المسرح في الفيوم في نهايات القرن التاسع عشر (1890ــ 1900)

المسرح هو الفن الكبير الجامع لمختلف الفنون، فكل فن جميل من الممكن توظيفه في عروض المسرح خدمة للقيمة الفنية المرجوة من العرض المسرحي، ولا معنى لاجتماع كل هذه الفنون دون وجود الجمهور الذي يشكل العنصر الأساس لاكتمال الفن المسرحي. (المسرح في مصر). (اقرأ المزيد من المقالات على موقع مقال من قسم مسرحيات).

وإذا كانت مصر قد عرفت الفن المسرحي منذ أواسط القرن التاسع عشر سواء من الفرق الأجنبية التي قدمت عروضها في مصر، أو من خلال زيارات الفرق الشامية لمصر، فإن الفيوم قد عرفت الفن المسرحي منذ فترة مبكرة، سمح بذلك قربها من القاهرة، فكانت الفيوم على رأس محافظات الصعيد، أو هي أولى محاظات الوجه القبلي التي عرفت فن المسرح، وارتبط به كثير من جمهورها.

وقد عرفت الفيوم الفن المسرحي من خلال عنصرين كبيرين في هذا الفن، أولهما هو العرض المسرحي، وثانيهما هو التأليف المسرحي، فكان العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890ــ 1900) موعدًا لمعرفة الفيوميين بفن المسرح، وتاريخًا لتأصيل هذا الفن في المجتمع الفيومي.

1ــ العروض المسرحية (المسرح في مصر)

  • فرقة أبي خليل القباني

 وفدت هذه الفرقة إلى مصر في 23 يونيو 1884 قالت عنها حينئذ جريدة الأهرام، قدم إلى ثغرنا من القطر السوري جوق من الممثلين للروايات العربية، يدير أعماله حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني الدمشقي الكاتب المشهور والشاعر المفلق. وقد التزم العمل في قهوة الدانوب التي بجانب قهوة سليمان بك رحمي، والجوق مؤلف من مهرة الممثلين في ضروب التمثيل وأساليبه وبينهم زمرة من المنشدين والمطربين تروق لسماعهم الآذان، وأول رواية سيمثلها (أنس الجليس)

وفي عام 1890 بدأت الفرقة تتجه بالنظر إلى تقديم بعض عروضها في الأقاليم المصرية، فضمت إلى أعضائها الممثلتين الشقيقتين مريم ولبيبة سماط، حيث  مثلت  الفرقة بعض عروضها في إقليم المنيا، ثم اتجهت إلى الفيوم، فمثلت بها عدة روايات، منها مسرحية(عنترة) في 4 يونيو 1890م([1]) ثم مسرحية( ولادة بنت المستكفي) في اليوم التالي([2]).

  • جوق السرور

 أسست جمعية السرور الخيرية جوقًا مسرحيًا، بدأ يجوب الأقاليم المصرية، ويقدم  فيها عروضه المسرحية، بدأت عروض جوق السرور بأبي تيج في أسيوط، ثم طنطا، ثم الفيوم التي عرض الجوق فيها مسرحية(عايدة) في 23 مارس 1892م بطولة الممثل محمود رحمي، والممثلة لطيفة([3])، ثم مسرحية (المعتمد بن عباد) في 26 أبريل 1892([4])ثم عاد الجوق في جولة إقليمية أخرى إلى زيارة إقليم الفيوم، وقدم حينئذٍ مسرحية(عنترة) ومسرحية(يوسف الصديق) ومسرحية( نابليون بونابرت)([5]).

  • فرقة اسكندر فرح

 ظهرت فرقة اسكندر فرح كفرقة مسرحية مستقلة بعد انفصالها عن فرقة أبي خليل القباني، واتخذت الفرقة من مقرات الجمعيات الخيرية  سبيلا لعرض مسرحياتها، وكان الشيخ سلامة حجازي والممثلة ميليا أهم أعضاء هذه الفرقة، وتعد مسرحية(البرج الهائل) أحد أهم المسرحيات التي قدمتها فرقة اسكندر فرح، وكانت الفرقة قدمتها على مسرح جمعية منتزه النفوس الخيرية الأدبية، وذكرت جريدة مصر في عددها 22 مايو 1898 أن هذه المسرحية حضر تمثيلها كثيرون من الأدباء والفضلاء يتقدمهم أصحاب السعادة مدير الفيوم، وباسيلي بك تادرس ومجدي بك القاضيان بمحكمة الاستئناف، وأحسن رجال الجوق التمثيل، وخصوصًا حضرة الممثل البارع الشيخ سلامة حجازي، والست ميليا، فإنهما أطربَا وأعجبَا حتى صفَّق لهم الحاضرون مرارًا، وخرجوا مسرورين شاكرين.

