التكنولوجيا الحديثة والنحو العربي ( 2 )

في المقال الأول طرحنا عدة أسئلة عندما ذكرنا أن استراتيجية التعلم التعاوني الشبكي تؤدي إلى خبرات تعلم ثريّة ومتنوعة، فقلنا: كيف يمكن تطبيق هذه الاستراتيجية في تيسير تعلم قواعد النحو العربي وهل يمكن أن نجد لها حضورا في تعليمنا خاصة مع المستجدات العصرية، وما يطرأ على الساحة المحلية والعالمية من أحداث قد تطوّر رؤى أو تغيرها، فما نرفضه في وقت ما قد نقبله في غيره؟ والحديث عن قضية التعلم التعاوني الشبكي لهو حديث ماتع؛ لما فيه من استخدام أنشطة متعددة يمارسها المتعلمون وهم سعداء دون كلل، أو ملل خاصة إذا أمكن توظيف هذه الأنشطة توظيفا جيدا.

النحو والأنشطة التقليدية:

إن الوقت الذي يخصص لتعليم قواعد النحو العربي مع اختلاف المراحل العمرية للمتعلمين إذا خلا من الأنشطة المساعدة، فإنه يُعدُّ عبئا كبيرا على المعلم والمتعلم قبله، خاصة إذا كان المعلم مهموما بتقديم منهج معين لمتعلمين في مرحلة تعليمية أعلى، في حين نجد الأمر أكثر سهولة ويسرا مع المتعلمين في مرحلة تعليمية أدنى، ولا نبالغ إذا قلنا: إن متعلمي قواعد النحو العربي بالطريقة التقليدية التلْقينية أكثرهم لا يتابع المعلم بعد عشرين دقيقة من التلقي، وإذا أجهد الطالب نفسه للاستماع إلى المعلم، أو أجهده المعلم فإنه عقب الانتهاء سرعان ما يُنسي الكلام بعضه بعضا، ويتداخل خاصة الناطقين بغير العربية؛ لذا يفضل تقديم معلومة بسيطة في وقت قليل بنشاط مصاحب؛ ولهذا جاءت أهمية الأنشطة بوصفها وسائل معينة للمعلم والمتعلم في آنٍ واحدٍ لقبول المادة التعليمية في صورة جذّابة بعيدة عن الجفاء الذي يستشعره كثير من متعلمينا عندما يكون تعليمهم تقليديا.

ويختلف نوع النشاط باختلاف المرحلة العمرية، فما يُقدَّم من أنشطة لطلاب المرحلة الابتدائية والمتوسطة ( الإعدادية ) يعتمد أكثره على كثرة الحركات والألعاب العامة التي يقدمها المعلم في قوالب متنوعة وصور عديدة تتناسب معهم مستعينا بالمتعلمين في أدائها، ومن ثم فالمعلم في هذه المرحلة هو المقترح غالبا، في حين قد لا يتناسب هذا النشاط مع من عمرهم في المرحلة الثانوية أو الجامعية، فهؤلاء – غالبا – يكون دور المعلم معهم مرشدا وموجها ومقترحا، وتتجلَّى خبرات المتعلمين المتنوعة في تقديم عروض وأفكار نابعة من ثقافتهم وبيئاتهم قد تأخذ شكل ألعاب لغوية، أو مناظرات، أو غير ذلك؛ مما يُسهل على المعلم دوره في تقديم القواعد الصماء في صورة حية.

النحو والأنشطة الإلكترونية:  

من هنا أصبح للأنشطة دور بارز في تيسير عملية التعليم خاصة فيما يخص قواعد النحو العربي، فإذا كان أكثر المتعلمين لقواعد النحو العربي يفضل استخدام الأنشطة سواء أكانت صفية أم غير صفية مع استشعاره نوعا من الراحة النفسية عند تلقي العملية التعليمية، فإنه ليكون أكثر سعادة ونشاطا وحيوية إذا علم أن العملية التعليمية ستأخذ نمطا متطورا ومحببا إلى إليهم خاصة مَنْ في المرحلة الثانوية أو الجامعية؛ لأن كثيرا منهم لا يحسن استخدام الشبكة العتكبوتية (Internet) فيما يفيده، ويحسّن من قدراته.

