فصل المنازعات الإرثية في بلاد يوربا

نيجيريا دولتي ويوربا قبيلتي التي أنتمي إليها وأعتز بها دائمًا، أن كنت من مواليد إبورن (iponrin) بولاية كواراه بنيجيريا أرض تمركز  بها بوربيون أقحاح وناشئًا بأيجيبو في ولاية لاغوس ، منطقة من مناطق بوربين كل هذه الصفات لا تمنعني من ذكر ماعلى اليوربين من أمور رغبة في التحسين إذ أنا كاتب موضوعي.

حقائق ووقائع

من الحقائق الثابتة التي لا تقبل الإنكار ولا تعترض للارتياب أن لكل أمة ما تستأثر به من العادات الحسنة والسيئة معًا، فقد بعث الله الأنبياء والرسل إلى كل أمة ليقوموا في موقف من يؤيد ما استحسن من العادات ويحاربوا ما استقبح داعين إلى الخير آمرين بالمعرون ناهين عن المنكر، لكنهم لم يستطيعوا أن يسدوا تحقق سنة الله الكونية على الأمم في تعذر تجرد المجتمع من الذين يبقون على المنهج الزائغ والسبيل المعوج ممن لا يتأثرون بدعوة داعٍ مشفق ولا ينتفعون بها.

كيف يتعامل اليوربيون بتركات موتاهم؟

يوربا بصفة شعب من الشعوب الحية في نيجيريا، لها من العادات بخصوص تعاملهم مع تركات موتاهم ما لا يرتضي به الخالق، وليست بما لذي المروءة لائق، كما لها ما استحسنت واستطابت من تلك العادات. لكن، يهمني في هذا الصدد تعامل معظم يوربيين القبيح تجاه تركات الميتين؛ لأنه هو المفتقر بشكل مسيس للتغير والتحسن.

يتعامل معظم اليوربيين بتركات موتاهم بطرق يأباها الرحمن وأوجه يجابهها الإسلام، فهذه الطرق والأوجه حسب استقرائي وتتبعي تتمثل في ست نقاط: الغصب، سوء التدبير، جحد الحق، الادعاء الكاذب، الظلم، تحكيم التقاليد الجاهلية. فدونك أيها القارئ صورا لتلك الطرق والأوجه على حدة.

كيف يحصل الظلم في الترِكة؟

يعتاد أصحابنا من الذين لا يستحقون شيئا من التركة غالبا الِاسْتِيلَاء عَلَى نصيب المستحقين على وجه العُدْوَان والقهر والغصب؛ بما وجدوا الورثة ضعافا غير قادرين على معارضتهم؛ لخوفهم من التعرض للاغتيال أو الإصابة بالوباء عن طريق السحر والشعوذة أو الالتحاق بالأضرار منهم غاضّين النظر عمّا تقرر عند الفقهاء اتفاقا أن ملكية التركة تنتقل للورثة مباشرة موت المورث اللهم إلا إذا تعلق بها حق لآخر مثل الدين أو الوصية أو نحوهما؛ فلا تنتقل إلا بعد وفائه عند المالكية غير أن انتقالها يكون قبل سداد الحق مع تعلقها بذلك الحق عند الشافعية والحنابلة في أشهر الروايتين. إذن، امتلاكهم للتركة بهذا الشكل غير صحيح ومعرّض لعذاب الله – عز وجل- لما كان بدون رضى مالكيها الجدد أي الورثة.[1]

لا بد من وجود رادع ديني وروحي يمنع من الظلم في توزيع التركة

اشتهر بين قومنا أيضا طبيعة سوء التدبير تجاه تركة الميت، ويأتي هذا عادة من أولياء اليتامى أو وكلاء الورثة أو نحوهم. فمن وجد نفسه في هذا المقام فليتق الله في أولئك الضعاف، وليدّكر دائما وعيده – عز وجل – الواقع على من أكل مال اليتامى ظلما وأنهم يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا. المنهج المتبع في حق أولياء اليتامى ونظائرهم ألا يحجز لنفسه شيئا من التركة إن كان غنيا، وأنّ له أكله بالمعروف الذي قد يكون بالقرض الحسن أو أخذ أجرة المثل مقابل عمله من التركة أو ما دون أجرة المثل مما يعادل حاجته في القدر إن لم يكن غنيا، وأن يلتزم الشفافية طول عمليته التدبيرية.[2]

قال تعالى:

وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا[3]

