التماسك النصي، قراءة في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني (1)

بقلم: دكتور/ إبراهيم محمد أحمد الدسوقي     

تحاول هذه السطور أن تلقي الضوء على بعض  ما جاء من نصوص في كتاب الإمام عبد القاهر  دلائل الإعجاز – تتحدث عما نسميه اليوم بالتماسك النصي بشقيه اللفظي والدلالي من خلال قراءة بعض نصوص هذا الكتاب في ضوء ما يعرف اليوم بالتماسك النصي ، و تعتمد هذه القراءة على القديم والحديث في آن واحد ، القديم متمثلا في الكتاب ذاته دلائل الإعجاز، وتتكئ في هذا الحديث على بعض معطيات علم النص خاصة مفهوم السبك الذي يُعنى بكل ما من شأنه أن يكون سببا في ترابط النص ترابطا لفظيا ،وكذا مفهوم الاتساق الذي يُعنى بكل ما من شأنه أن يكون سببا في ترابط النص ترابطا دلاليا.(التماسك النصي). (اقرأ المزيد من المقالات على موقع مقال من قسم أدب).

الروابط اللفظية والدلالية لِ التماسك النصي

وليس يخفى أن ” النص الواحد تحكمه علاقات لغوية ودلالية تعمل على تماسكه وترابط أجزائه وعلى من يتصدى لتفسير النص أن يستعين بهذه العلاقات بنوعيها، وقد تكون العلاقات أو الروابط اللغوية واضحة تتمثل في بعض الأدوات كالعطف والإشارة والشرط والإحالة بالضمير،أوما يؤدي منها معنى السببية أو يأتي لبيان الغاية أو الاستدراك، وغير ذلك من الروابط اللغوية.

أما العلاقات الدلالية  فإنها متنوعة ومتجددة مع النصوص بحيث يكاد كل نص يبتكر وسائل تماسكه الدلالية ، وهذه العلاقات الدلالية هي التي تساعد على ربط الإشارات في النص ببعضها ، وتعين على تطورها وأسلوب تحوِّلها حتى تكوِّن في النهاية خيطا قويا يربط النص  رباطا خفيا يحتاج إلى تلطف لكشفه.” (1)

أعني بالتماسك النصي هنا كل ما يجعل النص متماسكا سواء أكان هذا على  المستوى الدلالي أم المستوى اللفظي ، ويتسم النص بهذه السمة ، سمة كون النص متماسكا  لفظيا ودلاليا ، متى تحقق فيه ما يعرف في نحو النص بمفهوم السبك ومفهوم الاتساق ، لذا يحسن بنا في هذا المقام أن نوضح المقصود  بمفهومي  السبك والاتساق  وكذا مفهوم النص قبل الشروع في قراءة “التماسك النصي في دلائل الإعجاز.

مفهوم السبك النصي وآلياته  

لعله مما لا خلاف عليه أن تُحدَّد المصطلحات النظرية لأي بحث قبل البدء في التطبيق والتحليل، إن كان ثمة تطبيق ، ذلك ؛ لأن ” التحليل يفترض – في أصل معناه- الانطلاق  من رؤية نظرية لا بد منها قبل أي تحليل، وهذه الرؤية النظرية ،لا شك، تؤازرها بل تسهم  في تشكلها  ذخيرة قراءة المحلل، ومعرفته المتراكمة وخبرته بالنوع الذي تنتمي إليه  النصوص المحللة” (1)

لماذا سُمّي مصطلح (السبك النصي) بهذا الاسم؟

أما لماذا اختيار هذا المصطلح (السبك) دون غيره من المصطلحات ؟ بمعنى آخر. لماذا لانقول الحبك  أو غيره من المصطلحات التي اختارها بعض النقاد ليدلوا بها  على ما يدل عليه السبك ؟وإجابة عن هذا نقول: إن اختيارنا للسبك مرده إلى أنه ليس غريبا عن أدبيات النقد الأدبي الحديث، فقد ذكره نقادنا القدامى غير مرة ، ذكروه حين  وصفوا الشعر بجودة السبك  وتلاحم الأجزاء  وصحة الطبع. يقول أبو عثمان الجاحظ: ”  وأجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء سهل المخارج فيعلم بذلك أنه أفرغ إفراغا جيدا وسبك سبكا واحدا، فهو يجري على اللسان كما يحري على الدهان(2).

