رحيل (بنت الطنايا) وَ (أم السناعيس) مريفة الشمري!

لا شيء أشدّ ألماً من الفراق و الرحيل..ويشتد الألم والحزن إذا كان الراحل هو أصدق محب لنا..ويعظم الأمر ويكبر الحزن إذا كان الرحيل والفراق فراق أبدي .. ويعم الحزن أكثر إذا كان الراحل له سيرة عطرة مفعمة بالحب والتضحية..وتصل الفاجعة منتهاها وذروتها إذا كان الراحل هي الأم!. ( رحيل (بنت الطنايا) وَ (أم السناعيس) مريفة الشمري). (اقرأ المزيد من المقالات على موقع مقال من قسم أعلام الرجال).

فرحيل الأم غصة قلب لا تموت حتى نموت ، وموت الأم فاجعة لكلّ الأبناء حيث سيختل عمود الحياة ، وشبه انتهاء للسعادة ، وسيغلق باب من أبواب الجنة . خاصة إذا كان رحيل الأم بعد رحيل أبٌ شهم و أخٌ مات في عزِّ شبابه وعطاءه . هنا يأتي الموقف برسالة مبطنة محتواها لا مجال للضعف فقد رحل الأعمق حبًّا والأصدق قولاً والأكثر خوفاً وحرصًا !! نعم هذه سنة الحياة وأمر ربنا جلّ في علاه ولا نقول إلاّ ما يرضيه سبحانه انا لله وانا اليه راجعـون واليه الأمر مبتدآه ومنتهاه.

رحيل بنت الطنايا “مريفة الشمري” 

بالأمس القريب رحلت عن هذه الدنيا بنت الطنايا ” مريفة الشمري ” إحدى النساء الفاضلات .. رحلت مربية ولا كل المربيات ، رحلت امرأة بألف رجل .. ولا أبالغ ان قلت أنها لم تكن امرأة فحسب ! بل جامعة خرَّجت أجيال ورجال أكفاء .. ” سناعيس ” صدقوا ما عاهدوا الله عليه نحو دينهم و وطنهم ومجتمعهم نهلوا منها الأدب قبل العلم ، والعمل بعد العلم.

مكانة مريفة الشمري؟

أنها حرم المغفور له بإذن الله خاتم الغيثي الشمري .. فرغم انها عاشت جلّ عمرها متغربة عن وطنها الأم ( حائل ) إلاّ ان ذلك لم يحول بينها وبين أن تكون نعم الأم ، البارة بزوجها والمربية الفاضلة لأبنائها ، والأخت لصاحباتها وجيرانها .. حتى عادت بعد أكثر من 40 سنة لمدينتها ( حائل ) واهلها مؤخراً ويتوفاها الله راضية مرضية بإذن الله .. ماتت ولن تموت سيرتها العطرة ، وذكرها الطيب .. فهي أرض طيبة أنبتت لنا رجال كالأشجار , ثابتين في مواقفهم ، وحسن طلعهم ، تفيأ أبنائنا بظلالهم ، وجنوا من ثمارهم الأدب قبل العلم.

اشجارٌ اعتنت بها وسقتها بكل ما تملك حتى بالدموع على من فارق الحياة قبلها في عزّ شبابه وعطاءه .. ومن هذه الأشجار الزكية على سبيل المثال لا الحصر حتى لا أطيل وإلاّ فكلهم طلعه نضيد و فريد .. ( صالح و عبدالرحمن و راشد و عبدالله رحمه الله … ) فـصالح و راشد من خيرة رجال القوات المسلحة ويحملون رتباً عسكرية يستحقونها ، خدموا دينهم ويذودون عن وطنهم بقوة وبسالة .. وعبدالرحمن وعبدالله رحمه الله سخروا كل جهدهم في تعليم أبناءنا العلم والأدب وكانوا لا يقومون بالتدريس فقط . بل بدور الآباء في حرصهم و متابعتهم لأبنائنا في كل صغيرة وكبيرة . سواء أثناء التدريس أو عندما تولوا قيادة المدارس  كا مدراء .

