نحو تطوير التعليم الشرعي بنيجيريا “جهود الأستاذ عبد القادر زبير”

فلقد بعثني إلى نشر هذه المقالة انفعالي بجهود رواد دراسات الشريعة و-  التعليم الشرعي – في جامعات نيجيريا بعقد مؤتمر شرعي دولي تشريفا لذلك البطل الشرعي الأستاذ الدكتور عبد القادر زبير الذي حصل تقاعده في جامعة إلورن قريبا، تقديرا لخدماته الغالية وإنجازاته الصافية بخصوص الدراسات الشرعية في نيجيريا، دعا إلى ذلك التجمع التشريفي مضيفو المؤتمر وهم هيئة المحاضرين والإداريين بقسم الشريعة بالجامعة التي تقاعد بها الأستاذ.

تعريف وجيز بالأستاذ “عبد القادر زبير” أحد رواد التعليم الشرعي

ولد الأستاذ الدكتور زبير بنيجيريا في الخمسينات بمدينة إبادن، كان والده السيد عبد القادر أكنوالي – إمام حي أبيدي أدودو بإبادن – وأمه السيدة خديجة بنت يوسف. أخذ مبادئ علومه في المعهد العربي النيجيري بإبادن فأتم المستوى الإعدادية بها خلال الفترة ما بين 1964م و1967م، ثم التحق بالمعهد الثانوي التابع للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1969م فحصل على الشهادة الثانوية به عام 1972م. واصل مصيره التعليمي مباشرة في الجامعة بالمدينة المنورة إلى أن تخرّج بها حاصلا على درجة البكاليوروس عام 1976م. في عام 1977م انتقل هذا الأستاذ إلى مصر العربية ليواصل تجواله العلمي بالجامعة الأميريكية بها حيث حصل على درجة ماجستير عام 1979م قبل رجوعه إلى نيجيريا عاملا في جامعة بايرو بكانو.

لنشر ما قد حوى من العلوم النافعة بين بني جنسه، وخلال مدة عمل في جامعة بايرو حصل على درجة الدكتوراه بها عام 1987م، وكذلك شهادة الدبلوم في الهندسة الحاسوبية.[3] لم يزل هذا الأستاذ على نشاطاته العلمية وإسهاماته النافعة في المجال الشرعي بالتعليم والتصنيف واالتعليم والتنظيم إلى أن نال مرتبة بروفيسور في الشريعة في جامعة إلورن في شهر يوليو عام 1999م، أكسبه هذا الأمر مكانة عظيمة في العالم بما أنه أول من يحمل لقب الأساتذية في الشريعة في غرب أفريقيا.[4]

إسهامات الأستاذ “عبد القادر زبير” الفذة الأكاديمية في التعليم الشرعي 

لهذا الأستاذ كغيره من أساتذة الشريعة بنيجيريا إسهامات عدة في المجال الأكاديمي والإداري، عمل محاضرا في جامعة بايرو من سنة 1979م إلى سنة 1998م، وكذلك في جامعة عثمان بن فوديو من سنة 1994م إلى سنة 1995م خلال إجازة ساباتيكال ممنوحة له من جامعة بايرو. ثم واصل حركاته المهنية في جامعة إلورن من عام 1997م إلى عام 2020م. خلال ذلك أيضا منحه جامعة إلورن إجازة ساباتيكال ليعمل في جامعة ولاية لاجوس وذلك في الفترة ما بين سنة 2008م إلى سنة 2009م.[5]

تولى الأستاذ خلال عهده بالجامعات المذكورة تدريس جل المواد المقررة في قسم الشريعة بنيجيريا من آيات وأحاديث الأحكام وفقه المعاملات وفقه الأسرة وفقه الجنايات والعقوبات ونظام القضاء وفقه المغازي والسير والفقه المعاصر وأصول الفقه وحقوق الإنسان ونحوها. فكان له يد طولى في تخريج ما لا يعد من طلاب الشريعة في جميع المراحل الجامعية حتى الدكتوراه.

