ارتداء الكمامات بين القبول والرفض، وجهة نظر نفسية

في الولايات المتحدة، غالباً ما ينظر لإعادة فتح الاقتصاد بوصفه شأن سياسي، على أن للأسر الأميريكية نصيبها من ذلك الشأن لجهة الجدل المحتدم حول مستويات التراخي أو الصرامة الواجب اتباعها للتصدي لخطر تفشي كورونا.وتعكس هذه الاختلافات في وجهات النظر نمطي تفكير مختلفين للغاية. فالبعض مستاؤون من الانفتاح وما يستتبعه من مخالفة للتوجيهات الرسمية القاضية بارتداء الكمامات، ولسان حالهم يقول: الوقاية خير من العلاج. في حين يرفض البعض الآخر رفضاً قاطعاً مجرد إخبارهم بالإجراءات الواجب اتباعها، وهؤلاء يشعرون بالضيق والسخط تجاه القيود المفروضة. (الملتزمين والمستهترين في زمن كورونا). (اقرأ المزيد من المقالات على موقع مقال من قسم كورونا).

الملتزمين والمستهترين في زمن كورونا

هذه الاختلافات لا تمثل عينات شخصية عشوائية، إنما هي انعكاس لأنماط سلوك اجتماعي متجذرة. وما لم يتم تفهم هذه الاختلافات بشكل أفضل، فسيكون من الصعب جدًا التعايش مع كوفيد-19.بعد 25 عاماً من البحث في علاقتهم بالقانون، نستطيع تصنيف الأشخاص إلى فئتين تعتنقان نمطي سلوك مختلفين.فئة صارمة، تهتم بتطبيق القانون أيما اهتمام، ولديها رغبة شديدة بتجنب الوقوع في المحظور، ويتمتع أفرادها بقدرة فائقة على ضبط النفس، وهم حريصون على الترتيب والنظام.وأخرى متهاونة، تنظر للقانون بعين الريبة، أفرادها على استعداد لتحمل المخاطر، ويألفون جو الفوضى والغموض. ومن حيث الجوهر، فهذين النمطين ليسا محل مدح أو ذم، بيد أن لهما تأثير على سلوك الأفراد وحتى الدول. خذ مثلاً مجمل الاختلافات الثقافية الهائلة بين سنغافورة والبرازيل.

الملتزمين والمستهترين في زمن كورونا على صعيد الدول

حيث خلص بحث أجريناه إلى أن سنغافورة بلد صارم، إذ أينما ولى المرء وجهه فثم وجه القانون، وللسلطات هناك مطلق الحرية بإنزال العقوبات بحق كل مواطن يتعدى حدوده. هناك ربما تضطر لدفع غرامة بسبب بصقة أو علكة، نعم فهذه الأخيرة يعد استيرادها من الممنوعات.من جانبها، تميل البرازيل إلى أن تكون بلداً متهاوناً، لا بل بلداً يوفر بيئةً تساهليةً لكل ما هو مضطرب وفوضوي، شأنه في ذلك شأن باقي الثقافات الفضفاضة. وفي الوقت الذي يولي مسألة التعبير الإبداعي اهتماماً خاصاً، فإنه يغض الطرف عن الفوارق الطبقية بين أبناء شعبه، وحسبك أن تلقِ نظرةً على المهرجانات السنوية التي تقام هناك.

الملتزمين والمستهترين في زمن كورونا على صعيد الأسرة

على نطاق أضيق، تعالوا نتخيل حجم الدور الذي يلعبه كل من أسلوبي الصرامة والتهاون على الصعيد الأسري. هل أنت أب حمائي أم أنك من النوع الذي يترك الحبل على الغارب؟ هل يتبع أطفالكِ القواعد أم يخالفونها؟ في كثير من الأحيان، هل تترك المناشف مبللةً على السرير أم تعلقها في مكانها المخصص؟ هل تواجهين انتقادات بسبب تحميلكِ غسالة الصحون بشكل عشوائي؟

قد تتجاوز الفروق الأسلوبية الكشف عن تاريخ الفرد لتكشف النقاب عما تعرضت له أمة بأسرها من تبعات الحروب والمجاعة والمرض وخضوعها لمستويات غير مسبوقة من الضغوط والصدمات. وقصارى القول أنه كلما كان المرأ أكثر عرضةً لمثل هكذا تهديدات في الماضي، ازدادت احتمالية تبنيه نمط تفكير أكثر صرامة. الأمر الذي يبدو منطقياً من منظور تطوري، فكلما كان هيكله متماسكاً، كان النظام الاجتماعي محصناً بوجه أي خطر محتمل.

