العدل في العقوبات الإسلامية

منطق العدل في العقوبات الإسلامية

يقول الله تعالى: “يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين لله، شهداء بالقسط، ولا يجرمنّكم شنئان قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا، هو أقرب للتقوى، واتّقوا الله إنّ الله خبير بما تعملون” (المائدة8). (العدل في العقوبات الإسلامية). (اقرأ المزيد من المقالات على موقع مقال من قسم إسلام).

ما المقصود بالعقوبة؟

إن العقوبة هي ما توقع على فاعل الفعل غير الحسن وهي أثر أعقب الفعل. (بالعذاب والتعذيب). وعاقبه معاقبة وعقابا: (معجم ألفاظ القرآن الكريم)، إصدار (مجمع اللغة العربية، ج2، ص 232 القاهرة) وقد ورد لفظ (عقاب) ومشتقاتها في القرآن الكريم 26 مرة. ويعرّف الماوردي العقوبات بأنّها “زواجر شرّعها الله تعالى للردع عن ارتكاب ما حظر وترك ما أمر به، لما في الطبع من مغالبة الشّهوات الملتهبة عن وعيد الآخرة بعال اللّذة” (العقوبات: الماوردي القاهرة 1953)

فجعل الله إذن من زواجر الحدود ما يرد به ذا الجهالة وانعدام الإيمان أو ضعفه، حذرا من ألم العقوبة، وخسية من نكال الفضيحة ووقع ألمها، ليكون ما حظر من محارمه ممنوعا، وما أمر به من فروضعه متبوعا فتكون بذلك المصلحة أعمّ والتكاليف أتمّ، (ويتوفّر التوازن والاعتدال للغرف وللمجتمع) يقول الله تعالى: “وما أرسلناكم إلاّ رحمة للعالمين” (الأنبياء: 107) في استنقاذهم من الجهاة وإبعادهم عن الضّلال ونهيهم عن المعاصي، وحثّهم على الطاعة. “وما آتاكم الرّسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، واتّقوا الله إن الله شديد العقاب” (الحشر: 7).

ما هو الغرض من العقوبة؟

وإذا كان كذلك فـ(الزواجر ضربان: حدّ وتعزيز) ويقول ابن تيميّة: “إنّما شرّعت العقوبات الشّرعيّة، رحمة من الله تعالى بعباده فهي صادرة عن رحمة الخالق بمخلوقاته، وعن غرادته للإحسان إليهم والرّفق بهم” ولهذا ينبغي (لمن يعاقب النّاس على ذنوبهم مهما كان موقعه، أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة بهم والإصلاح والتقويم ما أمكن) تماما، كما يقصد الوالد، أمّا كانت أو أبا، تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالة “مريضه: son patient ) فغاية هذين الأخيرين ليست انتقاميّة أو تعسّفيّة أو تدميريّة.

أنواع العقوبات

“يا أيذها الّذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتّقوا الله إنّ الله خبير بما تعملون” (المائدة8) والعقوبات، إمّا محدودة، كما هو الحال في (جرائم الحدود والقصاص) وإمّا غير محدودة كـ(التعزيرات) وهي تحدّد بحسب طبيعة كلّ جريمة أو حالة كل مجرم، وظروف الجريمة وأسبابها. وفي واقع الأمر يمثّل العقوبة نفسانيا واجتماعيا تطهيرا للإنسان من الذّنب الذي اقترفه بارتكابه للجريمة وبذلك فهي (تمنع عنه عقاب الله يوم القيامة) لأن الله سبحانه وتعالى، أكرم من أن يوقع على الإنسان عقوبتين على ذنب واحد. فإذا عجل بعقوبة الجاني في الدّنيا، نجا من عذاب يوم القيامة: “أفمن اتّبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنّم وبئس المصير، هم درجات عن الله، والله بصير بما يعملون” آل عمران: 162-163).