نِعم الرجال هم ، ونعِم الأب أبوهم ، ونعِم الأم أمهم ، فقد كانوا لي شخصيا أخوان وأصدقاء وزملاء دراسة ولم تغيرهم  مناصبهم ، لا عليّ ولا على كل من يعرفهم . حفظ الله الحي ، ورحم الله الميت برحمته الواسعة .. ولهم منَّا ومن وطنهم ومجتمعهم كل الشكر و التقدير على ما قدموه وعسى أن يجعله في ميزان حسناتهم ويرحم والديهم الـلذان احسن تربيتهم . وفي هذه المناسبة الحزينة وفي هذا المصاب الجلل دعوني في هذه السطور القليلة أن أودعها بلسان حال أبناءها البررة . وبلسان حال كل أقاربها وذويها رجالاً ونساءً وكباراً وأطفالاً فـــ أقول لها.

رسالة إلى مريفة الشمري

قد مضى وقتاً كنّا فيه أهلك وإخوانكِ وأبناءك و أحفادك وأصدقائكِ وطلابكِ ، وعزيزاً علينا أن نودِّعَكِ وأن نعطيَكِ حقَّكِ من الإجلال والتقدير بدمعةٍ نذرِفُها بلحظةِ الوداع ، فإنْ ماتَ جسدُكِ – أيتها الحبيبة – فرُوحُكِ ستبقى ثروةً لنا وللأجيال التي نشأتْ وترعرعتْ في أحضانِكِ ؛ فهنيئاً لكِ – أيتها الأم الحبيبة – ما اختَرْتِهِ لنفسِكِ من طريقٍ سلكتيه بكلِّ عزمٍ وإرادةٍ حتى وصلتي إلى نهايته ، فقد أحلتِ الجهلَ علماً والظلامَ نوراً ، فقد عرفك الأبناءُ أُمّاً مُحِبَّةً ، وعرفكِ الأحفاد معلمةً وديعةً ، وعرفَكِ الكبارُ فأكبروا فيكِ حُسنَ الخُلُقِ وبشاشةَ الوجهِ ؛ فقد منحْتِ كلَّ مَن كان تربطكِ بهم صلةٌ رحمةً وإحساناً وعطفاً وحناناً.

لقد كنتِ نبع لا يجف ولا ينضب حتى رحلت روحكِ لبارئها

لقد كُنتِ مربيةً وأكبرَ من مربية ، كُنتِ وحدَكِ أستاذة في الأخلاق والقيم ، عاهدتِ نفسَكِ على إنجازِ عملٍ عظيمٍ في تربية النشء فأنجزتِه ورَحَلتي صامتةً دون ضجيج . لقد كنتي كالنبع المصفى الذي نرتوي منه حين تحيط بنا جفاف المشاعر من كل ألمحيطين بنا , لقد كنتِ نبعٌ لا يجف ولا ينضب حتى رحلت روحك لبارئها فإلى جَنّات الخُلد يا أم المكارم والاخلاق سِرتِ بإذن الله ونحن على إثرِك قادمين لا محالة وعسى أن نجتمع بكِ في جنات النعيم .. سائلين المولى سبحانه أن يتقبلكِ عنده القبول الحسن ويتغمّدك برحمته ومغفرته الواسعة ، وأن يحسن عزاء أبنائك وذويك ومحبّيك ويرزقهم الصبر والسلوان .

رحم الله أرواحاً لا تعوَّض ولا تولد مرة أخرى ..رحم الله ضحكات لا تُنسى، وملامح لا تغيب عن البال، وحديثاً اشتقنا لسماعه. رحم الله من عشنا معهم أجمل السنين، وهزنا إليهم الحنين. رحم الله كل روح غالية تحت الثرى..اللهم برِّدْ علـى قبـور موتانا ببرد الجنة وارحمهم برحمتك يا رب العالمين.

فيديو مقال رحيل (بنت الطنايا) وَ (أم السناعيس) مريفة الشمري!

أضف تعليقك هنا