الصداقة الحقيقة

وصلنا إلى زمن اصبح فيه امتلك صديق يحتوي كل مشاعرنا ويكُن سند وأخ حقيقي نجد فيه ضالتنا، ونسدي إليه همومنا، ومن خلاله نغير الكثير من أنماط حياتنا، شيء أشبه بالخيال، ببساطة لأننا نعيش في عالم تملؤه الأنانية ويسود فيه حب الذات، عالم قُرنت فيه الصحبة بالمصلحة وصار الخداع والحيلة سمة الشطار ظهر فيه الفساد في أقبح صوره.

الصديق الصدوق كنز الحياة

من منا لا يتمنى أن يمتلك صديق صدوق يرى في عينيه جمال الصداقة ووجهها الحقيقي، يعيش معه حلاوة الحياة ولو كانت مرة، صديق يُغطي عيوبنا الظاهرة ويستر ما خفي منها، صديق نجد فيه أنفسا بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، نجده أمامنا في الحزن قبل الفرح، وفي الخير قبل الشر، صديق يرفعنا أن أوقعنا، يمد يده قبل أن نحتاجها، صديق كالغيث ينهمر على حياتنا بالخير فيزهر ربيع أعمارنا، من منا لا ينتظر بلهفة وشوق قدوم ذلك الغيث (الصديق) الذي أن حل بحياتنا أثمر وأتى اُكله.

الصديق مشتق من الصدق وتعني أيضاً صاحب من الملازمة والرفقه فرسول الله صلى الله عليه وسلام في  اختار صحبة صديقه أبوبكر الصديق رضي الله عنه، أن حسن اختيار الصديق ليست بتلك العملية المعقدة ولا السهلة فليس من السهل أن تقول امتلك صديق دونما علم ودراية وخبرة تامة بمعنى الصدقة وحقها، فالصديق قرين، يقال: قل لي من تصاحب أقول لك من أنت، يقول سيدنا عليه الصلاة والسلام: ‏”‏المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل‏”‏‏.‏

الصديق يؤثر عليك إما إيجابًا أو سلبًا 

ولأننا نتأثر بوعي أو بدون وعي، إيجاباً أو سلباً بمخالطة ومرافقة الاصدقاء لذاك ينبغي علينا أن نتمحص ونُحسن اختيار من نصاحب وان نعي معنى الصحبة وخصالها والتي من أهم خصالها التقوى قال الله تعالى {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} وقال صلي الله عليه وسلم “لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقى” ومن خصال الصحبة والصداقة الحقيقة تصحيح الاعوجاج الذي قد يحدث لنا كلما ارتكبنا ذنباً نجدنا ذالك الصديق يوجه ويزجُر ويصحح العيوب التي تطغى علينا لانه المِرءَاةُ التي نرى انفسنا فيها فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :”المؤمنُ مِرءَاةُ أخيه المؤمن”.

الصداقة في الشعر العربي

ومن أبرز الصفات التي يجب توافرها في الصديق الوفاء، كما ذكر أيضاً الإمام ابن الجوزي رحمه الله خمس خصال ينبغي توفرها في الصديق حتى يكون مؤثراً بصحبته وهي العقل والحكمة، حُسن الخلق، عدم الفسوق، عدم الابتداع وعدم الحرص على الدنيا. ولعل من اجمل العبارات التي قيلت في الصحبة.

ما ذكره اسحاق الغزي عن خصلة التجانس:

مالي أرى الشمع يبكي في مواقده *** أمن صحبة النار أمن فرقة العسل

من لم تجانســـه فاحذر مجالســـه *** ما ضر بالشمع إلا صحبــة الفتـــل

ويقول الشاعر طرفة بن العبد

“عن المرء لا تسل وسل عن قرينه*** فكل قرين بالمقارن يقتدي”

ويقول صفي الدين الحلي في واحدة من أهم خصال الصحبة وهي عدم اللؤم

“لا تصاحب من الأنام لئيما *** ربما أفسد الطباع اللئيم
واعتبر حال عالم الطير طرا *** كل جنس معْ جنسه مضموم”
اما الشاعر أبو صالح عبدالقدوس فوصف الصداقة قائلاً
وإذا الصديقُ رأيتَه مُتَمَلِّقاً *** فهو العدوُّ وحقُّه يُتَجَنَّبُ
إلى أن وصلت في قوله:
واختر قرينَك واصطفيه تفاخراً *** ان القرينَ إلى المقارَنِ يُنسَبُ

الصديق الصادق يستمر مدى الحياة

إن الصحبة الصالحة تتميز بالديمومة والاستمرارية كلما ابتعد الشخص منا عن مصالح الصحبة سوء كانت لأجل مال أو جاه أو سلطة أو شهره واختار أن تكون الصحبة لله طال أمد تلك الصحبة وديمومتها، إن الأيام والمواقف وحدها الكفيلة باثبت صحة وحقيقة الصحبة والصداقة فلعل موقف يظهر لك كم كنت غير موفق في اختيار الاصدقاء وبعض المواقف تجعلك تفاخر بحُسن اختيارك للأصدقاء.

إننا بشر نُخطئ ونصيب في خياراتنا لكننا نضل اجتماعيًا بطبيعتنا نحتاج إلى أصدقاء ولا تصفحو الحياة بدون صديق نلجأ إليه وقت ضعفنا فيكون ذالك الذي يُقيم جدار طموحاتنا كلما أراد ان ينقض، ويسد خروق أحلامنا كلما أحدثت الحياة فيها شقوق وأخراق، ذالك الصديق الذي يجعل بيننا وبين اليئس سداً دون أن يتخذ في ذالك أجرًا.

أيجب أن تتوفر المعايير التي نطلبها في صديقنا بنا أيضًا؟

إن طموح كل شخص منا بذالك الصديق الذي تنطبق فيه كل صفات الصحبة الصالحة والرفقة الطيبة لكن هل سألنا أنفسنا يوماً عن مدى إمكانية توفر أو عدم توفر تلك الخصال فينا هل قيمنا انفسنا أم لا، حتى نطمح بتوافرها في شخص من نرغب بصحبته الم يخطر ببالنا يوماً أن ما فينا نلمسه في غيرنا فمثل ما نرغب بتلك الصفات في اصدقائنا كذالك الآخرون يرغبون توافرها فينا فلنصلح أحوالنا ولنسلك مسالك الصالحين حتى يرزقنا الله صحبة صالحة، فالصحبة الصالحة أرض خضراء وأشجار مثمرة تؤتي أكلها كل حين بإذن الله وهي سلام وأمن واستقرار وراحة بال.

واختم بما قاله ابن الجوزي رحمه الله

“من اجتمعت فيه هذه الخصال كلها فإن صحبته لا ينتفع بها في الدنيا فقط بل ينتفع بها في الآخرة وعلى هذا يحمل كلام بعض الصحابة والتابعين رحمهم الله تعالى: “استكثروا من الإخوان فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة”.

فيديو مقال الصداقة الحقيقة

أضف تعليقك هنا