ماذا عن هندسة الفلسفة؟

منذ أهرامات الفراعنة نتحدث عن الهندسة على يد امحوتب وأول من فكروا بنحت أشياء الكون الجميلة بطريقة مبدعة و تواصلت مع اليونانين كطاليس وفيثاغور وثم رومانية ومع تواصل الحياة على الكوكب كان المهندسون أكثر إبداعًا و تصورًا لمعنى الوجود و كأنهم جلهم ذوو نظرة فلسفية لتفسير معنى الوجود.

كيف كان إنسان ماقبل عصر التنوير؟

كان إنسان ما قبل عصور التنوير وفلاسفة الملاحظة والتجربة يرى الكون واحدًا منبسطًا لا يتغير ولا يتحرك، من الواضح أيضًا أن الفلاسفة ما بعد الحركات لطلائعية و مولد النهضة و ما تلاها  أكدوا وقوع الأولين في أخطاء نظرا لافتقارهم لمع الفيزياء بشكله الحديث و جل العلوم الأخرى التي كانت تفتقر للموضوعية و العلمية بالمعنى الحديث، نسمع هذا في كل الزوايا، كيف للفلسفة أن تكون اما للعلوم وهي التي ساهمت في تفشي الخرافة والتي لم تكن علما صحيحا بمعنى أنه يقوم على الفرضية والملاحظة والتجربة ليرى الإنسان لاحقًا أن له السلطة المطلقة المتفردة على هذا الكون وانه القادر على اخضاع الكون لميكانيكاه الخاصة وبذلك يحقق الكونية التي ينشدها

لكن هل تساءل أحد منكم أي من الأمور لا يقوى عليها الإنسان؟

بعد الكوفيد ال19 اكثر إجابة سمعناها :«لا أعرف» لم يكن أحد ليعرف الإجابة عن مجهول صغير اقتحم عالمنا وأصبح كل الذي نعرفه هو اننا لا نعرف شيئا بالفعل، لكن واصل مهندسوا الصحة عملهم بحثا عن الإنجاز الحقيقي، “ربما الإنجاز الحقيقي سيأتي عندما نبدأ في إدراك الروابط بين الواقع والمعرفة وأعمالنا”[1].

في رد على انتقدات وجهت للفلسفة عن عدم جدواها على مستوى تطور العلوم وأنها كانت المتهم الأول في تأصيل الجهل قبل الانفجار العظيم عندما يقول العديدون في ثلب الفلسفة أنها فقط قائمة على الاعتقادات ووجهات النظر الخاطئة، في طرح ”لمائة سؤال وسؤال في الفلسفة” أهم الأسئلة كانت حوال العلم واليقين و بداهة العلوم العملية القائمة على “التكتيك” بلغة العلمال.

ورّثت لنا المعاصرة مدى ابتذال سؤال في ”هل يريد أحدنا ان يطل على كهف من الكهوف، أين يصنع الإنسان المُثل العليا؟” أي اننا اصبحنا لا نفتش عن سقراطٍ حكيم بل عن نيتشاويٍ محطم لأصنام المعايير القديمة، في الواقع نحن نبحث عن سوبرمان نيتشوي وقد وجده العلماء، إنه المهندس.

الإشعاع السيكو-فلسفي فيما يتعلق بالهندسة

يقال “هنداز” او “آب آنداز” و يقال “هندوز” من يقوم بفعل الهندزة اي عالم، مصمم ، محلل ، هو كل من يبني و يختبر الآلات و الأنظمة و المعادن و المباني لتحقيق العمل المطلوب ، عليه ان يكون مؤصلا و بشكل دقيق و مستمر لملكة الفهم و القدرة على الإشراف تقنيا و إداريا.

و يقال فيلسوف او محب للحكمة كل من آثار السؤال عن الوجود و الماهيات و من ثمة بحث عن سر الوجود و ابستيمولوجيا العلم لتأصيل مبادئ البحث الفلسفي و النقدي للعلم و لتكون جزءا من البحث العلمي من جهة القيم والممارسات بلغة أخرى ربما تشكل رادعا لكل التجاوزات خاصة الأخلاقية منها.

