأتحدث هُنا على شكل انطباعات ومراجعة سريعـة لبعض ما أُنـتج على الساحـة الفنية من أعمال درامية وكان أكثر تصدر للمشهد عند الجمهور اليمني في موسِمنا هذا والذي كان سباقاً للنقد بعد المشاهدة لأكثر الأعمال الدرامية الذي انتظر منها بشوق لأجزاء لاحقـة، كمسلسل غُربـة البُن المُسلسل الذي حقق أكبر عدد مُشاهدة في موسِمه الأول ولفت إنتباه أغلب مُشاهِديه وترك بصمات لها أثر لامس واقع الحياة على البيئة المحلية بكل تفاصيلها…

بساطـة الحياة في الريف، وغُـربة وطن يعيد إنتاج البُن بعد غياب مما جعل المُشاهد يكون أكثر تفاعل في إحياء إرثـه وأن يطالب وينتظر إنتاج جُزء ثاني ليكمل القصة التي بدأ بها لتكتمل التجربة والحكاية الدرامية، وهذا ما تحقق فعلاً في إنتاج جُـزء ثاني من غُربة البُن بشكل عكس النظرة الإيجابية التي حققها الجُز الأول جاء مخيب لآمال الكثير من المُشاهدين الذين راهنـوا على فشله منذُ بدايـة العرض الأولـ لحلقاتـه لأنه أتىى بقالب فني مُختلف تماماً عن الموسم الأول

محتوى ضعيف جداً وسيناريو هزيل لا يرتقي لما ارتقى به موسم الجُزء الأول من قـوة المشهد ومدى الحنين والشجن الذي رافق لحظات المشاهد وجعل الجمهور يسشتعرون بجديـة الحكاية الدراميـة التي عالجت ولامست أهم ما يعانيـه المواطن اليمني منذُ الأزل حياة الريف والمطر والبُن والشجن، والغربـة والحزن ثم ليأتي الأمل والإنفراجـة لمرحلـة طويلـة من ضيم توالت عليها الأحداث وتراكماتها.

ما هي الانتقادات التي وُجهت لمسلسل “غربة البن”؟

مُسلسل غُربة البُن في جُزئـه الثاني لم يكون بذلك الحضور ،ولا بذلك العرض المُقنع للكثير بل كان مُـجرد عرض ترويجي أثقلته الأحداث الزائفة، والإعلانات وأفقدته مصداقيـة الرسالـة التي تبناها في الموسم الأول، انحرف منولوج النص كثيراً عن مساره وقدم الممثلون أسوأ ما عندهم من أداء مع أحداث القصة وتراجيدياتها المُضحكة ورغم لقطات المشهد التي كانت تعطي الجمهور قـوة تفاعل مع الحدث

ورغم وجود شخصيات حققت شهره سابقة إلا أنها في هذا الجُـزء لم توفق في إيصال الهدف وكانت مُجرد أداة لتنفيذ خطة تسويقية بإمتياز لمصرف عابر يمارس أبشع تعاملات الرأسماليـة الغربية الرثـة داخل البلد، تبدل الأدوار مع وجود مُغالطات في الشخصيات هو أكثر ما أسقط قناعـة المُشاهد وجعله يمقت العرض ويحكم بالفشل الذريع للجزء بكلـه…

الحبكـة الدرامية ومُستوى الإخراج والتصوير لـم يكن على أعلى مستويات الإتـقان وإنما فقط نقل لمشاهد مألـوفـة إعتاد المُشاهد عليها تكراراً ،والأكثر نقد عند الجمهور ما ظهر من إعلانات في كل تفاصيل الحلقات وكأن المُسلسل تم إنتاجـه لغرض تسويق وليس لغرض رسالـة أو قضية معينة يأمل توصيلها للجمهور بعيداً عن إبتزاز وإملاءات ممولي المُسلسل مُقابل الترويج الذي جعل المشاهد يصل لحد الملل الزائد مع تحويل مسار المسلسل وحصره في دقائـق لا تتجوز 15 دقيقة وكأنه فلاش تسويقي لا غير…

