ببوشة المزاودي – #تونس

كان ببوشة المزاودي يجيد الكلام الذي يقال والكلام الذي لا يقال، ويدرس بمدرسة البيقا، بباب سويقة، وفجأة تحولت حياته إلى جحيم، فزوجته كعيكعة أوأو لا حول لها ولا قوة، نسبة الإبصار صفر فاصل خمسة على عشرة، بينما عينها الأخرى فقدتها إثر عملية جراحية فاشلة على يد الدكتور المزعوم فليس، حيث قبض الأموال بدون أن يعطي الإضافة بل بالعكس أفقد أوأو كعيكة بصرها وإلى الأبد.

حياة ” ببوشة المزاودي ” المليئة بالتعاسة والهموم

كان ببوشة المزاودي يدرس بالمدرسة، وهو دوما يركض على دراجته الزرقاء المتفحمة والمليئة بالكيروزين الملوث، ويعاني من صعوبات في تغيير الشمعة، روائح متعفنة تنبعث من بيوت الراحة التي تأتي تحت الطابق الأول أين يقطن ببوشة المزاودي مع زوجته كعيكعة أوأو وابنه البكر شيباني بن دهماك، الذي أيضا على منوال أمّه يعاني نقصا فادحا في البصر رغم جسده المتناسق والرشيق، حيث يلقبه أبوه ببوشة المزاودي بعود الزان رغم الكنية الجارحة التي يكنها لها “المعاك” ويعني بها أن ابنه يتيع أي شيء يأتي أمامه سواء كان جيدا أو سلبيا.

ومع ذلك تستمر الحياة في مدرسة البيقا، بولادة ابنه الثاني، برجلية ، الذي لاحظ أشياء لم يفهمها في الأول ، بداية من تلك الدراجة البرتقالية التي ورثها عن أخيه شيبانبي بن دهماك، والذي انسحب لقراءة الالغاز البوليسية ولعبة الشطرنج، وغيرها من الهويات المعروضة في دور الثقافة.

بداية توتر العلاقة بين ” ببوشة المزاودي ” وابنه البكر

بدأت العلاقة تتوتر شيئا فشيئا بين ببوشة المزاودي والشبياني بن دهماك، بسبب عودة الأول لزواج ثاني من أوأو كعيكة، رفضه الشيباني بن دهماك، بسبب سوء المعاملة الكارثية التي يعامل بها ببوشة المزاودي ابنه البكر، ولسبب ثاني، هو زواجه من إمرأة ثانية انتهت بطلاق وانجاب لابنين، وهكذاأصبح للشبباني بن دهماك، نصف أخوين من الأب وأخ جديد من زواج ثاني من الأب والأم.

لكن في الأثناء الجراح لم تندمل، فذات ليلة من ليالي الشتاء الباردة، تاخر الشيباني بن دهماك بسبب مبارات شطرنج مع صديقة حافظ، إلى ساعة متأخرة ،كان الليل يذيب القلوب، وظلام رهيب يكوي الأنفس، عندما انهال على ابنه بعصا “الكلخ التي كان يقتلعها من غابة شاطئ قمرت العليا، وفجأة احتمى البكر الشيباي بن دهماك تحت السرير ليصطدم رأسه من صدمته من الطريقة العنيفة والنفسية المريضة التي واجهه بها أبوه لتنتهي الحرب بغرز في الرأس ودماء غزيرة مبعثرة على الفراش هنا وهناك.

ابن ” ببوشة المزاودي ” الأصغر ومشاهدته لأحداث الخميس الأسود

هنا أحس الطفل الصغير برجلية بأن مأساة بدأت تتشكل أطرافها شيئا فشيئا قليلا قليلا،وفجأة في الليلة القادمة، خرج برجلية ليتعرف على شارع علي البلهوان ليكتشف مأساة جديدة إنّها أحداث الخميس الأسود، بلور مكسور ومغازة محترقة، وطائرة مروحية تحلق فوق قلعة باب سويقة، إنّها إضطرابات الشارع التي تحولت بمفعول غلاء المعيشة إلى أحداث عنف دامية، لكن برجلية فرفر، لم يفهم شيئا من هذه الأحداث الأليمة عندما كان عمره ثلاثة سنوات وقليل، وكأنّه في الحقيقة يشاهد مشاهد في السينما أو على ركح المسرح.

بقلم: هاني القادري

أضف تعليقك هنا