هل ينجو الظالم من عقاب الله؟

وإذا استطاع الهروب والإفلات من العقاب في الدّنيا ولم يتب منن جرمه استحقّ عقاب الله سبحانه وتعالى في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلاّ من أتى الله بقلب سليم (ولا يمكن البتّة لإنسان مهما علا شأنه في هذه الدّنيا أن يهرب أو يفلت من عقاب الله: “فلا تسحبنّ الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام(47) يوم تبدّل الأرض غير الأرض وبرزوا لله الواحد القهّار(48) وترى المجرمين يؤمئذ مقرّنين في الأصفاد(49) سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النّار(50) ليجري الله كلّ نفس ما كسبت، إنّ الله سريع الحساب(51)” (إبراهيم) “ولا تحسبنّ الله غافلا عمّا يعمل الظّالمون، إنّما يؤخّرهم ليوم تشخص فيه الابصار(42) مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتدّ إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء(43) ” (إبراهيم).

إن عدل الله وعدالته سبحانه وتعالى اقتضيا أن يجازى كلّ إنسان على عمله: إن خيرا فخير وإن شر فشر. روى عبادة بن الصامت قال: “أخذ علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما أخذ على النّساء أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني ولا نقتل أولادنا، ولا نعصيه في معروف، فمن وفّى منكم فأجره على الله، ومن أتى منكم حدا فأقيم عليه كفارته. ومن ستره الله عليه، فأمره إلى الله. إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له. “نبئ عبادي أنّي أنا الغفور الرّحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم” (الحجر: 49-50).

الحكمة من وضع العقوبة معادلة للجريمة

ولقد شدّد الشّارع في عقوبة بعض الحدود لما لها من أهميّة بالغة في حفظ النّسل والدّين والعقول والمحافظة على كيان المجتمع. (والقصد من تشديد العقوبة ليس هو عقاب الجاني، بقدر ما هو زجر وتخويف للنّاس حتّى لا يقترفوا هذه الجرائم. فالإنسان إذا عرف شدّة العقوبة، فكر وقدّر مرّات ومرّات قبل أن يقدم على ارتكاب الجريمة). ولقد وضع الله سبحانه وتعالى (العقوبة معادلة للجريمة) فالسارق الذي يروّع أمن النّاس، ويهدّد حياتهم في أقواتهم وأموالهم ومساكنهم، لا تقطع يده مقابل الأشياء المسروقة فقط، ولكن وفي منطق الشّريعة الإسلامية، لما يبثّه في المجتمع من ذعر وخوف وإزعاج وهلع ونكد واضطراب.

وهكذا فالشارع يراعي في العقوبات (أن تكون رادعة زاجرة، مصلحة، مربيّة، مصحّحة مقوّمة لما فسد بناؤه للمحافظة على أمن النّاس وسلامتهم. فمن علم أنه (من قتل نفسا بغير حق يقتل بها) يرتدع عن القتل. وهكذا يقتضي المنطق في جميع العقوبات المقررة (إن من نظر إلى العقوبة يجد أن المشرّع قصد أن يفوق ألمها ما حصل عليه الجاني من فوائد من جراء جريمته.

العدل في العقوبة

أمّا العقوبة في الشّريعة الإسلامية عامّة فهي توضع لتطبّق على كل من يقترف الجرم المعاقب عليه دون النّظر إلى شخصه أو مركزه الاجتماعي أو عمله أو ثروته أو ثقله التأثيري في المجتمع، أو عائلته أو قبيلته فهي تطبّق سواسية على الغنيّ والفقير والحاكم والمحكوم، وساكن الكوخ أو ساكن الصور. وما أجمل وأروع، عزيزي القارئ، أن نقرأ هذه الآية الكريمة ونتدبّرها: “إن هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون” (الأنبياء 92) صدق الله العظيم. وبالله التوفيق والسّلام

فيديو مقال العدل في العقوبات الإسلامية

 

أضف تعليقك هنا