الطيبة القاتلة|| بقلم: عمار الحامد|| موقع مقال

الطيبة القاتلة

المقال بقلم Glenn Geher\ ترجمة عمار الحامد
كي تقول “نعم” لنفسك، فأنت بحاجة لأن تقول “كلا” للآخرين وإن من حين إلى آخر… مقال يتحدث عن الطيبة الزائدة ويمكنك قراءة المزيد من المقالات التي تتناول مواضيع علم نفس من هنا.

ما معنى أن تكون طيباً؟

في عام 2004، عرف كل من Chris Peterson وMartin Seligman، وهما عالمان في مجال علم النفس الإيجابي، الطيبة على أنها “نزعة نفسية سائدة بين بني البشر”. بمعنى أن المرأ عندما يكون طيباً دون تصنع فإنه محب للغير بالضرورة، فهو لا يبتدر من حوله بالحسنى بدافع الرغبة بالمعاملة بالمثل، أو بعبارة أدق، ليس للغرضية مكاناً في حساباته. وينظر إلى الطيبة باعتبارها قوة مثالية، حيث أن المجتمعات المتحضرة وصلت إلى ما وصلت إليه بفعل ركونها لثقافة حسن المعاملة، هذا إلى جانب شعوبها التي تتطلع إلى تحقيق الصالح العام أكثر من مصالحها الضيقة. إننا نلقن أطفالنا منذ نعومة أظفارهم أن “كونوا لطفاء مع بعضكم” و”عاملوا الآخرين بالطريقة التي تحبون أن يعاملونكم بها”.

مزايا الطيبة

إيجابيات الطيبة الزائدة

أن تكون شخصاً طيباً فإن هذا لا شك ينسحب إيجاباً على صحتك. فبحسب Mayo Clinic، عندما نتصرف بلطف يتنشط الجزء المسؤول عن المتعة الحسية في أذهاننا ويبدأ بإفراز هرمون الأوكسيتوسين المسؤول عن الحد من التوتر العصبي. يتمتع الأفراد الذين يقومون بأعمال تطوعية بشكل منتظم بقدر أكبر من الرضا عن الحياة وفق دراسة (Van Willigen, 2000). على أن الأكثر أهمية من ذلك هو أن فعل الخير قلما يتوقف عند شخص بعينه. ولربما كان لهذه العدوى أثراً إيجابياً، حيث يستحث الشخص الذي يسدى له المعروف على أن يكون لطيفاً هو الآخر، (وهذا ما نسميه “رد الجميل”).
هل سبق أن فتحت باباً لأحدهم فرد الجميل بأن فتح لك الباب الآخر؟ ثم هل عرضت يومًا على أحدهم دفع ثمن قهوته فكان أن دفع هو ثمن قهوة الشخص التالي في الطابور؟ لا شك أن مثل هكذا تصرفات إيثارية غير مقصودة تعود بالنفع على الجميع، فهي تقرب الناس من بعضهم من خلال غرس بذور الثقة والامتنان. في ضوء كل ما تقدم، تأمل السؤال التالي: هل يمكن والحال هذه اعتبار الطيبة سلوكاً ضاراً؟

هل كل ما زاد عن حده انقلب إلى ضده؟

سلبيات الطيبة الزائدة

Chris Peterson الذي أفنى عمراً في مجال علم النفس الإيجابي في سبيل الإحاطة بأكثر مصادر القوة شيوعاً بين شعوب العالم، يذكر في إحدى مؤلفاته الصادرة عام 2006، أن كل من الطيبة والسخاء يتصدران ترتيب أكثر مصادر القوة شيوعاً بين المقيمين في الولايات المتحدة. ويقول Peterson أيضاً أن كل مصدر قوة يمتلكه الفرد مقترن ب”جانب ظل”. وعلى العموم، قد يفضي الوقوف على هذا الجانب لأي من مصادر القوة إلى اساءة استغلال ذلك المصدر.