بماذا عُرفت الفيوم في فترة التسعينات؟

من الواضح أن الفيوم عرفت في هذه الفترة فن المسرحيات التاريخية على وجه التحديد،وذلك واضح من أسماء المسرحيات، إذ تشير أكثر الأخبار الصحفية عن هذه الفترة إلى أن المسرحيات التي قدمت للجمهور الفيومي هي (عايدة) و( عنترة) و(المعتمد بن عباد) و( ولادة بنت المستكفي) و(نابليون بونابرت) لقد كان الموضوع التاريخي حاضرًا عند جمهور المسرح في الفيوم .

كما يتضح من هذا العرض السابق أن الفيوم عرفت العروض المسرحية منذ أواخر القرن التاسع عشر، وأنه طوال عقد كامل ظلت تتردد على الفيوم كثير من الفرق المسرحية، ولعل هذه الفرق وجدت في المواطن الفيومي نموذجًا مثاليًا لجمهور المسرح، وبخاصة أن أكثر هذه الفرق كانت تقدم عروضها في القاهرة والإسكندرية فقط، ثم انتقلت بعد مدة إلى الأقاليم، تختار من مدنها ما تثق في ذوق جمهورها، وتتوقع حسن استقباله للعروض المسرحية>

هل كان الجمهور في الفيوم يستجيب للعروض المسرحية؟

ويبدو أن الجمهور في الفيوم كانت يستجيب للعروض المسرحية استجابة واضحة، وخير مثال على ذلك تفاعله مع عروض جوق السرور، حيث يقول د.سيد علي إسماعيل: وكان مدير هذا الجوق  ميخائيل جرجس يتنقل به في أقاليم مصر، حيث يُقيم شادرًا  يشبه خيمة السيرك في أي مكان فسيح، وفيه تُقيم الفرقة عروضها المسرحية، و الغريب أن هذا الجوق استطاع تمثيل مسرحية (عايدة) في مدينة الفيوم يوم 20/3/1892، والأغرب أن جريدة (السرور) أشادت بالعرض قائلة: ” قدم إلينا جوق جمعية السرور بإدارة حضرة الأديب ميخائيل أفندي جرجس فمثل بيننا عدة روايات أدبية أشهرها رواية (عائدة). وقد مثلها أمس بحضور كثيرين فأجاد الممثلون والممثلات بأدوارهم من حسن الإلقاء وبراعة التمثيل سيما حضرة محمود أفندي رحمي ممثل دور رداميس رئيس الكهنة وحضرة الخاتون الفاضلة لطيفة ممثلة دور عائدة مما اضطر الحاضرون لاستعادة عدة أدوار مهمة يتخللها تصفيق الاستحسان”.

اعتدنا أن نجد الجمهور في السيرة الهلالية يصفقوق، ويستعيدون ما يسترعي انتباهم من جمال الرواية وإبداع الراوي، وللهلالية تراث عريق في الوجدان والأذهان، أما أن نجد هذا حال الجمهور في الفيوم نهاية القرن التاسع عشر مع فن المسرح فهو أمر يستحق التوقف عنده طويلا للاستدلال به على الذوق الفني الرائق عند جمهور هذا الإقليم الفريد.

2ــ التأليف المسرحي 

على أن النقطة المضيئة في صفحة المسرح في الفيوم في نهايات القرن التاسع عشر هي التأليف المسرحي، فبينما كان هذا الفن  لايزال جديدا على المجتمع المصري، لم ترسخ بعد تقاليده وأعرافه، إذا بشابٍ من الفيوم، هو نابغة الفيوم إبراهيم أفندي رمزي(1867ــــ 1924) يسرع في تأليف مسرحية نثرية، وينشرها سنة 1892 لتكون من أوائل المسرحيات العربية.

ألف إبراهيم أفندي رمزي الأرضرومللي رواية تمثيلية عنوانها(المعتمد بن عباد) سنة 1892م عن ملوك الطوائف في الأندلس،ويرى بعض الباحثين أن إبراهيم رمزي كتب هذه الرواية التمثيلية بتوجيه من الشيخ محمد عبده([6])

وفي كتابه تاريخ المسرح عبرالعصور يقول مجيد صالح بك عن مسرحية المعتمد بن عباد:” هذه المسرحية من أقدم المسرحيات العربية في مصر، كتبها إبراهيم رمزي سنة 1892م، وتناول فيها طرفًا من تاريخ ملوك الطوائف في الأندلس، وكان محورها حياة الملك المعتمد بن عباد الذي بلغ من العز والمنعة ما بلغ،ثم تصالحت عليه المصائب والأهوال، وقد عمد إبراهيم رمزي إلى كتاب(نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب) تأليف المقري، ليلمَّ بتاريخ المعتمد بن عباد، ومأساة العرب في الأندلس، وأخذ من هذا التاريخ عدة أحداث كبرى جمعها في مسرحيته دون أن ينحى عنها ما لا يفيده، ودون أن يعرف كيف يبني مسرحيته، وكيف ينحي عنها الخلل والتفكك في تناولها لثلاث حوادث كبرى رئيسية)([7])