له ما لا يقل عن خمسة عشر من المؤلفات المقررة لطلاب الشريعة بنيجيريا، يتجلى المواد التي لها نصيب من هذه المؤلفات في أصول الفقه وفقه العقوبات وفقه الأسرة وفقه المعاملات وآيات وأحاديث الأحكام وققه المواريث ونظام القضاء، وكلها نالت قيمة عظيمة عند الأكاديميين الشرعيين النيجيرييين في الأمس واليوم. وله أيضا ما لا يقل عن خمسين من مقالات تم نشر بعضها في عدة من المجلات المعتمدة والكتب المتنوعة وبعضها ألقيت في نواد مختلفة ومؤتمرات شتى. [6]

تعرّض الأستاذ خلال خدماته العلمية والإنسانية لتجاربَ إداريةٍ فائقةٍ في الجامعات التي عمل بها بما تولى مناصب إدارية في جميعها من عضو مشيخة الجامعة وعميد كلية القانون ونائب العميد ومساعد العميد ومن رئيس قسم الشريعة. تولى أيضا رئاسة كثير من اللجان المكونة لمهمات مختلفة مثل اعتماد كليات ومعاهدَ قانونيةٍ عالية وترشيح المستحق للترقية وتأسيس بعض الجامعات وتمويل البحوث وتخطيط المناهج والمقررات ورعاية قسم الدارسات العليا وغيرها مما لا يسعني ذكره في هذه العجالة.

أخذ عنه عدد لا يستهان به ممن أصبحوا اليوم عماد الشريعة في نيجيريا، منهم قضاة في محاكم الشريعة وغيرها مثل معالي  القاضي إبراهيم أحمد في المحكمة الشرعية الاستئنافية في كادونا والقاضي عبد اللطيف كمال الدين في المحكمة الشرعية الاستئنافية بإلورن ومنهم برافيس ودكاتر في الجامعات مثل بروفيسور عبد القادر إبراهيم أبيكن والدكتور توفيق عبد الرحيم في جامعة إلورن.[7]

أبرز خدمات الأستاذ “عبد القادر الزبير” للدراسات الشرعية و التعليم الشرعي

يمكن تصوير أبرز خدمات أستاذنا زبير للدراسات الشرعية بنيجيريا في نظري من جانبين، لتميزه وتفرده بهما بين سائر أقرانه:

  • أحدهما خبرته الطولى في المهنة الأكاديمية الشرعية وبصيرته التامة عن وضع التعليم الشرعي في نيجيريا بالماضي والحاضر.
  • والجانب الآخر ينصب في أوليته في حمل لقب بروفيسور من أساتذة الشريعة في غرب أفريقيا. عليهما مدار كلامي تحت هذا المبحث.

لا أنكر وجود تعليم الشريعة في بعض جامعات نيجيريا قبل انضمام أستاذنا إلى الأكاديميين بنيجيريا في 1979م؛ فقد كان ذلك بلا أدنى ريب. تـم إنشاء قسم الشريعة في جامعة أحمد بللو بزاريا سنة 1975م، ويليه أيضا إنشاء قسم الشريعة بجامعة بيورو سنة 1978م، غير أن بهما محاضرين أجنبيين من من خارج غرب إفريقيا من مصر والسودان وغيرهما. لم يزل كلية الشريعة بهاتين الجامعتين تعاني من بعض المشاكل المتأتي من عدم إقـناع غير المنتخصصين من أساتذة القانون بأن مواد الشريعة صالحة للتداول في كلية القانون لزعمهم أنها مواد دينية لا قانونية. لكن بجهود الأستاذ وسائر المحاضرين بأقسام الشريعة حينذك، أصبح كل من أولئك المنكرين مقنعين في دعوى المتخصصين بقانونية الشريعة، جهودهم في تطوير منهج التعليم الشرعي ووضع المقررات الإنجليزية للمواد الشرعية ونحو ذلك.[8]

ومما يوضّح ذلك ما يعتاد الأستاذ ذكره أنه لما استأنف كلية القانون بجامعة بييرو في عام 1979م تحت عمادة الدكتور محمد عطاء من السودان وتم مشروع إدراج بعض المواد الشرعية بين المواد المتداولة بكلية القانون في الجامعة، تعرّض هذا المشروع لاعتراضات من سائر محاضري الكلية غير المتخصصين – المسلمين وغير المسلمين منهم على السواء – لفهمهم الخاطئ عن طبيعة الشريعة ومدى صحة اعتبارها نظيرا للقانون العام ولشكهم أصلا في قانونيتها.

