أعاجيب في زمن كورونا

يخطر ببالنا يوما أن نعيش هذه الأيام القاسية، التي أفرزت شيئا من الفزع غير قليل في نفوس كثير من الناس على سطح هذا الكوكب، وأخضعت الحياة كلَّها لقانونها الجديد، وصيَّرت العالمَ كلَّه في حيرة لا يعلم أحد لها حدًّا، ولا يدري لها نهاية.

هل كشفت كورونا الغطاء عن نوايا الناس الكامنة في قلوبهم؟

ولعمري إنه لأمرٌ جِدُّ خطير، ولكن الأخطر منه، والأشد عجبًا، ما جسّدته هذه المحنة من أخلاق بعض الناس، وما أظهرته بجلاء من ثقوب في ضمائر بعضهم ممن أثبتوا بأفعالهم تردِّيهم في وحل الأنانية وحب الذات، كأن شعارهم المثل القائل: “أنا ومن بعدي الطوفان”، فانكشف القناع عن وجوههم الكالحة، ونزواتهم الحقيرة، لم يبالوا بقريب أو بعيد، ولم تعرف قلوبهم رحمة، ولا عيونهم عَبْرة، كما قال الشاعر: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتماً وعويلاً…

نماذج إنسانية شاذة

هذا يهجر أباه أو أخاه، لأنه أصيب، فيتركه وحيدا في عراء الحياة، شريدًا في صحرائها، يقهره الحزن، وتُحطِّمه صدمة العقوق والجفاء، ولم يدرِ هذا المسكين أن الأمراض مجرد أسباب، وأن الإنسان قد ينام فلا يستيقظ إلا في قبره، ليُسألَ عمّا اقترفت يداه.
وهذا آخر سمعنا عنه في الأخبار كل العجب، يفتقد الدينَ والأخلاق والأدب، يصاب هو فيأبى إلا أن يصاب غيرُه، فيتعمد نقل العدوى إلى صاحبه، كأنما هو الشيطان لمّا توعَّده الله بالنار فقال: “فبعزتك لأغوينهم أجمعين”، حتى يضمن لنفسه فيها أنيسا.
ولا تزال تسمع في هذا الزمان بالأعاجيب، حتى كادت لكثرتها أن تُميت في قلوبنا مشاعر الدهش والإنكار، وتُجففَ فيها ينابيع الرحمة والشفقة، فتصبح أقسى من الصخور الجلاميد.

مواقف عديمة الإنسانية

يقف بعض المخبولين في وجه جنازة محمولة على الأعناق، لطبيبة ماتت بالطاعون، يحتسبها أهل الإسلام شهيدة عند ربها، رافضين أن تدفن في مقابر بلدتهم، ظنًا منهم أنهم بذلك سيكونون في مأمن من القدر المحتوم، ولو علموا فداحة الذنب، وأدركوا هول الجُرم، لترقبوا العذاب، ورفعوا أكفّ الندم خوف الهلاك والدمار، أليس الزمان هو الزمان؟، والمكان هو المكان؟، فما الذي تبدّل؟، إنها قيمنا وثقافتنا وقلوبنا:
نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيب سوانا

فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا

إخواني أخلصوا النية، وأصلحوا ما فسد من قلوبكم، وتضرعوا لله رب العالمين، فهذا أوان التضرع والبكاء: “فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”، لا يتَّهمنَّ أحدٌ أحدا بظلم، أطبقوا الشفاه على الكلمات في الأفواه، فإنها إذا خرجت سترتد إلى قائلها لتقتله، كالرصاصة التي تخرج من سلاحٍ خَرِب، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) لمعاذ بن جبل (رضي الله عنه): “ثَكِلَتْك أُمُّك، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!”، فازرع الكلمَ الطيب تحصدِ الخير، وتجنِ ثمارا حُلوة، لذيذة الطعم، ذكية الرائحة، ولا تزرع الخبث وسوء الطَّويِّة، فتجنيَ الأشواك، وتتجرع مرارة الندم.

فيديو مقال أعاجيب في زمن كورونا

 

أضف تعليقك هنا