الكتابة والخلود

يُحاول أن يكتب…بينَ ديمي ،هيمنغواي ،الرافعي …شيء من الخلود.الكِتَابَة انْعكاس للْرُوحِ فيِ مِرآةِ الوُجُودِ ،هيٌ حَديثُ النَفْسِ الملهمةِ و حَياةُ الحروفِ المُنْطَلقَةِ ، هيِ أُولكسترَا المعانيِ و طرَبْ الحرُوف:خذْ القَلم الإسْتَثنائيِ و أرسِمْ تلكَ الفكْرَة ، لتَكُن لَوحَة زاخِرَةْ منَ البَيَان و السُمو الأَدبيِ ….و أَسمَع منْ الرَافِعي الجَميل عن زهرةِ الأدبِ :رُبما عَابوا السمو الأدبيِّ بأنَّهُ قليل ، ولكن الخيرَ كذلك ، وبأنه مُخالف ، ولكنَّ الحق كذلك ، وبأَنّه مُحيِّر ، ولكنَّ الحسنَ كذلك، وبأنَّه كثِير التكاليف ، ولكنَّ الحرية كذلك. (الكتابة والخلود). (اقرأ المزيد من المقالات على موقع مقال من قسم أدب).

جمال الكتابة والخلود

الكِتابة نوْع من الخلودِ الجَميل ، و رُجوع إلىَ الذَاكرةِ و بَحْث عن الذَات بين الأَزقة و بَين الوُجُوه، و اخْراج تِلكَ المَكْبُوتاتِ من اللاَوَاعيِ ، هيّ إعطَاء الحيَاة للمَشاعر و الفِكر ، عِندَمَا ترجع الذَاكرة ، بِلا بَدن : تحْتَ الظِل ،و الجدرَان تضْربُ بعضَها بالَلون الرَمادي ، الأَبيَض و الأسَود ، هُناك حَيثُ تَارِيخ الحياة ، و كَلاسيكيَات جَميلة، و سِينما تَلبس ثوباً رمادياً ،و الأبْطَال مَعروفون بِبَدلة “فُورمل ” تقلِيدية و فَخْمة مَع سَاعة في جيٌب ،و مَقاهيِ البَارِيسِية فيِ (العِشرينَات من القَرن المَاضِي).

مَلِيئة بأَمثَال كَامُو و بَابْلُو يَتَحَدثُون عن الحُب ،يقُول أحَدهم :”الحُبْ هُوَ أنَ لاَ نَقُولَ أَبَداً أنّنا آسِفُونَ” ، ثمّ الضَحِك بلاَ مَعنَى بِنَوع من العَبثية و سَارتر يُحاول إِغْواء النِسَاء بالكَلِمَات قائلاً : “النِسَاءُ مِثل الرِوَايات ، لاَبُد أَنْ تَجد نِهَاية لِعُقْدَتها “، وَ دُوبَفوار تَنظر إليَ كَامُو ثمّ تَبْتَسِم كأنّ عيْنَيها تَنتطِقان: “أُحِبُكَ مَعَ لَمْسة مِن الترَاجيديَا وَ الجُنون التَام”.

الكُتّاب وأسلوب كتابتهم

و غَسَان يكتب رِسَالة بلونِ دم ، لاَ ألوان فَاضحَة، و كَثير من لَوحة “ليلة النجوم” لفَان غُوخْ و اللَوْحَات الصَارِخة لإِدْوارد مُونش ، و بيِتهُوفَنْ يَتَحول ليلاً إلى سَمْفُونِية معَ خدعة “عقدة الرومانتيكية” يَقُول أَحَدهم :بِيتْهُوفن لم يَمُتْ ! فَقَد تَحَول إلىَ سِمفونيَاته ،إلىَ سِمفُونية “ضَوء القمر” ،و هُو ينشد : “المُوسيقَى لَيسَتْ النُوتَ نَفسهَا بَل لَحَظَات الصَمْت بَيْنَهُمَا” و لعل “ديمي” تتَحول إلىَ ألحَان التيِ ولدنا تحْت رَايتها ،ألحَان تُقدس الوَطن و تُحيِ الأمَل ،أمَل يدفع أمَل،و الكَثير منَ الأملِ في غيابِ الأمل ، صوت موسيقي مليء بالحب :”يا وطني….”.