لكن الأستاذ ثبت على الحق حتى أقنع المعارضين بمكانة الشريعة السامية في القضاء والحكم، وأظهر لهم نظائر جل مواد القانون العام من مجالات الفقه الإسلامي لتكون مقررة في الكلية كما هو الحال في مواد القانون العام. تــم أخيرا تكوين منهج الكلية من مواد القانون العام والشرعي معا الأمر الذي دفع الأستاذ وشركاءه في العمل إلى التكفل بتزويد المقررات والكتب للمواد الشرعية؛ إذ أن الكتب الشرعية الإنجليزية غير متوفرة حينذاك. أضف إلى ذلك أن الأستاذ بدأ العمل في قسم الشريعة عام 1980م.[9]

فبفضل الله، تعددت بعدُ جامعات ذوات أقسام الشريعة تحت كليات القانون بنيجيريا إضافة إلى الجامعتين السالف ذكرهما، منها جامعة إلورن في كواره وجامعة عثمان بن فوديو في ولاية سوكوتو وجامعة ميدوغري في ولاية بورونو وجامعة ولاية كواراه وجامعة ولاية كوغي وجامعة ولاية لاغوس وجامعة كاستينا وجامعة الحكمة في ولاية كواراه ونحوها.[10]

ثم إن الأستاذ قام بمثابة مرآة صافية ومرشد عام لجميع أساتذة الشريعة في غرب إفريقيا. تتجلى هذه الحقيقة في كونه أول من حمل لقب الأستاذية بين أساتذة الشريعة في غرب إفريقيا بتعيين من جامعة إلورن عام 1999م. ولا يعني هذا أنه أول مدرس الشريعة في جامعات نيجيريا فقد وجد من سبقوه في ذلك لكن جميعهم وافدون من دول أخرى خارج غرب إفريقيا مثل السودان ومصر ونحوهما ولم يوجد منهم من استقر بنيجيريا إلى أوان يستحق فيه الأستاذية.

وقد يقال علام يستحق الأستاذية قبل غيره من أساتذة الشريعة بجامعة إلورن مع وجود شركاء له في العمل؟ ويجاب عن هذا أيضا أنه بدأ العمل في جامعة  إلورن عام 1997م وهو حينذاك في مستوى الأستاذ المساعد بل منذ عام 1992م وأنه أيضا بمثابة الحجر الأساسي للدراسات الشرعية و التعليم الشرعي في كلية القانون بجامعة إلورن.

تقاعد الشيخ عن العمل الحكومي بجامعة إلورن في شهر يناير من عام 2020م. ولا يعني هذا هلاك قواه العاملة ولا نفاد موارده البشرية ولا زوال كفاءته التعليمية؛ إنما ذلك تحقيقا لنظام نيجيريا في حق كل من بلغ سبعين عاما من المحاضرين. ويكفي دلالة على ذلك عقده الجديد مع جامعة أهلية بإلورن فهي جامعة الحكمة مباشرة أن تقاعد في جامعة إلورن. أرجو من الله أن يطول عمره خدمة للعلم والدين معاً. (شاهد المزيد من المقالات التي تتعلق بمواضيع الإسلام في قسم إسلام )

ختاما

وختاما لهذا الجهد المقل، قلت هذه الأبيات المتواضعة تهنئة له على تقاعده عن العمل الحكمي الذي كان بعد إنجازات متعددة:

يا أســـــــــوتي يا زبير الفقه في عـــــــــــصري          حـــــــــــــــــــــيّاك ربك في الآصال والبُكر

يا مــــــــــــــن يناقشني في فضله جــــــــهلا           فاسمع لـــــــه إنّه كالبحر في الفضل

هـــــــــــــــــــــو الجهاد به كانت شــــــريعتنا            في الجامعات مــــجال الفوز في قــــــطري

