إلى متى ستظل العلوم الإسلامية، تُغرّد خارج السرب؟

بقلم: الدكتور لخضر بن حمدي لزرق

يحتفل المتخصصون بالعلوم الإسلامية دائما وأبدا بقولهم: إن أفضل العلوم، وأشرفها؛ هي تلك العلوم التي تتعلق بفهم المقدس، وتحليله، واستخراج الفوائد والأحكام منه، وهو حق؛ قدر ما يمتثل ذلك التحليل، وتلك المناقشات، لضوابط الفهم الحقيقي، وأصول الاستنباط العلمي، فيا ترى ما هي الخطوط العريضة التي يجدر بكل باحث الإحاطة بها عند الممارسة والدرس؟ (العلوم الإسلامية). (اقرأ المزيد من المقالات من قسم إسلام).

لا نكاد نحصل على تواجد ما للعلوم الإسلامية داخل حياض العلوم الإنسانية والاجتماعية، إلا بقدر ما يمكننا رؤيته لدى استعراض تخصصات الجامعات الجزائرية المختلفة، خصوصا ما له علاقة بالكليات الإنسانية، لنجد قسما للعلوم الإسلامية، أو كلية لذلك، وهو في الحقيقة تواجد صوري، بدليل عدم خضوع التخصص المذكور لما يخضع له قسيمه.

ما هو الفرق بين العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية ؟

فمما هو معلوم لدى المهتمين بشأن العلوم الإنسانية؛ يعلم علم اليقين أنها علوم تخضع للتطور، ويعتريها التغيير في الأسلوب، والقواعد، والقوانين، كما هو الشأن في العلوم التجريبية، وهذا في الحقيقة هو الذي خولها لتكون علوما أقرب إلى الواقع، وأقدر على معالجة إشكاليات النفس الإنسانية، بكل تجلياتها، وعقدها، وتنوعاتها، ففي كل مرة يطل علينا المتخصصون في علوم النفس مثلا، أو علوم الاجتماع بنظريات جديدة، تارة تنقض القديمة، وأخرى تكمّلها وتزيد عليها، ذلك أنّ الشأن في هذا التخصص-العلوم الإنسانية- هو عدم الثبات، والتحول الدائم والمستمر، ولذلك هي تبع لما آلت إليه الآلة العلمية والتكنولوجية.

لماذا تغُرِّد العلوم الإسلامية خارج السرب؟

فهل يا ترى نجد انسجاما ما، مع هذا الواقع العلمي، لدى مدرسة العلوم الإسلامية؟ في الواقع: لا تزال العلوم الإسلامية تغرد خارج السرب، على اعتبار أن موضوعاتها لا يمكن أن تخضع للتطور، أو النقد، أو التغيير، ومن ثم فهي مدرسة مستقلة، الانضمام إلى مثل المدارس الإنسانية المختلفة، متعذر عليها، ويصعب الزج بها في هكذا تخصصات، تتطور بين الفينة والأخرى، والعلوم الإسلامية من أساسات مناهجها، هو الثبات وعدم التحول والتغيير.

هل العلوم الإسلامية ثابتة أم متغيرة؟

إننا نتلمس نمط اعتماد الثبات كمنهج في مقاربة العلوم الإسلامية في العديد من المجالات، مجال التفسير، وشروح الحديث، والفقه بمدارسه، وبالتالي: مظهر التكرار، والاسترجاع السلبي، يعد السمة الغالبة في قسم العلوم الإسلامية، ومن ثم أصبح العجر، والتأزم، في مجالات السياسة، والحياة الطبيعية والاجتماعية، هو الطابع الذي يلوح للناظر، كلما أرجع بصره في هذا المجال ونحوه.

لأجل هذا الذي ذكرت، تكرس في المنظومة الفكرية الإسلامية، نمط التضخم في المقدس، ذلك أننا نقر كمؤمنين، أن النص الديني- القرآن الكريم، وما صح من السنة النبوية- هو المقدس الذي يقارب على كافة المستويات، تفهما، وشرحا، ومدارسة، ونقدا فيما يتعلق بالحديث النبوي، وليس هذا التقديس إلا لما ذكرنا من نصوص، لكن الذي وقع هو أن القداسة أضفيت ليس على النص النواة فقط، بل تعدى الأمر كل ذلك، ليشمل كل الفهوم المعمولة على ذلك النص، منذ الصحابة وانتهاء بآخر مستنبط.

ومن أجل هذا أيضا؛ أصاب الساحة الفكرية، والثقافية، بل والدينية؛ الإرباك على هذا المستوى، فقد قتل الإبداع، وحورب التفكير في ذاته، وواجه رجالُ الدين كلَّ أنواع النقد، وأوجهه، ومجالاته، وجُعل العقل في قفص الاتهام، وهُيِّج الناس وشجعوا على رمي المختلف بكل وصف بذيء، من شأنه أن يرهب، ويرعب، ويقتل على المدى الطويل.

ما هي الشروط لانسجام العلوم الإسلامية مع العلوم الإنسانية؟

وحتى تنسجم العلوم الإسلامية في مجال أخواتها من العلوم الإنسانية الأخرى، لا بد من أمرين اثنين:

  1. الأول: الاستفادة من تلك العلوم سواء من ناحية المنهج، فيعطى لأدوات التفسير المزيد من الىدائل الحديثة؛ التي تستعملها تلك العلوم، أو من ناحية الاستفادة من مخرجات النظريات النفسية والاجتماعية، واستعمالها في التفقه، والتفسير.
  2. الثاني: لا بد من إعادة النظر في أصول الفقه الشافعي، لأنه الأساس الذي انبنت عليه كل المقاربات الفقهية والتفسيرية منذ زمنه رحمه الله وإلى أن استقر التقليد، وقتل الاجتهاد.وسيأتي مزيد من البحث في مقالات قادمة.

(شاهد المزيد من مقاطع فيديو موقع مقال على اليتويوب).

بقلم: الدكتور لخضر بن حمدي لزرق

 

أضف تعليقك هنا