أسرة القاوقجي العلمية بمصر

تقع الكتابةُ عن علماء البلاد على عاتق الباحثين والمؤرخين بها، فهم الأجدر بالتنقيب عن أخبارهم وذكر مآثرهم، وهو دينٌ يجب سداده لتلك البلاد وعلمائها ومن الظواهر المعرفية المنتشرة والتي كان لها دور في نشر المعرفة والبقاء على التراث العلمي ظاهرة الأسر العلمية، وقد أشرت إلى هذه الظاهرة في مقال لي سابق نشر في جريدة الرياض في عددها (18591) بتاريخ 19 مايو 2019م.

القاوقجي أسرة علمية عريقة

من الأسر العلمية التي مثلت ظاهرة لبقاء الإسناد والرواية وتسلسل الإجازة أسرة القاوقجيين بمصر، حيث توارثت هذه الأسرة ما يعرف عند علماء الحديث بالإسناد وعلم الرواية كابرًا عن كابر، وأخذ الصغير منهم الإسناد عن الكبير، وتلقاه الابن عن الأب أو الجد، وهكذا حتى استمر بقاء عطاء هذه الأسرة العلمي في هذا الفن.

تنتسب هذه الأسرة إلى العلامة المحدث أبي المحاسن محمد بن خليل القاوقجي (ت1305ه)، ولد في طرابلس الشام، ثم رحل إلى مصر، وأخذ عن علماء الأزهر، وأقام في مصر أكثر من سبع وعشرين سنة، وتلقى الإسناد والرواية عن شيخ الأزهر إبراهيم الباجوري والشيخ محمد بن أحمد البهي المالكي، والشيخ أحمد الصعيدي، والشيخ محمد عابد السندي المالكي وغيرهم، وله مؤلفاتٌ كثيرة في الحديث والتفسير، وأثباتٌ شهيرة في علم الرواية والإسناد والمسلسلات.

السلسة العائلية الذهبية

أخذ عنه العلم وتلقى عنه الرواية والإسناد كثيرون، وقد تسلسل الإسناد إلى أولاده فتلقوا عنه المسلسلات الحديثية، ومنهم ولده محمد كمال الدين بن أبي المحاسن القاوقجي (ت1345ه)، وولده العلامة السيد محمد بهاء الدين أبو النصر القاوقجي، وقد أخذ عن والده والبرهان السقا، وتوفي في مدينة شبين الكوم بالمنوفية، وولده مصطفى فخر الدين بن أبي المحاسن القاوجي.

استقرت ذرية العلامة أبي النصر القاوقجي في شبين الكوم، وأخذ عنه الإسناد والرواية ولده السيد محمد شمس الدين القاوقجي (ت1405ه) وحفيدته الشريفة فاطمة بنت محمد شمس القاوقجية، ومن غير أولاده شيخنا المعمر محمد بن سعد بن بدران الدمياطي الحنفي (ت1428ه)، وشيخنا عبد الباقي بن أحمد بن محمد سلامة الأزهري الشافعي.

سند حديث رواية “الرحمة”

من الأسانيد اللطيفة في رواية حديث الرحمة (المسلسل بالأولية) ما حدثني به السيد محمد أديب بن محمد شمس الدين الحسني القاوقجي -وهو أول حديث سمعته منه ببيته بشبين الكوم- قال : حدثني والدي السيد محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين الحسني القاوقجي (ت١٤٠٥) -وهو أول حديث سمعته منه-، حدثني والدي السيد أبو النصر محمد بهاء الدين بن محمد بن خليل الحسني القاوقجي (ت ١٣٥٧) -وهو أول حديث سمعته منه-، حدثني والدي السيد أبو المحاسن محمد بن خليل الحسني القاوقجي (ت١٣٠٥).

روى العلامة أبو المحاسن القاوقجي الحديث المسلسل بالأولية بسنده إلى سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الرحمن يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”، وأثبت إسناده المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بعض كتبه، وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما.

ورواية هذا المسلسل من طريق هذه الأسرة يمتاز برواية الأبناء عن الآباء، حيث يقول الابن من هذه الأسرة: حدثني والدي، ومثل هذا عادة ما يحتفي به علماء الفن، كما أنه مما يحرص المشايخ على إسماعه لطلابهم قبل الدخول في العلم، وفيه بيان أن العلم مبدأه الرحمة ومنتهاه الرحمة، وقد اتصلت الأسانيد في غيره عند هذه الأسرة العلمية، فروى العلامة أبو المحاسن القاوقجي بسنده الكثير من الأحاديث وغيرها في مسلسلاته وأثباته الشهيرة.

إسناد أعلى

بأعلى من الإسناد السابق حدثني الشيخان المعمران محمد بن سعد بن بدران الدمياطي الأزهري الحنفي في بيته بكفر سعد البلد بمصر، وعبد الباقي بن أحمد بن سلامة الدمياطي الأزهري الشافعي في بيته بالمعادي -وهو أول حديث سمعته منهما- قالا: حدثنا السيد محمد بهاء الدين بن محمد بن خليل القاوقجي بإسناده المتقدم.

ومثله في العلو ما حدثني به الوزير الشريف حسن بن محمد بن عبد الهادي كتبي الحسني الحنفي في بيته بالمدينة المنورة -وهو أول حديث سمعته منه-، حدثني العلامة عبد الستار بن عبد الوهاب الصديقي الدهلوي الحنفي -وهو أول حديث سمعته منه-، حدثنا السيد أبو المحاسن محمد بن خليل القاوقجي بإسناده المتقدم.

ومثله في العلو ما أرويه إجازة عن الشيخة المعمرة الشريفة فاطمة بنت محمد شمس الدين القاوقجي عن جدها السيد أبي النصر محمد بهاء الدين بن محمد بن خليل القاوقجي بإسناده المتقدم، وهذا إن دل فإنما يدل على احتفاء هذه الأسرة برواية النساء، فليس الأمر قاصراً على الرجال دون غيرهم، كما يلفت الانتباه إلى أمر تعليم المرأة وأنه بدأ في مصر منذ عهد طويل.

فيديو مقال أسرة القاوقجي العلمية بمصر

 

أضف تعليقك هنا