أسطورة سيزيف

مكرٍ مفرٍ كجلمود صخر حطه السيزيف من عل

لم يكن امرؤ القيس يعلم أن جلمود صخره وما له من دلالات على السرعة والصلابة قد يتلقاها بعض القراء بتأويل مختلف يرون فيه رمزية العقاب الأبدي لسيزيف في الأسطورة الإغريقية القديمة.

تقول الاسطورة بأن الآلهة قد حكمت على سيزيف بأن يدحرج صخرة ضخمة تعود لتهوي إلى الأسفل بسبب ثقلها، وهكذا يظل بلا انقطاع في حالة صعود وهبوط خلف تلك الصخرة للأبد وكأن حياته الأبدية في هذا العمل العبثي الذي لا جدوى منه هو العقوبة القصوى التي سوف تحطم كبرياءه ومعنوياته بسبب خداعه للآلهة والفرار من الموت أكثر من مرة.

سيزيف بطل اللاجدوى

الفيلسوف ألبرت كامو الذي ينتمي للمدرسة العبثية يرى في مقاله “أسطورة سيزيف” أن سيزيف هو بطل اللاجدوى وأنه قد وجد في حياته الأبدية العبثية منتهى السعادة والرضا “فهو يمتلك مصيره وصخرته” فهو مناضل تحدى الآلهة وقرر أن يرفع صخرته بدلاً من صرخته وفي هذا معنى السعادة.

الفيلسوف كامو من رواد المدرسة العبثية وعلى معرفه بـ صمويل بيكيت رائد المسرح العبثي ولا ننسى رائعته في انتظار جودو التي رمزت أيضاً إلى عبثية الحياة عندما بقى بطلا المسرحية على خشبة المسرح يقضيان كل الوقت بالثرثرة وظلا في انتظار شخصية ليس مقدر لها الظهور المسرحي. إنها رمزية عبثية الانتظار وقتل والوقت تمهيداً لعبثية وقتل الحياة بأكملها بالانتظار البطئ.وكأن هذة الحياة العبثية الملعونة لا تستحق القتل السريع الرحيم أو حتى الموت الطبيعي المفاجئ.

سيزيف العصر الحديث

فكرة العبثية الحياتية واللاجدوى الدنيوية قد تبدو الفكرة السائدة والتي ولدت من رحم القرن العشرين وحروبه العالمية وغير العالمية المدمرة والتي فقد فيها الملايين حياتهم أو أحبائهم أو إيمانهم فنرى موجات متكررة من الانتحار والإلحاد والإحباط استمرت حتى عصرنا الراهن وهنا نعود إلى سيزيف الذي أراه أمامي يجسد العمل الروتيني اليومي لكل فرد يكد ويكدح في محيط رأسمالية دراكيولية أو دكتاتورية مذؤوبة ترتدي أصوافاً من الشيوعية تستهلك طاقة الفرد وتستغل قدراته دون اكتراث لحقوقه الإنسانية أو قدراته الإبداعية وهدفها فقط النزيف لكل سيزيف .. ومن منا ليس بسيزيف ؟

لا يختلف سيزيف عن الرجال الجوف في رائعة الشاعر العظيم تي أس إليوت والذي وصف فيها أبناء القرن العشرين وما أصابهم من سرطان الخواء الروحي ووباء العبثية في حياة بعد الموت فهم لا يستطيعون تلاوة الصلوات ولا التحديق في النجوم بل يهيمون -إن استطاعوا- على وجوههم الجوفاء في حالة لعن سرمدية في أرض الصبار بدون صبر ويرفعون أكف الضراعة بألسنة مبتورة لأصنام مكسورة تحت نجوم آفلة زائلة. أي لعنة هذه؟ وأي عبثية تلك؟

الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا

السؤال المطروح هنا عن أسطورة سيزيف

والسؤال هنا ، هل كل سيزيف فرد ضعيف مغلوب على أمره ؟ أم هو مجرم عتيد يستحق العقاب؟ أم هو كل من ظن أنه يحسن صنعاً طوال حياته التي ملأها بالوهم ليرضي عقله وضميره ؟ هل هو ذلك المناضل الثوري السعيد ؟ أم أنه ملعون كتبت عليه سرمدية العذاب تكفيراً عن ذنوبه؟ أم هو ذلك الموظف المعاصر الذي يدور في الساقية أو الطاحونة اليومية للروتين من أجل لقمة العيش ؟

إذا اختلفنا مع الفلاسفة والمفسرين في تأويل العبثية بالأسطورة القديمة فلابد أن نتقبل كلنا أوجه الاختلاف في إجابات السؤال عمن يكون سيزيف عصرنا الحالي. ولكن يبقى سؤالاً واحداً له جواباً واحداً محدداً…. من منا ليس بسيزيف ؟؟ الجواب: لا أحد

المصادر

  • maaber
  • elmahatta
  • sudaneseonline
  • quran

فيديو مقال أسطورة سيزيف

المزيد من المقالات الفلسفية يمكن متابعتها على صفحة قسم فلسفة على موقع مقال – قسم فلسفة

أضف تعليقك هنا

أمير عاطف حسنين

أمير عاطف حسنين| ماجستير في التعليم.
Amir Atef Hassanein | باحث في اللغة / وحاصل على شهادة ماجستير في التعليم