ما مدى أهمية الحبكة الدرامية في نجاح العمل الدرامي؟

مُقابل النقـد لا نستطيع أن نكابر ونظلم ما عرض بالساحة الفنية من مسلسات وبرامج آُخرى والتي يبدو كان البعض منها بمُستوى جيد إستطاعت أن تقدم أو تعيد جُـزء بسيط من زمن الفن الجميل للدراما اليمنية وإرثها المُتهالك كمُسلسل” سد الغريب ” رغم تعقيدات السيناريو وعدم ثبات الرؤيـة في الأدوار إلا أنه سجل حضور كبير وحظي بمشاهدة عالية نتيجة رجوع بعض من الفنانين المؤسسين للدراما اليمنية، وظهور جيل جديد أتـقن الدور بإحترافـ وشغف ،أيضاً إحترافية التصوير وتطورها عن السابق والتنوع البانورامي لالتقاط المشاهد صنع طابع جميل أضاف من قيمة مُحتوى الشكل الظاهري للمُسلسل

إضافـة لذلك كان إختيار المكان، ومحتوى القصة التي تنقلت بين الأدوار وطالها الغموض كثيراً لتنقل للمشاهد أهم معاناة أبناء الريف في ظل إختلاف القبيلة مع وجود الثأر، والجفاف، والأمية، والمرض، وصراع القوى ذات النفوذ ،وضياع الأطفال في ظل ظاهرة الطلاقـ – هذا ما ظهر جلياً وشاهدناه في ظهور عصابـة تعمل في ورشة ميكانيك كانت ضحية لطفولـة قاسية ومؤلمة وتاريخ طويل من الصراع الاجتماعي والحقد المُجتمعي الرافض لحياة التمدن في ظل متغيرات العصر والثورة التكنولوجيـة على البيئة المحلية – شكل كل هذا قالب من الإبداع المُتكرر الذي عزز من رضىٰ المشاهد وجعله يحكم بنجاح الحبكة الدرامية للقصـة.

هل نستطيع القول بأن المشاهد اليمني أصبح يميز الغث من الثمين في الدراما؟

يبدو أن المُشاهد اليمني قد أصبح يعي جيداً ويفرق بين الجيد والردي لما له من حس فني رفيع كان أكثر من أنتقد وأفرز إخفاقات ونجاحات أغلب المُسلسلات وصنفها حسب تتبعـه لأخطاء وحقائق الرسائل المكثفة في القصة أو النص، وبعيداً عن الإسهاب المُفرط والنقد المثالي، لم يتكلف في نقده وهو يتابع مُجريات الأحداث وأداء الشخصيات ،تابع ثم قارن، ثم قيم، ثم إنتقد وأُخرج بصورة متكاملة مقنعه أعطت كل عمل حقـه دون زيادة أو نقصان..

على صعيد البرامج التلفزيونية ما الذي قدمه التلفزيون اليمني في هذا المجال؟

على مُستوى البرامج رغم تعددها وتسابق بعض القنوات على إنتاجها بقوالب مُختلفـة ظهرت هْناك برامج جيدة قدمت أشياء أكثر إيجابية، وعكست الصورة النمطية للمحتوى مثل برنامج طائر السعيدة للمُذيعـة المُتألقـة مايا العبسي التي فعلاً حققت أكثر متابعـة وظهور في الموسم الرمضاني هذا بأدائها الجيد التي حاولت من خلالـه أن تسوقـ لوطنها من خلال إظهار معالم تاريخية ومناطق مغيبه تماماً عن الواقع، مع التنقيب عن كل مكامن الطبيعـة الخلابة والساحرة في وطنها

وعبر فقرات البرنامج المُتعددة جمعت أكبر عدد من مُحيبيها ومتابعينها، وظهرت بصورة أكثر تفاؤليـة عكست مدى تقدم ونضوج وثقافة المرأة اليمنية المُكافحة والأم المثالية عبر فقرة دردشة على الماشي التي إستطاعت أن تكتشف عبرها مواهب وسوالف عادة للبلد إرثها وتراثها المتوارث منذُ القدم..هكذاً كان حالـ الدراما اليمنية لهذا الموسم الرمضاني وهُناك كان الكثير مما أُنتج والأغلب لم يرتـقي للمُشاهدة ولم يأتـي بالشيئ الجديد سيناريوهات مُتكرره وبوجوه مألـوفه لم تقدم للشاشة أو المشاهد بكل ماهو إيجابي أو نفعي…

فيديو مقال مُراجعـة وانطباع: الدرامـا اليمنية بين سُخرية الشارع ووعي المُشاهد

أضف تعليقك هنا