coronavirus فيروس كورونا من البحث العلمي إلى تداولية التواصل الاجتماعي إلى فهم الصراع السياسي

كورونا أصبح الموضوع الأكثر تداولا من خلال تفسيرات و تصورات اجتماعية وعلمية وسياسية حول مفهوم مصطلح كورونا

أصبح لفظ كورونا (coronavirus) واحدا من المصطلحات الأكثر انتشارا في تداولية المنحى العلميّ، والاجتماعيّ، والسياسيّ في القرن الحادي والعشرين، بل يكاد يكون هو المصطلح الأوفر نصيبًا في عمليّات البحث العلميّ والسّرد الإنسانيّ في العام 2020، حتى صار غنيّا عن التعريف بحيث لا يحتاج إلى تتبع ماهيّته في قاموس المعارف، أو البحث عن معناه في منحىً معجميّ، أو حتى في محرك البحث جوجل Google، فمحطات التواصل الاجتماعيّ وقنوات الإعلام لم تفتأ من أنْ تبثّ أخبارًا تعرّف بـ”كورونا”، فالجميع يعرف أنّ “كورونا” “فيروس يستلذّ برمي أجساد البشر جثثًا دون رحمة”، وهذا هو الفهم الأوحد المتاح للبشريّة على أوسع نطاق في المنهج التداوليّ”، ومع ضبابيّة الفهم الاجتماعيّ إلا أنّ العلاقة بين المصطلح والمفهوم باتت ركيكة على نحوٍ يصحّ معه أن نقول بأنّ المجتمع العالميّ لم يعد بمقدوره أن يقدم نفسه ضحية تصوّراتٍ وهميّة لمحللين وهميين أو افتراضيين (بالمفهوم المعرفيّ لمصطلح افتراض)؛ حتى تفسيرات الباحثين المختصين صارت رديفا فكريًّا لمنهج التكهنات المقيت أو منهج التوقعات الساذجة؛ ومهما يكن فإنّ الحقيقة المثلى ما تزال غامضة بالفعل، فالأسئلة المطروحة لم تحظ بإجابات معرفيّة واضحة، ويبدو أن المشهد العام للبحث في مفهوم مصطلح كورونا فإنّه يدور في تصوّرات ثلاث تتصارع في السيطرة على الموقف: تصورات اجتماعية، وعلميّة، وسياسية. ( تصورات اجتماعية وعلمية وسياسية حول مفهوم مصطلح كورونا )

تفسيرات و تصورات اجتماعية وعلمية وسياسية حول مفهوم مصطلح كورونا

التفسير الاجتماعي

فالتصور الاجتماعيّ هو تفسير افتراضيّ، إذ إنّ الوسط الأعظم من البشرية يعرف خطر “كورونا” فقط دون أن يعرف أية توصيفات علمية أو سياسية حوله، وهذا ما أتيح لنا فهمه حول ماهيّة “كورونا” حتى اللحظة، وهذا الفهم يشكّل خطرًا صُرَاحًا إنْ لم نتمكن نحن -كمرجعيّة اجتماعيّة- من فهم حقيقة الفيروس ووظيفته، أو على الأقل فهم الوظيفة التي أنيطت به، إذ إنّ فهم فسيولوجيّة الفيروس ووظيفته داخل الجسد وخارجه تتيح لنا أنْ نعرف على الأقل خطّ مسيرنا نحو العبودية التكنولوجية المعاصرة[1]، ونعتقد أنّه أصبح من حقّ البشريّة أنْ تعرف خارطة الطريق التي تقودنا إلى ساحة المذبح، ومن حقنا أنْ نعرف ولو مرة واحدة عن النتائج المعدّة مسبقًا للكوارث الكونيّة الكبيرة؛ وبين جهالة التكهّن الاجتماعيّ الرّاهن ومرارة التّوقع يظلّ فيروس كورونا محتفظًا بسمته البارزة من كونه عدوًا شرسًا مستجدًّا يعصف بالبشر.