من قبل من يتم جحد الحقوق؟

يكون حجد الحقوق من الذين يثق بهم المورّث قبل موته من الدائنين والوكلاء والشركاء من الذين بينهم وبينه حقوق لا يعرف عنها طرف ثالث، ولا يكتب المورث وصية في شأنها. ويأتي هذا في الأغلب من الأزواج اللاتي أخصهن أزواجهن بالإشعار بملكه لعقار معين فتخفينه عن سائر الورثة، وقد يكون منهم الأب والأم اللذان لا يتوقع عدم استحقاق كل منهما لشيء منه بما يرثان في كل حال. وقد حثنا الإسلام على إصدار الوصية وإقامة البينة في شأن كل ما كان للمرء أو عليه من الحقوق الخفية لئلا تضيع الحقوق قبل الموت وبعده.[4]
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (ما حق امرئ مسلم يبيتُ ليلتين إلا ووصيتُه مكتوبةٌ عنده).[5]

كيف يتم التلاعب بأحقية الوارث من قبل البعض؟

ثم إن معظم أصحابنا يعتقدون أن لكل أقرباء الميت نصيباً من التركة بغض النظر عن مبدأ الحجب في الشرع الحنيف؛ فكان يظهر منهم مدّعون كذّابون بحق من التركة بعد وفاة المورث، كأن يدعي العم أو الأخ أو نحوهما بنصيب من التركة مع وجود الأب أو الابن مما يعتبر ادعاء كاذبا في النظر الإسلامي، تفنيدا لهذا الادعاء يجب أن يستقر في أذهان العموم أنه إذا وجد جميع الورثة من الأب والابن والجد والعم وابن الابن وابن الأخ وابن العم والزوج والمعتق والأم والبنت والأخت والعمة والجدة والمعتقة فلا يرث إلا خمسة فهم الأب والأم والولد والبنت وأحد الزوجين لاستحالة وجودهما في مسألة واحد بعد انتفاء كل الموانع فيهم التي هي القتل والرقّ واختلاف دينه لدين المورث.

يلزم من هذا ضرورية استفتاء كل من يعتقد استحقاقه لشيء من التركة من غير الخمسة أهل العلم ممن يثق به قبل تصديقه لما يتوهم، وإن ظهر له بعدُ عدم استحقاق شيء من الورثة فليس له إلا أن يستشفّ وصية المورث؛ ليعرف حقيقة استحقاقه لشيء من التركة بالوصية فيطالب به وإلا فلا يجوز أن يناله شيء من التركة إلا عن طريق بدل أو تبرع غير مقترن بشيء مما ينافي رضى الطرفين.[6]

يكون ذلك التعامل السيء طورا بين الورثة المستحقين بأن كان طريقة تقسيم التركة بينهم بعيدة كل البعد عن العدالة التي يدعو إليه الإسلام دائما، فينال الصغار أو الضعاف منهم دون ما يناله الأقوياء منهم أو يستولي أكبرهم على معظم التركة ويأذن لمن بعده امتلاك القدر القليل المتبقي منها. فهذا ظلم بواح لا يرحب به الإسلام من أي وجه. فإن فروع المورث على درجة واحدة على حد النظام الشرعي غير أن الذكر ينال مثل حظ الأنثيين كما يقتضيه العدالة عند المنصفين بما أن الرجال مقلدون بأعباء رعاية الأسرة وقوام البيت خلافا للنساء. ويتم تحقق العدالة بين الورثة بمراجعة الخبراء الشرعيين ليتولى التقسيم على ضوء النظام الإسلامي فيجعل لكل منهم نصيبه بلا زيادة ولا نقصان.[7]

ماهي الطرق اليوربية لتقسيم التركة؟

لنعلم أن هناك طرقًا تقليدية يوروبية لتقسيم التركة وكل واحد من تلك الطرق له حظه من التقديس بين مختلف قبائل يوربا يجعلونها في مقام دستور سماوي وما أنزل الله بها من سلطان فأشهر تلك الطرق طريقة أورأوجوري (oriojori) وطريقة إديغي (idigi) وطريقة التقسيم بوصية المورث،  تعنى كلمة أورأوجوري الرأس لا يجاوز الرأس ويقتضي هذا المفهوم أن جميع الورثة لهم أنصباء متساوية من التركة بلا مفاضلة بعضهم على بعض ذكورهم وإناثهم صغيرهم وكبيرهم. وتعني إديغي جذور الشجرة فيكون تقسيم التركة باقتضاء هذه الطريقة بجعل الورثة من الأولاد تابعين لأمهاتهم فيما ينالونه من التركة غير مستقلين فينال عشرة أبناء لأم واحدة مثل القدر الذي يناله ابن واحد لم يكن له أخ شقيق.

