الذوق وأثره على عملية التلقي

الذوق لغة: هو مصدر من  ” ذاق  الشيء يذوقه ذوقًا… وتذوقته أى ذقته شيئًا بعد شئ، وأمر مستذاق أي مجرب معلوم  والذوق يكون فيما يكره ويحمد، قال تعالى: ”  فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ” النحل : 112، وفي حديث أحد: أن أبا سفيان لما رأى حمزة رضى الله عنه مقتولًا قال له: ذق عقق، أي ذق طعم مخالفتك لنا وتركك دينك الذي كنت عليه يا عاق قومه جعل إسلامه عقوقًا، وهذا من المجاز أن يستعمل الذوق وهو ما يتعلق بالأجسام في المعاني كقوله تعالى: ” ذق إنك أنت العزيز الكريم ” الدخان : 49، و ” ذاقوا وبال أمرهم ”  التغابن : 5 ، ( لسان العرب لابن منظور ، ج10/ 111، 112 ).

ماهو الذوق؟

الذوق اصطلاحًا : فيعرف بأنه استعداد خاص يهيئ صاحبه لتقدير الجمال، والاستمتاع به ومحاكاته بقدر ما يستطيع في أعماله وأقواله وأفكاره، ولا ريب أن الوجدان الحى هو أهم عنصر من عناصر الذوق السليم، وإن كان لعنصرى الإدراك والإرادة فيه شأن يذكر، ولذلك كان تهذيب الوجدان وتنمية عاطفة محبة الجمال من خير الوسائل لتقوية الأذواق وتهذيبها ” ( دراسات في علم النفس الأدبي: د حامد عبد القادر، المطبعة النموذجية، القاهرة، 1949، ص 154)، وهو أيضا في معناه النهائي ” تلك الطاقة النقدية التى تقوم على الاستعداد الفطرى وتكتسب فعاليتها العملية بالدربة الطويلة ، وهذه الدربة في مظهرها العملى ليست سوى ثقافة الناقد الأدبي الفعالة في نهاية المطاف ” ( نصوص من النقد العربي القديم : د محمود الربيعى ، ص14) ، وهذا يعنى أنه ملكة وموهبة تختلف من شخص لآخر أو إن شئت قلت هو الذي يميز متلقى من متلق آخر ، فالناس تختلف في تذوق النصوص الأدبية وتتفاوت، ليس النصوص الأدبية فقط، ولكن الجمال أيضا سواء كان إبداع رباني أم إبداع بشري.

النقد هو حلقة وصل بين النص والقارئ

النقد خلق صلة بين النص الإبداعي والقارئ، ومن مهمته أيضا تفسير العمل الأدبي حتى يزيد من عملتى الفهم والتذوق لدى المتلقي، فالذوق يساعد المتلقى على فهم النصوص الإبداعية، وعلى فهم النقد أيضًا ، أو إن شئت قلت يساعد الناقد فى عمله ، ويجعل طريق المرور إلى النص الأدبي معبدا تماما أمام القارئ .

الذوق هذا هو الذي يجعل الناس مختلفين في الحكم على الشئ الواحد ” فباطل الأباطيل أن يحس جماعة من البشر إحساسًا واحدًا، إنه خلط قبيح، إنه إذلال كل فرد لطاغوت مكذوب يقال له الجماعة، كل امرئ منا له حس منفرد، والذي يجمع البشر في هذه الحياة هو هذه القضية المركبة: حس ينفرد به كل امرئ منهم يتجرد للإحساس بعالم واحد يتعايشون فيه، العالم الواحد هو الذي يربطهم،، لا تطابق إحساسهم تطابقا تامًا أو غير تام ” ( جمهرة مقالات الشيخ محمود شاكر، مكتبة الخانجى، القاهرة، ط1 ، 2003 م، جمعها عادل سليمان، ص 602 )، وفي التأكيد على الذاتية الفردية يقول جاريت : ” لأننا في تقديرنا لجمال الأشياء نستحضر كثيرا من معلوماتنا ، وعاداتنا الفكرية، وما يتصل بها من تجارب قد تختلف من فرد إلى فرد وتؤثر في تقدير الناس لجمال الأشياء ” ( فلسفة الجمال : أن . ن . جاريت، ترجمة  د عبد الحميد يونس ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1973 م ، ص 20 )