وهـــــــــــو البطولة يا من خاض في غُــــــمُر            بـــــــــلا مــــــــــــخافة لوم من أولي الغِمْر

هـــــــــــــــــو الصفاء لذا ما كان من جهـــده             لوجه ربي لــــــــــــــــــــــــــــهذا فاز بالنصر

وكم وكم فاز علم الشرع مــــــــــــــن حبركْ             بــــــــــــــما يعرّفه للناس للـــــــــــــــنشر

بـــــــــه لقد ذدته إذ أنت جُــــــــــــــــــــنَّته             مـــــــــــــــــــن المساوي لأهل المكر والنكر

ثبتّ حــــــــــــــتى غدى من كان يبغض ما              بالشرع مـــــــــــن جـــــــــــوهر ينقاد باليسر

يا مـــــن يــــــــباري زبيراً في فضائلـــــــه               ألا جـــــــــــــــــــــــرؤت على صدم مع الصخر

زبيــــــــــــــــــــرنا لا يـــجارى في فضائله              أرى زبــــــــــــيرا ســــــــماء الفضل في فكري

لــــــــــــه بـــــــــــإفريقيا الغربي سؤدده              مما بــــرافيــــــــــــــس علم الشـــــــرع بالبِكر

إلى زبــــــــير التهاني إذ تـــــــــــــقاعده              تـــــــــــــــــــــــقاعد بعد إنــــــــــجازات كالبحر

تقاعـــــــــــــــد بعد أن أخلفت في شرع             رجــــــــــــاله من تلاميذ أولي الــــــــــــــــــحجر

تقاعـــــــــــــــد بعد أن أخلفت مكتبة             ذات الكثافـــــــــة بالأقلام كالبـــــــــــــــــــــــــــذر

تقاعد بعد تعزيــــز بــــــــــــــــــــلا وهن             بالجامعات جـــــــــــــــــذور الشــــــــــــرع بالظفر

زبــــــــــــير فانظر إلى الأخيار قد جمعوا             لـــــــــــــذكر جــــــهدك للعرفان والشــــــــكــــــر

لــــــــــــذكر جهدك في تحليل موقفهم             على قضايا بعلم مـــــــــــن أولي الأمـــــــــــــــــر

فـــــــــــــــحق ذكرهم إذ أنت مِنظرهم             في جـــــــــــملة مــــــــــــن قـــــضايا أنت كالبدر

دامت ســــــــــــماءك ذات الرفع قائدنا             بفضل ربي تـــعافى من وبــــــــــــــــــــــــــا الدهر

فهرس الكلمات

[1] Towards The Development of Shari’ah Education in Nigeria: Prof. Abdulqadri Zubair Efforts.

[2] Habeebulah Olawale Alawiye (Aljumhoory).

[3]  نملاس: مجلة المصلحة، العدد 8، ط 2017/2018م، ص 7.

[4] Idris Alao, The Nigeria Usulist: A Review Of Abdul Qadir Zubair’s Exploits In Usul Al-Fidh In “Al-Maslaha Journal”, (Ilorin, Namlas, 2018), Vol 8, P 20.

[5]  المقابلة الشخصية التي أجراها الكاتب مع الأستاذ الدكتور عبد القادر زبير في يناير عام 2020م.

[6] Idris Alao, Ibid, P19.

[7]  المقابلة الشخصية التي أجراها الكاتب مع الأستاذ الدكتور عبد القادر زبير في يناير عام 2020م.

[8] Abdulqadir Zubair, Shari`Ah In Our Citadels Of Learning  (The Sixty-Sixth University Inaugural Lecture, University Of Ilorin, Ilorin, March, 2003), P 19.

[9] Abdulqadir Zubair, Ibid, P 19P 2-3.

ألاويي حبيب الله أولاوالي: دور اللغة العربية في تعليم وتعلم العلوم الشرعية بجامعات نيجيريا، (بحث مقدم في المؤتمر الدولي لقسم الشريعة  بجامعة إلورن لعام 2018م)، ص28.

[10]  المرجع نفسه، ص25.

فيديو مقال نحو تطوير التعليم الشرعي بنيجيريا “جهود الأستاذ عبد القادر زبير”

أضف تعليقك هنا