التفسير العلمي

أما التفسيرات العلميّة فهي التي تسعى جاهدة إلى تتبع منهج منطقيّ في فهم جينات الفيروس ووظيفته داخل الخليّة في الجسد البشريّ، ومن وجهة نظر الاتجاه العلميّ الصّارم فإنّ فيروس “كورونا” ما يزال يضع عراقيل وصعوبات كبيرة أمام محاولات تحديد خصائصه الفسيولوجية physiological components أو تتبع التغييرات الفسيولوجية الجينية التي تطرأ على الفيروس بين فترة وأخرى[2]، وهذا يجعل التصورات العلميّة والبحوث الطبيّة عاجزة بالفعل عن تقديم فهم واضح يكشف ماهيّة فيروس كورونا، فكورونا لا يعني فقط “فيروس” بالمعنى العلميّ لكلمة “فيروس”، بل يقصد به “فيروس متغيّر جينيًا” أي أنّه فيروس لا يمكن للبحث العلميّ حتى اللحظة إيقاف هجومه الشرس، أو حتى محاولة الوصول معه إلى تصالح إنسانيّ مؤقت، فهو فيروسٌ يعدو على البشر دون غيرهم من الكائنات الحيّة، وهو ما وضع البحث العلميّ أمام تحدٍ كبيرٍ في الوصول إلى لقاح أو علاج، فالنتائج المبشرة لأيّة طفرة جينيّة ثابتة تحتاج أشهر أو سنوات عدّة، لكنّ الفيروس لا يأبه بجهود العلماء المضنية حول فهم شيفرته الجينية، فهو يخلع ثوبا سياسيًا اقتصاديا علميا اجتماعيا كلّ مساء، لذا فإنّ البحث العلميّ يصارع في اتجاهين:

  • الأول: الاعتذار العلميّ للإنسان بسبب أنّ جينات الفيروس غير مستقرة، ممّا يمنح الفيروس حيّزًا أبديًّا في أوساطنا، ومع مرور الوقت تتغير نظرتنا السلبيًة تجاه الفيروس فتخفّ وطأتها ليصير الفيروس مخطئًا بحكم القدر، تمامًا كمن يموتون في الحروب، أو في كوارث الطبيعة.
  • والثاني: المواجهة العلميّة الصارمة في فهم الفيروس ووظيفته خارج الجسد البشري، وهو ما يجعل أولئك العلماء عرضة للموت الصامت المجهول، أي، أنّ كشف العلماء للوظيفة السياسيّة الاقتصادية للفيروس ستجعل الأسر الحاكمة (حاكمة العالم)[3] في مهبّ الريح، بل سيقوَض ذلك أحلامًا كبيرة في إرساء الحكم الإلهيّ البشريّ في الأرض[4]؛ وإذا أردنا أنْ نتكهن شيئًا قليلاً فإنّنا سنقول بأنّ المنهج العلميّ يتقاطع مع تصورات المنهج الاجتماعيّ في فهم فيروس “كورونا”، فالعلماء محتارون أمام شيفرة الفيروس الجينية المتغيرة، ويمكن أنْ نقول بأنّ المنهج العلميّ أصبح مغيّبًا أمام تطوّر التكنولوجيا السياسيّة الاقتصاديّة، أو أنّه بات مدينًا لها دون وعي مسبق، وهناك خطرٌ كبيرٌ يتمركز حول تكنجة الجينات (التكنولوجيا الحيوية)[5] أو تكنجة الخلايا الحيوية، أي أنّ التكنولوجيا المعاصرة أصبحت قادرة على التعامل مع الخلايا البشرية والجينات الفيروسية والبكتيرية.

من هذا التصور نستطيع أن نصنع مقاربة أخلاقية بين الفهم التداولي الاجتماعيّ والفهم العلميّ للمصطلح نفسه “كورونا”، فالنظام العلميّ المعقد والنظام الاجتماعيّ البسيط أصبحا فريستين في فكّ الإعصار الاقتصاديّ السياسيّ القادم، فالتساؤلات التي أشغلت النظام الاجتماعيّ مؤخرًا ركّزت على قضيّة واحدة مهمّة وهي: “أنّ كورونا مصنّع”، وهو ما أوجد قلقًا حقيقيًا في بعض الأوساط البشريّة، فالنّاس يتساءلون عمّا سيحصل لهم نتيجة المؤامرات هذه.

