الدوافع الداخلية من أسرار الإبداع

تتباين ثقافات التعليم المسيطرة على المؤسسات التعليمية في دول العالم، ومن تلك الثقافات ما يتناقض بأجزاء مهمة مع بعض الثقافات وبمستويات مختلفة، وعند الإبحار في ثقافات تعليم لدول متقدمة يمكن الشعور بالفجوة، وإدراك الاختلاف في مستوى التربية والتعليم وجوانب الإبداع والابتكار.

إلى أي مدى تؤثر المنظومة التعليمية بالفرد؟

وقد ألقى الكثير اللوم على المناهج وطبيعتها واعتبرها مسبباً رئيساً لانحدار مستويات التعليم، ولكن ما فائدة منهاج ثري متكامل في ظل ثقافة تعليم تحارب الإبداع والتغيير؟!، ومن هنا وجب الانتباه من أجل تغيير المعتقدات الثقافية في الأنظمة التعليمية بكافة عناصرها التي تسلب متعة التعلم و تشرنق التفكير فتعيق التطور والتقدم، فتطوير المناهج لن يحقق نتائجاً إيجابية دون وعي للمعوقات والتحديات السائدة المنبثقة من ثقافة التعليم داخل المؤسسات التعليمية والسعي حثيثاً للتغلب عليها بهدف تقليص الفجوة بين ما هو موجود فعلياً وما يطمح إليه من إنتاج جيل يكون له اسهاماته وإبداعاته في المعرفة والتكنولوجيا والإنتاج.

 إن تدني مستوى الدوافع الداخلية لدى المتعلم يعدُّ أحد المعيقات الأساسية التي تواجه تطوير التعليم، فنحن لا نريد تعلماً بالإكراه تحت ضغط دوافع خارجية، نريد تعلماً بالحب والاستمتاع كي يسعد المتعلم بالتعلم ويندفع إلى مرحلة الإبداع والابتكار فيما يحبه، وذلك لا يكون إلا بتنمية الدوافع الداخلية للتعلم؛ فتوافرها يعد عاملاً أساسياً للتغيير النوعي الإيجابي، ومما يضفي عليها أهمية ارتباطها الوثيق بجوانب عدة مؤثرة في التعلم ، فهي أحياناً ضرورية للتغلب على بعض التحديات والمعيقات التي تواجه تطوير العملية التعليمية التعلمية، بل وقد تكون سراً للنجاح و التقدم والإبداع.

الدوافع الخارجية والدوافع الداخلية

الدوافع هي المحركات للسلوك فلذلك تحتل مكانة هامة في حدوث التعلم إذ لا تعلم بدون دافع ، والدوافع منها الخارجية ومنها الداخلية وتعتبر الدوافع الداخلية أكثر أثرًا وأطول دوامًا و بقاءً في اسـتمرار السلوك التعليمي، وهي لا تبنى في يوم واحد ولكنها أشد قوة ،  في حين أن الدافع الخارجي يمكن أن يؤدي إلى نتائج قصيرة المدى ويمكن أن تكون ضارة على المدى الطويل. ويمكن التمييز بين الدوافع الداخلية والخارجية على النحو التالي:

الدوافع الداخلية: القيام بشيء ما لأنه مفيد للشخص، مثل المتعة والرضا والنمو الداخلي.

الدوافع الخارجية: القيام بشيء ما لأن الشخص يريد كسب مكافأة أو تجنب عقوبة مثل: المال ، تجنب العقاب ، تجنب الوقوع في المشاكل ، طلب الموافقة.

أهمية تنمية الدوافع 

إن عدم الوعي بأهمية تنمية الدوافع الداخلية وتلبيتها والانتباه لها يؤثر سلباً على حدوث التعلم النوعي المرغوب به المبني على تلبية احتياجات الإبداع والابتكار، فالكثير من الناس يرى أن المناهج القديمة أفضل وأن التعليم في انحدار غير مدركين أن هناك تحديات عديدة هي التي عكست السلبية على أثر المناهج وامتصت الطاقات الإيجابية ورغبة المتعلمين في التعلم ، فالمناهج إذا لم تقدم في مناخ يلبي احتياجات المتعلم وميوله ورغباته لن يكون لها التأثير الإيجابي الذي طورت من أجله، فالتعلم الناجح هو التعلم المنبثق من دوافع المتعلمين والمبني على حاجاتهم فكلما كانت المناهج وطرق تدريسها مثيرة للدوافع ومشبعة بهذه الدوافع والحاجات كلما كانت عملية التعلم أقوى وأكثـر حيويـة،