نتائج العزل الصحي على الملتزمين والمتهاونين

لقد عبرت هذه الميول عن نفسها خير تعبير ابان الإغلاق الشامل الذي أقر بحكم تفشي فايروس كورونا. حيث جعل نظام العزل وما فرض على إثره من قيود الأشخاص الصارمين أكثر حساسيةً من ذي قبل. ولربما صار تعقيم مواد البقالة يدويًا ومسح مقابض الأبواب شغلهم الشاغل. في حين يشعر نظراؤهم من المتهاونين بالضيق إزاء هذه التدابير الوقائية. كيف لا والكمامة تبدو لهؤلاء أمراً غير مألوف، ولربما نظروا إلى قواعد الصحة العامة على أنها رد فعل مبالغ فيه.

ولا عجب أن تختبر بعض الأسر مستويات غير مسبوقة من الحصر النفسي بفعل المناكفات بين أفرادها، إذ بالإضافة إلى التوتر الناجم عن هذه الجائحة، فهم يناضلون للتكيف مع مجموعة جديدة من المعايير الاجتماعية التي قد لا تنسجم وغرائزهم العميقة. ومع ذلك، فإنه من غير المستحسن وضع حد لهذا النضال؛ لأن تفهم منطلقات جميع الأطراف يفضي إلى تجاوز هذه الفروق بنجاح.
أحد المبادئ الأساسية والمدعوم بالكثير من الأدلة، يقضي بأن المجتمع عندما يتهدده خطر داهم فإن الصرامة هي الحل. على سبيل المثال، عندما يزداد عدد المصابين بكوفيد-19 إلى حد ارباك المنظومة الصحية، فمن الأهمية بمكان الالتزام بشكل جماعي بقواعد التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات وغسل اليدين.

من هم الأشخاص المتهاونين؟

الأشخاص المتهاونين الذين يأخذون أي انتهاك لاستقلاليتهم مأخذ الجد، ربما حملوا هذه الإجراءات على محمل التحدي. غير أن التعريض بهم أو انتقادهم أو ازدراؤهم لن يكون ذا جدوى. والأجدى أن نذكر الجميع بأن هذه القيود مؤقتة وأننا كلما التزمنا بها بجدية أكبر، كلما فرغنا منها بوقت أسرع. ومن خلال قدرتهم على التفكير خارج الصندوق، يمكن أن يلعب هؤلاء دورًا في المساعدة في ايجاد طرق جديدة للتواصل أثناء فترة التباعد أو ابتكار أشياء ممتعة للقيام بها في المنزل.

ما إن ينحسر التهديد وتبدأ الناس بتخفيف القيود حتى يساور الأشخاص الصارمين القلق؛ كون هذا التخفيف يشعرهم بالضعف. ويظهر بحثنا أن تكييف هذه الفئة يستغرق وقتًا أطول على عكس المتوقع. ويعزى ذلك لأسباب تتعلق بطبيعة تنشئة الفرد وأثر هذه التنشئة في استعداده للتقليل من حدة المخاطر الناجمة عن تعرضه لجملة من التهديدات.وعليه، فإن الحل يكمن باتخاذ خطوات تدريجية. ربما يشعر الأشخاص الصارمين بالذعر في المراكز التجارية المزدحمة أو على الشاطئ، لكن تشجيعهم على التأقلم رويداً رويداً من خلال ارتياد تلك الأماكن مع صديق أو قريب موثوق، كفيل بجعل إعادة الانفتاح أكثر سلاسة.

لما كانت الدول بدأت بالفعل رحلة التكيف مع الواقع الاقتصادي الجديد، فإننا جميعاً مدعوون للتماهي مع بعضنا البعض صارمين كنا أم متهاونين.ويبقى الأهم أن نتعلم كيف ننظر بعين التقدير إلى أصل التفاوت الاجتماعي في ما بيننا، وبذا نكون قطعنا شوطاً مهماً في طريق تفادي أي خصومات محتملة. وكلما كنا بارعين بالتوفيق بين المفهومين، أي أن نكون صارمين في أوقات الشدة ومتهاونين أوقات الرخاء، صرنا أفضل حالًا.

_____________________________________________
المقال مترجم عن: https://ideas.ted.com/why-some-people-wear-masks-but-others-dont-a-look-at-the-psychology/

فيديو مقال ارتداء الكمامات بين القبول والرفض، وجهة نظر نفسية

أضف تعليقك هنا

عمار الحامد

كاتب ومترجم حر وأستاذ لغة إنجليزية من العراق