أسلوب هيغو وهتلر وكافكا في الكتابة والخلود

و هِيغُو يَتحَول إلىَ “البُؤَسَاء”، يَقرئها طِفل بَائِس جرَاء الحَرب و لكن من يهتم مادام البُؤس جزء منَ الحياة ، هِتلر يقرِّرُ حرْق أَول كِتاب في ساحة عَامة و لكن مَنْ يَهْتم مادامت الأفكار خالدة ، وَ كَافكا يَتحَول إلىَ رَسائِله إلىَ مِينيَا فَيَشْعُر أَحيَانا بِذَنْب اتِجَاه تَعلقه و اتجاه نفسه إلاَ أَنْ مِينْيَا هيِ الحُرِية و هيِ المَعنى بلاَ مَعنى و هيِ الفَراغ يقُوس في الفَراغ و هي الخُلود و مُنقذ مِن” الحَشَرة”. و دُوستويفسكي إلى شَخْصية رَاسكُولينكوف اللامنتمي و هِيمَنغوَاي يَجْلِس وَراء مُنضدة الكتَابة و هُو يَتذكر كَلمته للعَامل المَقْهَى :أَنْتَهى زَمَنْ التَشَرد !! ، لِيَشْرَع مستخدماً أقْلاَم الرَصَاص بدل الآَلة الكِاتبة ،لأن الأقْلاَم تَسْتَهوِيه أَكْثر .

فَيْبدأ كِتابة السُطور الأُولى من رِواية جديدة : “كانَ رجلاً أضَنَته الشَيْخُوخَة يَعمَلْ بالصَيدِ وَحْدَهُ فيِ مركبِ شراعي ،فيِ مَجْرَى الخَلِيج، لَمْ يَظْفَرْ حتّى الآنْ بِسَمَكة منذُ أربعةِ و ثَمَانِينَ يوْماً مَضتْ” .فَيتحَول إلىَ الشَيْخ الذِي لاَ يزَال حتَى الآَنْ يَتنازع مع البَحرِ و لكنْ معَ سَمكةِ الثَانِيةِ ، و نَزار قباني إلىَ تلكَ القَصِيدَة التِي مَازلتُ أُسدد ديُونها فقد أعجبتُ بها دفعةً واحدة، رَغم نِسيَان مُحتواهَا إِلاَ أنّ أثرهَا باقٍ ،رُبمَا كَانَتْ تِلكَ لَمحة عَابِرة لصوت “سَدُوم” أَوْ غيرهِ ،خُذْ القَلَم و أََرْقص المَازُورْكَا العَظِيمَة مع سَيّدة كَارْنينَا الفَاتِنة في سان بَطَرسبُورغ و لاَ تُبالي لفَرُونسكيِ.

أين يوجد الخلود؟

ارْسم “الحُروف الأبَدية” و اخْرُج من البَدَنْ ،فَلاَبٌد مِنْ أَخْذِ تَذْكِرةِ العُبور إلى اللاَنِهَائِية، إلى الخلود السَرمدي ،نَظْرَة إلىَ سَمَاءِ و تَصَافُحْ مَعَ النُجُومْ ، مَمْزُوج بألوان الحياة…يتصل البدن بذاكرة ،يَستأنف الدوران ، الركض ثم الإنْتظار ، إنّه الحَاضِر لا مِرآة لنظر إليها و تأكد من الشَعر الرمَادي ، وَ وَجعُ الإنْتظارِ ينْزع المَوجودَ من الوُجودِ ، كلُّ شيءٍ يَتلاَشىَ بلاَ لَوْن بخدعة “منفعة المتناقصة” ، حتَى تَقف اللَحْظَة ، و يُصبح الرَكْضُ و الإنْتِظَار بِلاَ قِيمَة فيِ السُوق ، تَصبح الحيَاة ذَات طَعم ، و نسيم ذَا رائحة ، و سماع زقزقت العُصفور عنوان الثَورة ،هنا تَجد الخُلود.

هل الكتابة والقراءة تعيد لنا الذكرى والحياة؟

كَثِيرا ما يَندمِج الفَن الجَميل و الكِتابة بشكل واعي و عَميق ،للفُنون طَعم عجِيب ،فَهُو نَوْع من تَأمل ،مِنَ تدبُر ،لاَ نَفهَمُه و لاَ يُمكن شَرحُه يُمكن فَقَطْ الإحْسَاسُ بِهِ .أَكْتب لأبقى ، تعيد لي القراءة الحروف الذِكرى و الحَياة ،أكتُب لأعِيش…

و لعل الرَافِعيِ يعبر : إن لمْ يكن البحر فلاَ تنتظِر اللؤْلؤ، وَ إِنْ لَمْ يَكٌنْ النَجٌمُ فَلاَ تَنتظر الشُعاء ، و إِنْ لَمْ تكن شجرة الورود فلا تَنتظر الورد ، و إن لم يكن الكَاتب البَياني فلا تنتظر الأدبْ.لاَ تَنْتظِرُوا أبَداً ….لاَ تَنتَظِروا الأدب..و إنْ لمْ يَكُن صوتُ ديميِ فلاَ تنتظروا….و حَاولُوا مُشاركة ” المَازُوركا الرُوسية ” مع الحُروف

فيديو مقال الكتابة والخلود 

أضف تعليقك هنا