لذلك يجب أن تقدم مناهجاً مثيرة للتفكير ومشوقة ونظاماً مدرسياً جذاباً للطلاب، تقبل المتعلم وتشجعه على المحاولة وبذل الجهد الأقصى وتعوده على تحمل الفشل، وتوجه النقد إلى العمل وليس إلى المتعلم نفسه، حتى يحب الطلاب المناهج ويستمتعوا بتعلمها ، حتى يتفتق الإبداع ، لأن الابداع قائم على الحب والاستمتاع ، فما يجب تعلمه واتقانه والنبوغ فيه  يجب أن يكون مبنياً على دوافع داخلية نابعة من ذات المتعلم ، فكل من نبغ وأبدع في مجال فهو يحب مجال إبداعه ، فلا يمكن أن يحدث الإبداع في إطار مناهج لا يحبها المتعلم أو نظام تعليمي صلب لا يلبي رغباتهم وميولهم واحتياجاتهم،  لذلك يجب تربية الحب والاستمتاع في جميع المراحل الدراسية ، حتى نشاهد أجيالاً تحب المدرسة وتستمتع بالتعلم داخلها ونرى السعادة على وجوههم وهم في طريقهم إلى المدرسة ، وليس طلاباً يفرحون بإغلاق مدارسهم أو يسيرون إلى مدارسهم متثاقلين متأخرين ، أو متكرري الغياب أو متسربين .

المناهج والدوافع الداخلية

بعض المناهج بحاجة إلى إعادة النظر في خلق الدوافع الداخلية ، بحيث تولد الرغبة في التعلم والاستمتاع ، حتى يحب المتعلم مؤسسته و التعلم فيها ويتجه إلى تعلم ما يحبه فيبدع فيه ، فإذا تعلم الطالب بطريقة شيقة ممتعة فسيكبر وهو يحب التعلم، وذلك يجب أن يشمل جميع المراحل الدراسية ، ويشمل جميع العناصر من محتوى وطرق تدريس ومعلم ومواد دراسية وبيئة مدرسية ووسائل وشكل الكتاب وغيرها.

إن إدراكنا لهذه المشكلة والتحديات التي تواجهنا في تحقيق ودعم هذا الاتجاه في تنمية الدوافع الداخلية للمتعلم من أجل توطيد علاقة بين المتعلم وتعلم المنهاج قائمة على الحب والاستمتاع ، يجعل من الممكن تحقيق الأهداف والآثار الإيجابية من العملية التعليمية التعلمية، وستسود ثقافة تعليم قائمة على دعم الإبداع وتفجير الطاقات الكامنة.

يجب مراعاة أن تقدم المعرفة في محتوى المناهج بطريقة منظمة جذابة شيقة ممتعة مثيرة للتفكير، و تحفز الفضول المعرفي و تولد الرغبة لديهم في التعلم والاستمتاع وتلبي احتياجاتهم و تتناسب مع المرحلة العمرية للمتعلم وخصائصها، من خلال موضوعات لها معنى وقيمة يحبها ويستمتع بها تلبي اهتماماته وتجيب تساؤلاته ، ترتبط بالأحداث الجارية و الحياة الواقعية وفي سياق حيوي يجذبهم.

وجوب التناسب بين الأساليب التدريسية وميول الطالب

من المهم أيضاً استخدم أساليب تدريسية شيقة تناسب المتعلم وميوله لتساهم في زيادة دافعية المتعلم للتعلم ، فالعديد منا كبر وهو لا يعي المفاهيم الحقيقية لبعض الأمور لأنه تم تدريسها بطريقة غير جذابة فلم يدرك معناها، فهناك العديد من المصطلحات تمر علينا  ولا ننتبه إلى المقصود بها، إلا عندما يتم توظيفها في مواقف عملية ، فلا نريد أن تدرس المناهج لاستهلاك المعرفة بل للإنتاج ، نريد أن نحلل ونربط بواقع الحياة حتى يصبح التعلم ذا معنى ويثير المتعلم، فالتعلم من خلال العمل و اللعب المنظم يلبي الغرض لأنه يثير دافعية المتعلم ويحفزه على التعلم ما دام يشارك يدوياً بالنشاطات التي تؤدي إلى التعلم ، كما أن البيئة المدرسية الجذابة التي تتوفر فيها المعايير اللازمة لتعلم فاعل في بيئة آمنة يسودها الأمن النفسي لها دور كبير في ترغيب الطلبة وإثارة دوافعهم الداخلية للتعلم.

