إلى ابنتي سماء

في ليلة من ليالي الخريف ذات الجو المعتدل، ومع أنفاس الصباح الباكر، وقبيل بزوغ فجر أحد الأيام أخذت تهز رأسي لأستيقظ من سبات عميق قائلة: لقد رأيتك تحملها على عنقك، وتطوف بها البيت الحرام، فانتبهت محدقًا في وجهها… من؟ ماذا تقولين؟ متى نحن؟ ثلاثة أسئلة متتالية متتابعة، لا فاصل بينها… كانت ردة فعلي على ما صنعت معي، إنها زوجتي توقظني على رؤيا قد رأتها …. رأت أني وإياها من زوار البيت الحرام لهذا العام، وقد رزقنا الله بابنة ثالثة، أحملها على كتفي وأطوف بها بين جناب البيت الحرام…. أتدرين؟ قد كنت أنت يا سما.(رسالة الأب لابنته). (اقرأ المزيد من المقالات من قسم خواطر).

فرح الأب بقدوم ابنته

نعمة ربي وهبته الثالثة، ومنحته لي منذ أحد عشر ربيعًا، ليكتمل بك عقد السعادة وبهجتها، وتتحقق- بإذن الله-معك بشرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:” من عال ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات أو ابنتين أو أختين كنّ له حجابًا من النار، فإن صبر عليهن حتى يزوّجهن دخل الجنة” ويجيب الله ما تمنيت من قبل …أن يهبني الله من الذرية البنات، فإنهن المؤنسات الغاليات.

وقد احترت في اسمك كثيرًا … لكن خاطرًا كان يتملكني، وشعورًا ظل يرافقني، إنك منحة ربي التي هبطت من سمائه وعلوه، ورؤيا والدتك التي كانت مع بزوغ الفجر المبهر، فكان اسمك على مسماك فكنت …. سماء، اسمًا ومسمى أملاً أن يكون علو النفس شيمتك، وسمو الأخلاق نبراس لك، والارتفاع عن الدنايا شعارك، وليكن التواضع سمتك، والهدوء والاتزان ورجاحة العقل عنوان لك.

رسالة الأب لابنته

إليك يا ابنتي سماء … قد مرت سنوات من عمرك، أراك تكبرين فيها يومًا بعد يوم … زهرة تتفتح … ووردة يفوح شذاها … مرت سنوات من عمرك فكبرت، وكبر مع حبك للقراءة والكتابة وفنون الخط والرسم، مرت سنوات من عمرك فكبرت وكبر معك شغفك لألوان الفنون والأشغال والابتكارات … مرت سنوات من عمرك فكبرت وكبرت معك نفسك العالية، ورجاحة عقلك، وتجلى هدوك وحياؤك.إليك يا ابنتي سماء …إنك لا زلت في أيام حياتك الأولى وإن مرت بك السنوات، وفي كل يوم يضيف إليك الكثير … فخذي منه كل نافع، وأقبلي فيه على كل جميل، خلقًا وذوقًا، علمًا وأدبًا، فنًا وجمالًا.

احذري أن تضلي الطريق وتبتعدي عن النهج السليم

واحذري يا ابنتي أن تنحرف- معاذ الله- بك السبل، أو يحيد بك الدرب عن النهج السليم، والسبيل القويم، ولا أظن أن ذلك سيكون بإذن الله، لأنك هبة ربي إلينا، فقد رأيت فيك منذ أيامك الأولى رقَّة وهدوءًا، ولا أنسى يوم أن كنت بين يدي، أهدهدك … وأحرك أطراف أصابع يديك وقدميك الصغيرتين … وأتحدث إليك … نامي حبيبتي … فأراك تخلدين إلى النوم في هدوء وسكون … بغير صخب ولا ضجيج ولا صراخ ….كنت أنظر إليك فأرى وجه قمر عمَّ الكون بهاؤه، وملأ الدنيا جمالاً وبهجة … فأخاف عليك مني، وأخشى عليك من عيني، فأذكر ربي شكرًا وحمدًا.

فكوني يا ابنتي -كما اسمك-… سموًا في غير تكبرٍ وعلوًا في غير خيلاء، كوني -كما اسمك- سماءً تظل من تحتها، وترسل الخير لاختها(الأرض)، ولا يعرف منها غيرها إلا كل غيث نافع، أو ضياء شمس تشرق بدفئها وأشعتها فيحيا بها من مات في ظلام الليل الدامس، أو ضياء بدر لا يحرم الكون جماله ونوره، كوني-كما اسمك- سماءً ترتفع بخلقها عن كل دنيء، وتعلو بقيمها عن كل منحط، تكثرين الصمت وتتحلين بالهدوء، تفكرين قبل أن تنطقي، وتعقلين قبل أن تتحدثي، لا تغضبين لكل صغير، ولا يخرج من فيك إلا كل جميل.

اعلمي أنَّ جمالكِ هي أخلاقكِ

واعلمي يا ابنتي … أن جمالك أخلاقك، ومكانتك بين الناس قيمك، ومنزلتك ما تملكين من صفات وشيم، يحترمونك بها، ويرفعون قدرك لأجلها، فكوني قدوة لقرينات جنسك، وعلامة لهن في ليل موحش ساد فيه الظلام، وانهارت فيه قيم العفة والنخوة والشهامة، وبات كثير منها يحتاج إلى من يرويه بماء الحياة فلتكوني أنت.

كوني صبورة هادئة وقويّة في تحمّلكِ

كوني يا ابنتي – كما عهدتك – صبورة هادئة، لا تثورين لك تافه، ولا تصرخين لك صغير، لا يستفزك غيرك وإن أراد، ولا يغضبك وإن فعل، كوني – كما عهدتك – قوية في تحملك، متينة لا ينال منك أحد إلا ما تريدين، كوني سماء … تظلل غيرها، وتسقي أختها، ويهب نسيمها، وترسل أشعة شمسها ويملأ الكون نور بدرها، فإذا جنَّ الليل ساد الكون هدوء ظلامها.

أرى فيك يا ابنتي أيامًا جميلة، وغدًا يشرق بكل خير فكوني عنوانًا له … تنتظرك أيام ترسمين فيها لوحة مستقبلك، وتكتبين فيها أجمل قصة لحياتك، ولن تكون اللوحة على ما تريدين إلا إذا كانت ريشتك خلقك، وألوانك شيمك، وحياؤك عنوانها، ولا القصة على ما ترغبين إلا إذا كانت كلماتها من نفسك، وحروفها من اسمك…. سماء.

فيديو مقال إلى ابنتي سماء

أضف تعليقك هنا