نموذج تطبيقي عن استراتيجية التعلم التعاوني الشبكي:

وفي تجربة لطلاب من الناطقين بغير العربية في كلية اللغة العربية بجامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية UniSHAMS بولاية قدح دار الأمان، ماليزيا، وبعد أن درسنا في التعليم التقليدي عدة موضوعات نحوية، أخذت مجموعة ضابطة من الطلاب، وأجريت عليها التعليم التعاوني الشبكي؛ حيث قسّمتهم مجموعات عبر وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي WhatsApp ؛ وذلك من خلال الآتي:

أولا:قمت بإنشاء مجموعات إلكترونية للمتعلمين وقسمتهم على النحو الآتي:

  • مجموعة التعلم التعاوني الشبكي 1 ” مكونة من خمس طالبات “.
  • مجموعة التعلم التعاوني الشبكي 2 ” مكونة من خمس طالبات “
  • مجموعة التعلم التعاوني الشبكي 3 ” مكونة من خمسة طلاب “.

ثانيا: حددت لكل مجموعة درسا يتم النقاش حوله، وإعداده، على النحو الآتي:

  • المجموعة الأولى: تختص بالبحث في معنى النداء، وحروف النداء، واستعمالاتها، وأحكامها النحوية.
  • المجموعة الثانية: تختص بالبحث في أنواع المنادى من حيث البناء والإعراب.
  • المجموعة الثالثة: تختص بالبحث في نداء الاسم المضاف إلى ياء المتكلم، وكيفية نداء لفظ الجلالة ” الله “.

ثالثا: بدأ المتعلمون فيما بينهم يتواصلون عبر تقنية WhatsApp مستخدمين هذه التقنية في عرض أفكارهم وآرائهم، وقاموا بإعداد الدرس الذي كُلفوا به.

رابعا: كنت أتابعهم من خلال المداخلات عندما يتطلب الأمر ذلك ، فكنت موجها ومرشدا، وفي أثناء ذلك لاحظت عدة أشياء، منها:

أولا: أن البيئة الآمنة تعد حافزا على طرح الأسئلة دون تردد وخوف، وهذه تعد معضلة أساسية تقف حجر عثرة أمام كثير من المتعلمين في عدم فهم كثير من أمور لغتهم، بل عندما لا يفهمون شيئا فإنهم يترددون في طرح الأسئلة والاستفسارات، أما في التعلم التعاوني الشبكي فتختفي البيئة التي تعوق الطلاب عندما يودون طرح الأسئلة عن شيء لم يفهموه.

ثالثا: أن المتعلمين أقدموا على المشاركة الفعالة، واستطاعوا تقديم إجابات إبداعية سواء أكانت صحيحة أم غير صحيحة، في حين أن كثيرا منهم عندما كان في التعليم التقليدي الصفي كان في قلق كبير من سلوك زملائه في الصف عندما تكون الإجابة خاطئة، أما في التعلم التعاوني الشبكي فالطلاب كلهم في نفس الوضع، فالذين لا يفهمون يتلقون مساعدة أكثر من مجرد السخرية.

ثالثا: أن كثيرا من المتعلمين من المتأخرين دراسيا قد تقدم مستواهم، وظهروا في صورة مغايرة لمستواهم في التعليم التقليدي؛ مما كان له الأثر في تغير كثير من شئون حياتهم الخاصة.( وذلك من خلال الملاحظة والمتابعة، والتواصل مع بعضهم ).

ومن هنا لاحظت – ليس فقط – تحسّن المستوى التعليمي وتقدمه، لكن قضية أخرى قد تفتح لنا مجالا لدراسة أخرى مفادها ” أثر استخدام النشاط الإلكتروني في بناء الشخصية وتطورها “. وقدمت لهم استبانة لها عدة محاور قاموا بها قبل التعليم التعاوني وبعده، وترتب على هذه الاستبانة عدة نتائج وتوصيات ، نظرا لأهميتها ودورها فيما نحن بصدده، فسوف نناقشها – إن شاء الله – في المقال القادم.

فيديو مقال التكنولوجيا الحديثة والنحو العربي ( 2 )

أضف تعليقك هنا