المعلم أيضاً يحتل مكانة بارزة في تنمية الدوافع الداخلية.

أمور يجب مراعاتها:

  • إعادة التفكير في المكافأة لأن التعلم تحت تأثير الدافع الداخلي أقوى أثراً من الدافع الخارجي.
  • تنمية الثقة لدى الطالب، وأنه قادر على التعلم وجعل الإتقان هدفاً .
  • تشجيع الطلبة نحو تحقيق هدف أسمى: الطلاب الذين يشعرون أنهم يعملون من أجل الصالح العام ، أو شيء أكبر من أنفسهم ، قد يثار حماسهم ويستمر ويتنامى .
  • السعي أن يشعر الطلاب أن التعليم هو اختيار وليس مطلبًا.
  • تعريف الطلبة بالأهداف السلوكية للموضوعات الدراسية التي يتم تناولها.
  • توظيف الأساليب المحببة لدي الطلبة في تحقيق الأهداف.
  • عدم استخدام الخوف من العقاب كحافز، فذلك لن يساعد على المدى البعيد.
  • تحفيز الفضول الحسي عن طريق إجراء تغييرات مفاجئة ستدركها الحواس، كتغيير بيئة التعلم مثل  طلاء الجدران بلون مختلف، تغيير ترتيب المقاعد.
  • الحديث عن الدوافع الخارجية مقابل الدافع الداخلي، فمجرد أن يدرك المتعلم الفرق قد يكون مجدياً
  • ربط محتوى المناهج الدراسية ببيئة المتعلم والتأكيد على أهمية الموضوعات في حياتهم بحيث تصبح المعلومات والمهارات المستهدفة وظيفية في حياة المتعلم.التقرب للمتعلمين والتفاعل معهم والاهتمام بتعليمهم وتحبيبهم في المعلم، فالمتعلم يحب المادة وتزداد دافعيته لتعلمها إذا أحب معلمها.
  • تشجيع تنافس الطلبة مع أنفسهم، وعدم مقارنتهم بالآخرين.
  • منحهم الفرصة للتعبير عن مشاعرهم التي تتعلق بتعلمهم أو نشاطاتهم أو علاقاتهم داخل المدرسة، والاستماع لهم والتفاعل معهم بود.

الخاتمة

يعتبر تدني مستوى الدوافع الداخلية لدى المتعلم أحد أهم التحديات التي تعيق التعلم، وتؤدي إلى نفور الطلبة من المدرسة وذهابهم إليها متثاقلين مترددين، ورغم أنها عملية معقدة وتنميتها عند المتعلم ليس سهلاً ويستغرق وقتاً طويلاً ، ولكنها تستحق الجهد والإصرار من كافة الأطراف في العملية التعليمية التعلمية لأنها تعتبر إجراءات  وقاية وعلاج للكثير من المشكلات التي تواجه الأنظمة التعليمية ، وما يؤكد الحديث عن هذا الجانب بروز بعض أنظمة التعليم في الآونة الأخيرة الحاضنة لذلك التغيير؛ فلمعت وخطفت العقول في رعايتها للإبداع وتلبية احتياجاته القائمة على عمليات التفكير الناقد والابتكاري والاستدلالي من أجل جعل المتعلم جزءاً من آلة الإبداع سواء في المعرفة أو التكنولوجيا أو الإنتاج .

لذلك من المجدي في هذا المجال الاهتمام بكافة العناصر: المنهاج ،البيئة، الوسائل، المدرس، المدرسة، المنهجية، الطريقة، ومهارة التدريس وغيرها، لتتحول إلى عناصر ذات مزايا فعالة في إثارة  الدوافع الداخلية عند الطلبة، والتغلب على كافة المعيقات التي تحول دون الحب والاستمتاع بالتعلم، حتى تكون عملية التعلم مكافأة في حد ذاتها لا يمكن الاستغناء عنها ، فنمتع أنظارنا بإقبال الطلبة على مدارسهم بسعادة وتشوق ، وتهافتهم على التعلم بحب، فينهلوا من بحر العلم بالبحث والاطلاع والاستراتيجيات المثيرة للتفكير، فتتفجر الطاقات الكامنة لديهم ، لينتجوا أفضل ما لديهم فيحتلوا مكانة مرموقة في معزوفة الإبداع

بقلم: هند محمد حسين البشيتي

 

أضف تعليقك هنا