أهداف السبك النصي (التماسك النصي)

وهذا صاحب الطراز يتحدث حديثا ليس بعيدا عن السبك و ما يهدف إليه من حسن التأليف بين الألفاظ والجمل في النص وتقوية الارتباط بين أركانه حتى يصير كلا واحدا يقول:  ” ويجب مراعاة أحوال التأليف بين الألفاظ المفردة والجمل المركبة حتى تكون أجزاء الكلام متلائمة آخذا بعضها بأعناق بعض،وعند ذلك يقوى الارتباط ويصفو جوهر نظام التأليف، ويصير حاله بمنزلة البناء المحكم المرصوص المتلائم الأجزاء ، أو كالعقد من الدر فصلت أسماطه بالجواهر واللآلئ ، فخلص على أتم تأليف.” (3)

والسبك أيضا يلتقي مع ما سماه روبرت دي بوجراند الترابط الرصفي :SEQUENTIAL CONNECTUAL فقد ذكر أن كل نشاط وكل إجراء غايته رصف عناصر اللغة في ترتيب نسقي مناسب يظهر فيه الترابط والتماسك والتتابع بين الأجزاء المكونة للنص- هو شكل من أشكال السبك.وهذا يعني أن السبك يترتب على إجراءات تبدوبها العناصر السطحية Surface على صورة وقائع يؤدي السابق منها إلى اللاحق بحيث يتحقق لها الترابط الرصفي.”(4) وعلى أية حال ، فالسبك ،كما يقول أستاذنا الدكتور تمام حسان رحمه الله:”إحكام علاقات الأجزاء، وذكر أن وسيلة ذلك:

  • إحسان استعمال المناسبة المعجمية.
  • قرينة الربط النحوي.
  • رعاية الاختصاص والافتقار في تركيب الجمل.وللحديث بقية إن شاء الله.

والمقصود بالمناسبة المعجمية كما يقول أستاذنا أيضا،تلاقي حقلين من حقول المعجم بحيث يجوز للفظ من أحد الحقلين أن يرد في تركيب واحد مع لفظ من الحقل الآخر، وهذا الذي يقصده البلاغيون عند قولهم “إسناد الفعل إلى من هو له”(5)

المصادر والمراجع

  1. د.محمد حماسة عبد اللطيف ،الإبداع الموازي، التحليل النصي للشعر، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع2001 م.
  2. د.حاتم الصكر: ترويض النص ، دراسة للتحليل النصي في النقد المعاصر،إجراءات ومنهجيات،الهيئة المصرية العامة للكتاب،ص:7 بتصرف.
  3. الجاحظ ،البيان والتبيين: أبو عثمان عمرو بن بحر، دار صعب – بيروت،الطبعة الأولى ، 1968،تحقيق : المحامي فوزي عطوي،
  4. يحيى بن حمزة العلوي،الطراز:المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،مطبعة المقتطف بمصر ،1322هـ 1914م
  5. روبرت دي بوجراند :النص والخطاب والإجراء ترجمة د.تمام حسان،الطبعة الأولى 1418هـ 1998م ،عالم الكتب القاهرة.
  6. دتمام حسان، مقالات في اللغة والأدب الجزء الثاني ،عالم الكتب،القاهرة،1427هـ 1906م .

(شاهد المزيد من مقالات موقع مقال على اليوتيوب).

بقلم: دكتور/ إبراهيم محمد أحمد الدسوقي

 

أضف تعليقك هنا