التفسير السياسي

وأخيرًا التفسيرات السياسيّة، وقد تكون هي الأشدّ خطورة في فهم فسيولوجيّة الفيروس ووظيفته، وهنا نريد مسبقًا أنْ نمايز بين قضيتين: الأولى علميّة تتعلق بفهم “جينية الفيروس” Viruses Genetics ووظيفته داخل الخلية في الجسد البشريّ، وهي التي يمنح السياسيون فيها وقتًا جيدًا للعلماء بأنْ يتحدثوا عن المكوّن الماديّ للفيروس، والثانية سياسيّة بحتة تتعلق بمعرفة “وظيفة الفيروس خارج الجسد” (= وظيفة اقتصادية أو سياسية)، أي تلك التأثيرات التي تسير في خطوط متعرجة جرّاء وجود الفيروس، فالسياسيون مهتمون جدًا بفهم ردة فعل الشعوب ومدى جدوى التخطيط البشريّ القادم، هذا إلى جانب اهتمامهم بأمانة العلماء وجرأتهم، ولقد أدرك السياسيون مؤخرًا تآلفية التكوين الاجتماعيّ للإنسان عبر العالم، إذ إنّ كثيرًا من الحوادث العالميّة (الحروب مثلا) كانت تشهد انتقادًا متماثلاً عند شعوب تتبنى معتقدات مختلفة، وعادات غير متقاطعة، فلم يعد الشعور العاطفيّ محصورًا في بوتقة بشريّة واحدة، حتى التباين اللغويّ لم يعد يشكل حواجز صمّاء في التكوين الإنسانيّ، فالعالم اليوم يسير نحو امتثال مفاهيم أخلاقية واحدة، ويسير أيضًا نحو التعبّد الإلهيّ الواحد، مع إيمان الفروقات الثقافيّة بوجود تمثيل سلوكيّ اجتماعيّ متمايز نوعًا ما بين مجتمع وآخر، وأظنّ أنّ الحروب الأخيرة التي يشهدها هذا الجيل مثل حروب النزاع الإنسانيّ في الشرق الأوسط كادت أنْ تقوّض كيانات سياسية عملاقة في أمريكيا، لقد أصبح للشعوب دورٌ عاطفيّ بارزٌ، لكنّ قبضة التحكم السياسيّ ما تزال أشدّ وطأة، ولعلّ هذه التصورات ليست جديدة وليست وليدة اليوم، بل هي صورة طبق الأصل للمنشأ الأول للإنسان، لكنّ النقطة الأكثر خطورة تكمن في الفجوة الكبيرة بين الإدارات السياسية والتحكم الأوحد في البشرية، وبكلمات “من الحاكم الإلهي الجديد في الأرض.

المراجع:

[1] https://alsaa.net/article-125099

[2] https://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-52568726

[3] الطاغية، دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي، إمام عبد الفتاح إمام، عالم المعرفة

[4] الدين والسلطة: قراءة معاصرة للحاكميّة

[5] تقنية النانو وهندسة الأنسجة حاملة الخلايا والأنسجة، تحرير كاتوتي لارنسين، ترجمة محمد فائز نادر الرز https://books.google.ae/books?id=FYWFDwAAQBAJ&pg=PT391&dq=النانو+والخلايا+البشرية&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwjA4fij0tvpAhUWAGMBHRGVBmkQ6AEIJjAA#v=onepage&q=النانو%20والخلايا%2

0البشرية&f=false

فيديو مقال coronavirus فيروس كورونا من البحث العلمي إلى تداولية التواصل الاجتماعي إلى فهم الصراع السياسي

أضف تعليقك هنا