هل الذوق يلعب دورًا في فهم الأدب؟

إن ذوقنا الخاص أساس فهمنا للأدب، والأحكام النقدية التي تشي بالذوق وجدت عند الجاهليين كقولهم أشعر الناس امرئ القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طرب وأمثالها ( انظر النقد المنهجي عند العرب: د محمد مندور ، ص16 ، 17) ، وعبد القاهر الجرجاني وهو إمام البلاغيين وشيخهم يرى أن الذوق شرط لإدراك ما يريد من جوانب البلاغة ، ومن لم يؤت الذوق فلن يكشف بصره حجاب التفاضل بين جيد الكلام ورديئه ولن يدرك أسرار الجمال في نظم الكلام.

والذوق هو قوام منهج نقدى هو المنهج الفني، والمنهج الفني هو النقد الذي يقوم العمل الأدبي على أساس قيم فنية خالصة نابعة من العمل الشعري ذاته، وهو الاتجاه الأكثر مناسبة للفن الشعري ( انظر اتجاهات نقد الشعر في مصر : د عبد الواحد علام ، ص 22 ، 23)، والذوق له أهمية بالغة في نمو وتطور الحضارات، فكل حضارة بالغة تفقد دقة التذوق  تفقد معها أسباب بقائها ، والتذوق ليس قواما للآداب والفنون وحدها ، بل هو قوام لكل صناعة على اختلاف بابات ذلك كله وتباين أنواعه وضروبه ( انظر  : قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام لمحمود شاكر، ص 58 )

التذوق الأدبي يعزز الشعور بمتعة النص

والتذوق متعة يستمتع بها قارئ النص الأدبي من صور جمالية وتعبيرات ترتفع به من عالمه الأرضى إلى آفاق رحبة يجد فيها بغيته والقصيدة تبدأ في التكون الحقيقى من الللحظة التى يتلقاها  فيها المتلقى الخبير، إننا قد نحس بمتعة تذوق الشعر أكثر مما نحس بعبء تفسيره وتأويله، وقد نحس أن النص يحملنا على أجنحته أكثر مما نحمله على أكتافنا ” ( متعة تذوق الشعر، د أحمد درويش ، ص 5 )، والشعر دوما تتبعه اللذة التى يشعر بها القارئ حالة فهمه النص والشعر كلام ومتعته تنبع من أن ” الكلام صلف تياه لا يستجيب لكل إنسان ولا يصحب كل لسان، وخطره كثير، ومتعاطيه مغرور

وله أرن كأرن المهر وإباء كإباء الحرون، وزهو كزهو الملك، وخفق كخفق البرق ” ( الإمتاع والمؤانسة ، أبو حيان التوحيدى ، ج1/ 9 ، تحقيق أحمد أمين، وأحمد الزين، منشورا ، دار مكتبة الحياة.)، وأداة رصد الأثر الفنى هى الذوق، والنقد الحديث تطور في مجالات عديدة وهذا جعل النظرة النقدية كألوان الطيف تأخذ من كل شئ ما تحتاج إليه فتنتفع بالدراسات النفسية والاجتماعية والأخلاقية والدينية والذوقية والجمالية ( مقالات في اللغة والأدب : تمام حسان ج1/ 343، عالم الكتب ، ط1   ، 2006م ).

خلاصة

نخلص من هذا كله أن الذوق هو ملكة فطرية ينمى بالعلم وكثرة القراءة ومتابعة النصوص، ورؤية الجمال الفني والاستمتاع به وأرى أن الذوق هو حلقة الوصل بين المبدع ومتلقي نصه، عن طريقه يستطيع المتلقى والناقد استكناه ما بالنص الأدبي من صور فنية مبدعة  ويستمتع بالجمال الفنى، والذي يفقد حاسة الذوق الفني لا يستطيع تذوق الجمال، أو يتساوى معه الجمال والقبح .الذوق وأثره على عملية التلقى

بقلم: د. محمد راضي محمد الباز الشيخ

أضف تعليقك هنا