فيما يشتركان إذا؟

في مدونة شهيرة ‘’ لأساسيات الهندسة وما يتعلق بالهندسة الإنشائية’’ يلتقي المهندس بالفيلسوف من خلال التقاء ملكتي الفهم والابتكار، بصفة خاصة هو تلاقي مفاهيم  ‘”التعلم ” و ”النجاعة” و ”الاتقان”  و ”المهارة” ، و ربما تتعلق المسألة برمتها بالنشاط  أو بلغة أخرى الممارسة.

ما المطلوب من المهندس؟

التفكير بأن تكون مهندسًا لا يمكن ان يأخذ منك حيزا زمنيا مديدا، فيكفي ان تبرع في التعاليم والفيزياء والعلوم الحية واحيانا كثيرة غير ناجح في فهم السيكولوجيا أو الانثروبولوجيا أو الفلسفة  .

في الواقع تستطيع بذلك ان تطبق لاحقا ما درسته دون ان تساهم في ورقة واحدة تدعم البحث العلمي والتجديد.

انك فقط مهندس روبوت يقوم بالمهام التقليدية او في أبشع الأحوال منتحل صفة .

كيف يكون المهندس الناجح؟

الهندسة متعلقة بالمحيط والمفاهيم والصنع وتطوير المواد.

صحيح، كذلك هي علم يرتكز يف أسسه على المنهج الرياضي ، يبحث في الخطوط والسطوح و الزوايا و الكميات و المقادير المادية  للأغراض مهنية.

و المهم يكمن في مقابلة المهندس لمشكلات الاشتغال فهو في حاجة دائما للبحث عن مكان ملائم لوضع النافذة قبل ان يشرع في بناء الكوخ  لأن الهندسة يقول “غوته ”Goethe ” ”نوع من الموسيقى المتحجرة”.

و يبدوا ان تطبيق العلوم على ارض الواقع و تطويرها يحتاج بادئا ان يخدم الإنسان و هم اهم ما يتعلمه المشتغل بالهندسة و ثم تأتي لاحقا كل تلك المفاهيم التابعة للجانب العملي، فالمهم هو نشاطها العقلي و الممارساتي ، والتي لا يمكن ان نتخيل مهندسا من دونها.

هندسة القوانين والأنظمة

من الهندسة الكهربائية و الجيوتكتيكية و هندسة الحاسوب و النظم و الهندسة الإلكترونية الحيوية الى الهندسة المائية كلها تجمعها الرياضيات و الفيزياء لكن في الحقيقة “تعتبر الهندسة قسما من كل ما نقوم به دوريا ذاك الماء الذي نشربه والطعام الذي نتناوله ، و مبانينا التي نقوم ببنائها والعيش فيها والطرق والسكك الحديدية التي نهيئها لنسير عليها. في كتابه “Engineering:A very short introduction”  يستكشف ديفيد بلوكلي طبيعة وممارسة الهندسة وتاريخها ونطاقها وعلاقتها بالفن والحرف والعلوم والتكنولوجيا. ليكون  دور الهندسة في العالم الحديث بحثا قطبيا لتقديم حلول عملية ومقبولة اجتماعيا ، ويستكشف لاحقا  كيف يستخدم المهندسون الظواهر الطبيعية لاحتضان الاحتياجات البشرية”.

لم الحاجة للفلسفة إذا؟

لقد أرسى العلم الصبغة الصارمة على الهندسة لما تحمله من أهمية في المواقع الاستراتيجية كالعسكرية و العلمية التي جعلها  العلم الصناعي فعالة فيه و كذلك اصبحت قوة  داخل السياسة الانتاجية و ما لها من مزايا تكتيكية على المستوى الخبري

بإختصار لقد تم ضم و دمغجة المهندس على اساس مبدأين للحكم السياسي :

شعارها النخبوية والجدارة ، في جزئية ما أثناء الحروب الاولى و الثانية  فيتم اختيارهم حسب الذكاء والصفات الاستثنائية التي يملكها.