تم الإشارة إلى الطريقتين في دعوى داود ضد دنملي المحكي في تقرير قانوني لدولة نيجيريا.[8] وتغلغلت طريقة التقسيم بالوصية إلينا عن طريق الغرب وهي الطريقة التي يعتادها معظم المثقفون في بلادنا وتكون بتولي المورث نفسه تقسيم تركته في وصية يجعلها عند محاميه وليس هناك عيب في الوصية بقسمة التركة بعينها وإنما النكران في أنها تكون في الغالب معتمدة على مشيئة المورث وهواه بعيدة عن تطبيق تلك القسمة العادلة التي وضعها الشارع لما يتأثر صاحب الوصية بضغط المحاباة لا بهدي القرآن خلال ذلك. فهذا كله من باب الحكم بغير ما أنزل الله الذي ينهانا الإسلام عنه دائما.[9]

شواهد قرآنية

قال تعالى:

أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[10]

وقال أيضا:

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[11]

وذكر الله تعالى أيضاً في سياق بيان ضرورة الالتزام بالنظام الإسلامي عند تقسيم التركة:

تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ[12]

ولأن باتباع النظام الإسلامي يتم إعطاء كل وارثه حقه الذي أعطاه الله كما ثبت في حديث أبي أمامة: ( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث).[13]

هل قد أُجيز تقسيم التركة بغير النظام الإسلامي؟

لقد أجاز بعضهم تقسيم التركة بين الورثة بغير النظام الإسلامي إذا كانوا جميعا بالغين عاقلين راشدين ووقع ذلك بالتراضي منهم جميعا الذي لم يشب بإكراه ولا إلجاء ولا حياء أو شيء من نواقضه وما كان تصرفهم هذا نتيجة بغضهم أو كرههم للنظام الإسلامي أو نتيجة تفضيلهم لنظام آخر على النظام الإسلامي لصحة قول أحد الوارثين لصاحبه تركت حقي من التركة لك أو صالحتك من نصيبي على هذا الشيء وبقاء حقه كما قال إذا قبل صاحبه.[14]

أخيرًا، فإن تقسيم التركة من القضايا التي تتعرّض عادة للضجة والفوضى والاضطراب في المجتمع النيجيري اليوربي في الأمس واليوم. ومستفاد مما مضى أن الإسلام به الحلول الناجعة للقضاء على كل الفوضويات الاجتماعية التي تتعلق بالتركة غير أن تعاليمه في الإرث تحتاج إلى البث والنشر إلى كل فرد وجماعة في الموقع الجغرافي النيجيري الجنوبي الذي هو مركز قبيلة يوربا؛ ليزيد حينا فحينا به الذين يقنعون بأهمية النظام الإسلامي في والإرث ويسلم مجتمعنا من اضطراباته شيئا فشيئا. ثم أقترح أيضا للحكومة النيجيرية فرض عقوبة وخيمة على كل من ادعى استحقاق شيء من التركة بغير حق وكل من وقع في إحدى الجنايات المتعلقة بالإرث كما حددناها مع انتفاء كل ما يصلح للعذر له من مظنات الاشتباه واحتمالات الاختلاط. فشكرا.

المصادر

[1] أبو النجا الحجاوي : الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، المحقق : عبد اللطيف محمد موسى السبكي، (بيروت، دار المعرفة)، 2/219-220؛ وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ : الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ، (دمشق ، دار الفكر)، 4/722-723.

[2]  ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، المحقق : سامي بن محمد سلامة، (دار طيبة للنشر والتوزيع 1999م)، 2/216 – 218؛ القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، (المكتبة الشاملة)، 5/35.

[3]  سورة النساء: 06.

[4]  راجع: سورة البقرة: 282؛ سورة النساء: 10.

[5]  أخرجه : البخاري 4/2 ( 2738 ) ، ومسلم 5/70 ( 1627 ) ( 1 ) و( 4 ).

[6] الفتاوى الهندية، (دار الفكر 1991م)، 5/221؛ أبو إسحاق الشيرازي : المهذب في فقه الإمام الشافعي، (بيروت) 1/327، 2/24-25، 310؛ النووي: روضة الطالبين وعمدة المفتين، (بيروت، المكتب الإسلامي 1405ه)، 2/110-111.

[7] الفتاوى الهندية، 4/214؛ ابن الملقن المصري: التذكرة في الفقه الشافعي، (المكتبة الشاملة)، 1/111-115؛ زكريا بن محمد الأنصاري : منهج الطلاب، (بيروت ، دار الكتب العلمية 1418ه)، 1/70.

[8] DAWODU V DANMOLE (1958) 3 FSC 46, (1962) 1 ALL NLR 702 (PC).

[9]  محمد بن محمد المختار الشنقيطي : شرح زاد المستقنع، (المكتبة الشاملة)، 205/15.

[10]  سورة المائدة : 50.

[11]  سورة المائدة : 44.

[12]  سورة النساء : 13-14.

[13]  أبو داؤد: السنن، رقم الحديث 2872.

[14] روضة الطالبين وعمدة المفتين، 4/196، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ، 6/202.

فيديو مقال فصل المنازعات الإرثية في بلاد يوربا

أضف تعليقك هنا