ونشرت جريدة المقتطف قائلة: نسج برد هذه الرواية ونظم عقدها جناب الذكي الأديب إبراهيم أفندي رمزي، وأهداها إلى ذوي الآداب وأولي الألباب، وجعل مدارها على ما وقع للمعتمد بن عباد من النعيم والبؤس، والتزم السجع في نثرها والأوزان المعهودة في نثرها، وأورد كل ذلك بعبارة رقيقة منسجمة تشهد له بحسن الإنشاء، وإذا تمكن الذين يمثلون هذه الرواية من تمثيل قصور العرب في أسبانيا وأزياءهم وأسلحتهم وحروبهم كما كانت في عهد المعتمد  تكون الرواية قد جمعت بين الفائدة التاريخية والعبرة الأدبية([8]).

أما جريدة اللطائف  فكتبت تقول عنها: ألف هذه الرواية على نسق جميل ودبجها بالأشعار والنثر المسجع حضرة الأديب اللبيب إبراهيم أفندي رمزي وطبعها في مطبعة المقتطف،فجاءت على غاية الإتقان وحسن الرونق،وهي رواية تمثيلية ذات فصول أربعة([9])وإذا كانت رائعة إبراهيم رمزي مسرحية(المعتمد بن عباد) التي صدرت سنة 1892 تعد من أوائل المسرحيات العربية المؤلفة، فإنها في الحقيقة أول مؤلفات إبراهيم رمزي على الإطلاق، ولم ينشر قبلها إلا بضعة أبيات من الشعر يوم استقبال الخديوي عباس حلمي الثاني في الوجه القبلي،ولما  لم يجد  رمزي مطبعة آنذاك تطبع مسرحيته في الفيوم، فإنه قد اتجه إلى مطبعة جريدة المقتطف في القاهرة ليطبعها، و كان إبراهيم رمزي حينئذ أحد متابعيها، قبل أن ينشئ أول مطبعة في الفيوم، تحت اسم مطبعة الفيوم سنة 1895.

أما السؤال الصاعد من بين الكلمات، فهو لماذا مسرحية(المعتمد بن عباد)؟ ولماذا في هذه الفترة 1892م الحقيقة أن إبراهيم رمزي كان قد شاهد عروض المسرح في الفيوم سنة 1890م من خلال فرقة أبي خليل القباني، ولمدة عامين كانت الفرقة  تعرض في الفيوم كثيرًا من المسرحيات مثل (عنترة) ومسرحية ( ولادة بنت المستكفي) فامتزج إعجابه بالفن المسرحي الجديد  بموهبة كتابة الشعر، فكان يحاكي في تأليفه ما يشاهده من العروض المسرحية، ومن ثمَّ صاغ مسرحيته     ( المعتمد بن عباد) بعد أن شاهد مسرحية( ولادة بنت المستكفي) و(عنترة)  فخرجت مسرحيته على نحو يشبه مسرحيات عصره، فيها ما كان في مسرحيات ذلك الوقت من مزايا وعيوب، وكانت محاكاته  خالصة لما شاهده من هذا  الفن العجيب في مدينة الفيوم.

المراجع 

[1] ـــ  جريدة المؤيد، عدد ١٥١، ٥ / ٦ / ١٨٩٠

[2] ــ  جريدة المؤيد، عدد ١٥٣، ٨ / ٦ / ١٨٩٠

[3] ــ   جريدة السرور، عدد ١٢، ٢٤ / ٣ / ١٨٩٢.

[4] ـــ جريدة الرأي العام، ٢١ / ٦ / ١٨٩٣، ص٧٦

[5] ـــ جريدة الأخبار، عدد ٢١٣، ٢٩ / ٤ / ١٨٩٧، ص٢

[6] ـــ جريدة البيان: قراءة في كتاب القصة التاريخية الإسلامية في مصر، الإمارات، 22 أكتوبر 2006م

[7] ـــ مجيد صالح بك: تاريخ المسرح عبرالعصور،الدار الثقافية للنشر،القاهرة،الطبعة الأولى 2002 صــ 121 صــ 122

[8]ـــ جريدة المقتطف، الجزء السابع، السنة السادسة عشرة، عدد 1 أبريل 1892م

[9]ـــ جريدة اللطائف، الجزء الأول، 1892م

فيديو مقال المسرح في الفيوم في نهايات القرن التاسع عشر (1890ــ 1900)

أضف تعليقك هنا