كما مكنت الثورة الصناعية المهندسين من النصف الاول من القرن 19 من مميزات إجتماعية هامة على إثرها أصبحوا اندادا للنبلاء نظرا لخدمتهم الصالح العام و هذا كان سائدا في المجتمع الفرنسي في نفس القرن و تواتر للقرون الآنفة نظرا لما ترتبط به من وازع اقتصادي يقوم على تطوير الدولة و تقوية اقتصادها  و بالأساس لها طابع صارم و تحت ترتيب محدد لانها تعد مرتبة شرف و لها نظامها حتى في ما يرتديه الطالب وفي الواقع هي مسألة تحدث عنها [3]‘كلود هنري” في نظريته الاجتماعية-الاقتصادية و السياسية تكمن غايتها الأساسية في : محاربة الانظام و ذلك يتم بالرياضيات على الاساس[4].

يمكن أن نعتبر أن كل شيء داخل المسألة وضعي: النزعة، العلم وأساسًا الفلسفة..

النسقية الفلسفية: الفلسفة التحليلية أو هندسة الفلسفة

في الفلسفة ” التحليلية “D.Davisholm “دفيدشولم”  و “D.Armastrong” ”ارماسترونغ” و “H.Putnam” ”بوتنام”و ”كريبك””S.Kripke”و”سورل” “J.Searle” مع يعتبرون جزءا كبيرا من الفلسفة التحليلية الجديدة المرتبطة بالمعرفة الوضعية تعود الى مبدأ المعرفة العلمية و هي جزءا منها و تتتمي الى العلم اكثر منها من الفلسفةو هي استعمال للمنطق و تحليل للغة العادية لبلورة معارف تساعد العلماء و المهندسين و الاطباء لفهم الكون و الواقع .

مع B. Russell’’’راسل”و”رورتي”’’R.Rorty” نتحدث عن  نزعة جديدة لتنقية الرواسب القديمة و بالتالي إضفاء صبغة علمية على الفلسفة.[5].

الطريقة الحقيقية ، في الفلسفة كما في العلم ، ستكون عملية ودقيقة ، ولن تفترض أنه من واجب كل فيلسوف حل كل مشكلة بمفرده. هذه هي الطريقة التي تلهم الواقعية التحليلية وهي الطريقة الوحيدة ، إذا لم أكن مخطئًا ، والتي ستسمح للفلسفة بالحصول على نتائج قوية مثل نتائج العلوم[6].

مع ”A. Comte””اوقْيست كونت” قدمت الوضعية حلا علميا ناجعا تطبق على الانسان والعلم والفلسفة وهي ما يسمى بالعلم الصحيح الذي يخضع جميع الظواهر لنسقه فقد مر العلم ب 3 لحظات آخرها المرحلة الوضعية التي ستشكل عنده اللحظة العلمية و التي سينبني عليها التوجه العلمي الجديد للفلسفة.

كيف يمكن ان تكون فيلسوفا ولا تدافع على ما انجر من الثورة الصناعية من نتائج وخيمة على المستوى الانساني و الخروقات التي حدثت منذ الوقت؟

في الواقع  مواليد  الاجيال الأخيرة(Y) (X) و (Z)و تؤمن بالانفتاح الاقتصادي والثقافي والعلمي خاصة، أجيال تبنت  افكار العالمية وكونية الهوية و تربت على الحان الفكر الرافض للنمطية ، لقد شهدنا طور العلم بشكل واضح منذ الإنفجار العظيم تأكدت لنا أن البشرية جمعاء باتت تبحث عن حلول أرضية لنقول بأن هناك مواطن عالمي يقطن هذا الركن من من العالم و أنه عالم أو فيلسوف أو إنسان عادي تعلم أن يعيش حياته ببساطة يستعمل وسائل علمية و خطابات فلسفية دون ان يدري مرجعها.

بالتأكيد لم يعد احد بهذه السذاجة ينكر ما فعله فتح العلم على البشرية و التقنية و الشبكات التي تربط هذا العالم و اننا المستفيدون الأول من كل هذا، و يبدوا واقعا ان لا احد عليه نكرانه، أجيال حس القيم و الشعور بالكونية و السرعة و الأصالة و خاصة إتقان المهارات مع ظهور ركبي الصناعة و التكنولوجيا.

الفترة التي ازدهرت فيها الفلسفة مؤخرا حينما لم تعد ام العلوم بل أصبحت فرعا من فروعها .لانها تبحث عن ”الصحيح” بمعنى « le vraie » ونعود الى المنطق بوصفه أداة للتفلسف الصحيح و كشف الاخطاء.