صاحب الطيبة الزائدة يُستغل من قبل الآخرين

تخيل معي أنك موظف جديد في إحدى المؤسسات، ترغب أن تحظى بحب واحترام زملائك. وكونك بالفعل شخص مخلص وتهتم بنجاح مؤسستك، فأنت تقول لزملائك: “أخبروني كيف أستطيع مساعدتكم! أنا حاضر للمساعدة في أي وقت”. ورغم أنك قلت ما قلت عن طيب نية، فثمة للأسف أناساً يفسرون لطفك هذا على أنه ضعف. في كتابها العنصر اللطيف: فن الرفض، تعرض Jo Ellen Grzyb لمسألة أنك عندما تكون لطيفًا حقًا، فأنت ربما تريد أن تكون محبوبًا ولربما أقلقك أنك ستسيء للآخرين إن أنت رفضت لهم طلباً أو طلبت خدمةً في المقابل. وكذا سيناريو قد يتمخض عن استغلال بعضهم لأصحاب النوايا الحسنة.

والآن، تخيل أننا قدمنا آلة الزمن عاماً إلى الأمام. إذن أنت الآن مضى على وجودك في ذات المكان ومع نفس الأشخاص عاماً كاملاً. إنك الآن لا شك تلاحظ أن زملاءك ما ينفكون يطلبون منك المساعدة المرة تلو الأخرى. وإن شئت الحقيقة، فهم لا يتعاملون معك إلا وقت الحاجة. لقد كنت شخصاً متعاوناً مع محيطك إلى حد بعيد، في حين لم تلقى أي شكل من أشكال المعاملة بالمثل. زد على ذلك أنك خجول جدًا لجهة طلب المساعدة.
ولك أن تتصور مستوى الإحباط الذي ستشعر به! أنت الذي عن طيب خاطر تتعامل مع الآخرين بمنتهى اللطف والسخاء، ورغم ذلك فأنت لا ترى أي شكل من أشكال اللطف في المقابل. لقد جبل الإنسان على الرغبة في رؤية الخصال والسلوكيات التي يحترمها وهي تنعكس على تصرفات الآخرين، وإن غياب هذه السلوكيات قد يخلق شعوراً بالتنافر. إن الناس من حولنا ليسوا كما نتمنى، وهذا بحد ذاته صراع داخلي يمكن أن يسلط ضغوطاً شديدةً على المرء.

قوة “كلا”

بشكل عام، من مصلحتك أن تكون لطيفاً مع الآخرين، فالشخص الطيب وغير الأناني لا بد أن تحظى مبادراته بتقدير المقابل وربما برد الجميل يوماً ما. إذن لنعمل معاً في سبيل تصحيح الافتراض القائل بأن الطيبين هم في الحقيقة أناس خانعين وسهلي الانقياد. والأهم أننا في ضوء هذه النتيجة مطالبين بإيلاء ذواتنا اهتماماً أكبر بغية توفير الاستعداد اللازم لقول “كلا”. لاحظ أنك عندما يكون فيك ما يكفيك، أو عندما تكون مرهقًا جسديًا وعقليًا فيقصدك أحدهم طلباً للمساعدة، من الأهمية بمكان أن تسأل نفسك ما إذا كان لديك الوقت والطاقة والاهتمام الكافِ لتقديم هذه المساعدة. وكي تكون أكثر تأثيراً في الآخرين، فإنك أحيانًا بحاجة لأن تكون أكثر أريحية في قول “نعم” لنفسك و”كلا” لكل ما عداها.
_____________________________________________
المقال مترجم عن: https://www.psychologytoday.com/intl/blog/darwins-subterranean-world/202006/are-we-killing-ourselves-kindness

فيديو مقال الطيبة القاتلة

أضف تعليقك هنا

عمار الحامد

كاتب ومترجم حر وأستاذ لغة إنجليزية من العراق