نهاية براءة – #قصة

يا بُنيّْ اذهب واخلد إلى النَّوم، فغداً أوَّلُ يومٍ من العام الدِّراسي ويجب أن تستيقظ باكراً للذَّهاب إلى المدرسة، عليك أن تكون مرتاحاً ونال جسدك حقَّه بشكلٍ وافٍ وبذلك يكون ذِهنك صافياً أيضاً، كما تعلم أنَّك ستذهب معي إلى العمل بعد عودتك من المدرسة لأنَّ أخاك الكبير قد انتقل إلى دمشق لدراسة الجامعة ويجب أن تأخذ مكانه. (قصة براءة طفل). (اقرأ المزيد من المقالات على موقع مقال من قسم قصة).

قصة براءة طفل

ردَّ الطِّفل البالغ من العمر اثنيْ عشرةَ عاماً سائلاً أباه: يا أبتي هل تعني أنِّي إذا ذهبتُ معك إلى العمل كلَّ يومٍ بعد المدرسة أُصبِحُ رجلاً مثلك؟ ذُهِل الأبُ من سؤال ابنه وأجابه بكُلِّ حماس: نعم يا ولدي، ستصبح مثلي بل أفضل منِّي فقد كبُرتَ وأصبحتَ شابَّاً وآن الأوان لتكونَ صاحب قرارٍ ومسؤول ولديك مهمَّات تؤديها لأهلِ بيتك وعائلتك إضافةً لاجتهادك في دراستك وتحصيل ما لم أستطِع أنا تحصيلهُ عندما كنتُ في سنِّك.

ذهب الولد إلى فراشه وكلام أبيه يتردَّدُ في أذنيه مُفكِّراً بهِ وبما سيليه وكيف سيحملُ ويؤدِّي تلك المهمَّة الَّتي كُلِّفَ بها لمُجرَّدِ أن يُصبح بمقام الرَّجل الكبير ويكون مثل أبيه وهذا أكبر دليل على براءة الطِّفل، لا يُدرك الطِّفلُ المقصود من قول أبيه وما هي أبعاده، إنَّما ساقته رغبةٌ من داخِله وبدأ تلقائيَّاً يُفكِّرُ ويرهِقُ نفسهُ ويحملُ المسؤوليَّة عن أبيه رويداً رويدا.

ما هي الرسالة التي أعطاها الأب لابنه وماذا كُتب فيها؟

بعد مرور ثلاثةِ أشهرٍ من الفصل الأول للعام الدِّراسي والطِّفل كُلَّ يومٍ بعد انتهاء دوامهِ المدرسيّْ كان يذهب مع أبيهِ للعمل، جلس أباهُ بهيئةٍ غير معتادة وكان يضعُ يده على صدرِهِ ويُشيرُ لابنهِ بأن يأتي إليه مباشرةً ويومئ إلى جيبه، استغرب واندهش الولد فزِعاً وصرخَ بصوتٍ عالٍ: أبي! ماذا جرى لك، هل أنت مُتعَب؟! فلم يجِب والده قط، إنَّما استمرَّ بالنَّظرِ إلى جيبهِ حتَّى أدركَ الولدُ أنَّهُ يجب أن يُخرِجَ ما بجيبِ أبيهِ ظانَّاً بأنَّهُ دواء يأخذهُ للعلاج أو ما شابه ذلك، مدَّ الطِّفلُ يدَهُ إلى جيبِ أبيه وإذ بورقةٍ مطوِيَّةٍ تفوحُ منها رائحةُ مسكٍ زكيَّة ومرسومٌ عليها شخصياتٌ وهميَّة تعبِّرُ عن عائلةٍ كاملة وقدْ رُسِمت بيد الوالد، فسألَ الطِّفلُ أباه: يا أبتي ما هذا، أهوَ دواءٌ يجب أن أحضِرهُ لك من الصَّيدليَّة؟؟ فأشار الأبُ برأسِهِ للأعلى معبِّراً عن رفضِهِ ونطَقتْ عيونهُ لابنهِ بأن يفتحَ الورقة ويقرأها.

مضمون الرسالة

فتح الولدُ الورقة المعطَّرة وبدأ يقرأ:(بسم الله الرحمن الرحيم)” كيف حالكِ يا أمَّ زياد، كيف حالكم يا أولادي(زيا-ماهر-سعاد). أريد أن أخبِركم أنِّي أحبُّكم كثيراُ، أكثرَ من روحي الَّتي خرجت إلى السَّماء وأنتم تقرأون هذه الرِّسالة.أريدُ أن أخبِرَكم أيضاً أنِّي منذُ عشرةِ أعوام وأنا أعاني من مرضٍ في كبِدي ومعدَتي وأتناولُ علاجهُ بِخِفيةٍ عنكم، لكن زاد تأثيره سلباً في الآوِنةِ الأخيرة ولا بُدَّ أنَّكم لاحظتم ذلك وشكرتُ اللهَ في كلِّ مرَّةٍ على تجاوزي المحنة الَّتي أمرُّ بها كي لا أُضطرَّ للحديث عن هذا أمامكم، أمَّا الآن فأنا أخبِركم بنفسي حتَّى أريحَكم من التَّساؤلات حولَ الأمر وفي النِّهاية هذا قضاء الله تعالى ولا مَردَّ منه.

بالنِّسبة لك يا زياد فأنت كبيرُ إخوتك، أريدكَ أن تكمِلَ بِرَّكَ لي بمتابعةِ دراستكَ حتَّى تصبح طبياً، وأنت يا ماهر لك القسمُ الآخر من رسالتي الَّتي أعطيتك إياها في حياتي بأن تسعى جاهداً لتكونَ خليفتي بما أودعتُهُ لك وأن تتركَهُ في حالِ عدمِ مقدرتكَ على الاستمرارِ أو عندما يؤثِّرُ سلباً عليك، أمَّا أنتِ يا سعاد أتركُ لأُمِّكِ الكلام بعد الآن فهيَ أعلمُ بكِ منِّي وأخيراً أسألكم أن تكونوا محبِّين لبعضكم وأن تبقوا على صلةٍ ووداد وتَبرُّوني بطاعةِ ربِّكم أوَّلاً ثمَّ أمَّكمْ وأن تكونوا صالحين بدعائكم لي.”

ما هي العبرة التي أخذها الطفل من أبيه؟

ما إن أكملَ الولدُ قراءةَ الرِّسالة حتَّى كان من بجنبِهِ قدْ فارقَ الحياةَ مستمعاً لوصيَّتهِ بلسانِ ابنهِ الخليفة. هنا أدركَ ماهرُ أخيراً ما معنى كلام أبيهِ وكم كان يحملُ من عِبَرٍ وآفاق، فقدْ تأثَّرَ كثيراً بِغايةِ الرِّسالة(الوصيَّة) وأخذ على عاتِقهِ مسؤوليَّة الأبِ وهو في ذلك السِّنِّ الصغير فلم يتوانى أبداً عن تحقيق مطلبِ والدهِ الَّذي كان قدوةً له في حياتِه وبدأ بشقِّ طريقهِ موقِناً بأنَّ الله سيكونُ معيناً له حتَّى تنفيذِ آخر كلمةٍ أوصى بها والده.

فيديو مقال نهاية براءة

أضف تعليقك هنا