واذا ما ربطناها بالهندسة فهي هندسة الأفكار والقواعد بطريقة سقراط الذي يبحث عن الواضح ومن ثمة يثبت ارسطو دور الجدل (الديالكتيك)، والذي يعتبره أرسطو شكلًا مهمًّا من أشكال الاستدلال غير العلمي في عصره. فالجدل، كما هو العلم ”epistêmê”يتعامل بالاستنتاج المنطقي، لبينما للعلم مقدّمات منطقية تتجاوز منطق الاستدلال الجدلي الاعتيادي؛ و من جهة اخرى يعتمد العلم على مقدّمات ضرورية ومن المعلوم أنّها ضرورية، يمكن للقضايا المنطقية أن تنطلق من مسلمات واضحة و تنبني على تحليل صارم لمختلف دلالتها، فلا يمكنه أن يزعم بموثوقيته إلّا وفقًا لمدى موثوقية المسلّمات التي يعتمد عليها،اي بداهتها ».

بما أصبحت الفلسفة أقرب إلى الهندسة؟

كتب “فيتغنشتاين”’ “Wittgenstein)1918) بأن مهمة الفلسفة أولًا وآخراً هي عملية تتوجه لتنقية الفكر المنطقي واتبع منطق ” W.V.O.Quine  ان عمل كل علم هو اللحاق خلف الحقيقة[8]. فإلى جانب الحقيقة يوجد الخطأ و هما العنصران الأساسيين عنده لما يشيران اليه من معايير النظام و القياس الرياضي و التجربة العينية و ما يليها من قياس بمعنى اخر البرهان  .

فيتغنشتاين كان مهندسا بارعا لكنه عُرف بالفلسفة في نظره الفلسفة هندسة مفاهيم مثلها مثل علم الهندسة لكن بشكل أساسي تنظم أفكارنا وتبلورها .

أكدت لنا انثروبولوجبا القرن الماضي مدى استيعابها للإنسان من جهتين تقوم بالاشتغال بالرياضيات و المنطق و الجغرافيا و علم الآثار و اللغات و علم الإجتماع و الطب التشريحي لمعرفة أجيال الإنسان و ما يسمى بالكودات الجينية(DNA).

وحدها الرياضيات والعلوم منها المنطق كفيلة بأن تجعل الإنسان مهندس بالمعنى العملي و بذلك لا يمكن أن نكتب مقالا عن كيفية التخلص من الناس الذين لا يفكرون أو أن نُشرِّع بقتلهم و لا نكون دويستوفسكيين بالمعنى النيتشوي أي بمعنى إرادة القوة في الجريمة و العقاب عندما شرّع دويستوفسكي لبطله بقتل العجوز لأنه لا جدوى لبقائها على قيد الحياة و لا نقلب الأمور و نجعلها معقدة و لنكن بذلك خلافاء للأبيقوريين و الرواقيين و من ثمة اخوان الصفاء و الفلسفة السيناوية و الرشدية و لنخلق بالفلسفة التحليلية معنى جديدا للوجود.

و من يستطيع ان يقول على الفلسفة بانها خليعة العلم بعد اليوم؟

يبدوا أنها على مر العقود الأخيرة اثبتت جدواها في التحليل اللغوي للمراجعة العلمية و بعد تلافي المشكل اللغوي القائم  تمكن محللوا القرن 20 من الإلمام بالمشكل و لم تعد إذا وظيفة الفلسفة مجرد تحليل لكن أصبحت  نشاطا قائما بذاته داخل النشاط العلمي يقوم بدوره في مراجعة لغة العلم و اقصاء الشوائب.

الهندسة اذا في جزء مهم منها نشاط عقلي تتشاركه و الفلسفة فيكفي شرفًا أن يكون المهندس صاحب نظرة نقدية لعمله  و رؤية ممتدة و مدى سعييها لحياة لتزيين حياتنا عدا ذلك قدرته في طرح الأسئلة ستستمد في الحقيقة من روحه المبدعة التي تتوق لطرح الأسئلة التي هي من شيم الرَوح الفلسفي.

فيديو مقال ماذا عن هندسة الفلسفة؟

 

أضف تعليقك هنا