التربية بالظن

بقلم: عادل عبدالستار

قُدّر لي أن أحضر مرور أستشارى الطب النفسى ومدير المؤسسة العلاجية التي لأعمل بها، وأثناء مناظرته لأحد مرضى الإدمان قال له أن هناك مبدأ علاجي يُسمى (مجازاً) العلاج بالظن… بمعنى إنه إذا ظننا مجرد ظن أن مريض الإدمان قد انحرف قليلًا عن طريق التعافي فعلينا أن نأخذ بهذا الظن ونبدأ فى توجيه بالطرق العلاجية المناسبه، لأن الانتظار إلى أن نتأكد من الأمر ربما أخرنا كثيراً فى العلاج، ومن هنا جاءت فكرة المقال وعنوانه، وهي فكرة أو مبدأ التربية بالظن…

الظن في حياتنا

علينا فى تربية أبنائنا أيضًا أن ننتهج نفس المنهج ونؤمن بنفس المبدأ، لأن انتظارنا فى كل موقف (غير طبيعي) يحدث أو يصدر من أبنائنا حتى نتأكد منه ربما حينها نجد أنفسنا فى ورطه كبيرة صعب علاجها، لذلك علينا أن ننتبه إلى هذا الأمر… وسوف نذكر بعض الأمثلة لتوضيح الفكرة أكثر للقارئ الكريم.

نماذج من واقع الحياة

في الأسرة

ابني أو ابنتي تأخر عن موعد وصوله للبيت من المدرسه أو الجامعه وتكرر هذا… فليس من المنطقي أن أنتظر لأتاكد من أن سبب التاخير طبيعى بل يجب أن أظن إنه ربما يكون هناك شئ ما خطأ فى سلوكهم ومن ثم يجب أن أتحدث معهم وأعرف سبب التاخير وأنصحهم وأوجههم وأحذرهم

في بعض المواقف يجب تدراك الأمر بسرعة

ابنى لاحظت إنه منعزل دائماً فى غرفته… ليس من المنطقي أن اقنع نفسي بأي مبرر بل يجب أن أتعامل معه على الظن والتدخل لمعرفة السبب… فربما كان انعزاله هذا سببه القيام بخطأ ما مثل تعاطي المخدرات مثلاً أو مشاهدة بعض المواقع الإباحية .. ألخ ألخ.

تغير مفاجئ

أب لاحظ أن ابنته بدأت تهتم بشكل ملحوظ بلبسها أو الميكاب الخاص بها، حينها يجب أن يظن إنه ربما هناك من يشغلها من الشباب، ولا يجب أن ينتظر إلى أن يتأكد بل يجب أن يتدخل وينصح ويعرف سبب هذا التغير والاهتمام ولا ينتظر إلى أن يتأكد لأنه حينها سيكون التدخل متأخر للغاية وربما تكون الكارثه قد حدثت.

نصيحة

أيها السادة… ربما يقول قائل الآن إنه يجب أن نثق فى أبنائنا، فتلك الثقه ربما ساعدتهم على الثقه بأنفسهم، وأقول أن هذا القول لا يتعارض مع فكرة المقال، حيث أن رسالتنا هنا هو أننا نأخذ بالظن فى التصرفات التى نراها غير طبيعية أو غير منطقيه وليس بشكل مستمر، لأن انتظارنا كي نتأكد ربما جعل تدخل ولي الأمر هو والعدم سواء لأنه سيكون تأخر كثيراً كما أشرنا فى الامثلة السابقه، وقد كانت نصيحة أحد أكابر الطب النفسى… الدكتور عادل الزايد فى أحد البرامج التلفزيونية بأن نبحث عن ما يكتبه أبنائنا على او فى هوامش كتبهم وكراساتهم كي نستطيع أن نعرف ما يفكرون به وما يشغل عقولهم… وأيضا سُئل الدكتور على جمعة (مفتى الديار السابق) عن أم تُفتش فى موبيل أبنتها وقد أجاز لها هذا مُبرراً ذلك بحب الأم لابنتها وحرصها وخوفها عليها أيضاً

عناصر التربية وتأثيرها على الفرد

أيها السادة… يتحدث علماء التربية أن العملية التربوية لها خمسة عناصر وهي: المُربِّى (الأب والأم) والمُربَّى (الأبناء) والمنهج والزمن والمناخ، وعنصر واحد فقط من تلك الخمسة وهو المُرَبِّى يتحمل 60% من نجاح تلك العملية، لذلك كان من الأهمية بمكان أن نلفت نظر أولياء الأمور الى ذلك المبدأ المهم فى التربية وهو مبدأ التربية بالظن، وعلينا أن نعترف أن مهمة تربية الابناء فى هذا الزمان ابداً ليست مهمة سهلة، وذلك فى ظل العولمة التي نعيش فيها، ووصول الثقافات والعادات المختلفة لنا بسهولة شديدة ونحن لا ندري هل أبنائنا سيكون لديهم القدرة على تنقية تلك العادات والثقافات المختلفة وأخذ المفيد منها فقط أم إنه سيحدث ما نخشى منه.

رسالة عميقة

لذلك رسالتي من خلال هذا المقال؛ إنه علينا أن ننتبه إلى أبنائنا، وعلينا أن نتعلم مهارات التربية، علينا أن نسلك كل الطرق حتى نصل بأبنائنا إلى بر الأمان وسط كل تلك الأمواج المتلاطمه، علينا أن نحميهم من جزر الحياة ومدها.
حفظ الله أبنائنا … حفظ الله مصر .. أرضاً وشعباً وجيشاً وأزهراً.

بقلم: عادل عبدالستار

 

أضف تعليقك هنا