الإدراك والتعلم في السلوك التنظيمي وعلاقته بجائحة كورونا

 بقلم: صفيناز خليل عبد الكريم الشيخ خليل

لقد تأثر العالم كله بجائحة مرض كورونا، ونظرًا لحداثة هذا المرض الجديد وعدم وجود تجارب سابقة في التعامل مع أحداث مشابهة، فإن المعلومات ستظل متدفقة بشكل متسارع بدون انقطاع خاصة في بداية هذا الحدث، هذه المعلومات مبنية على التجارب المختلفة في العالم وفي مجالات متعددة.

انعكاسات الوباء على الحياة التنظيمية

سيتغير سلوك الفرد من مرحلة استقطاب المعلومات والتجارب محلياً إلى الانفتاح الأكبر من خلال متابعة المعلومات والتجارب العالمية، والاهتمام الفردي لكيفية المواجهة أو التعامل أو حتى التعايش مع هذا المرض فيما يتعلق بمجاله وعمله، وهذا سيعمل أيضًا على تأثير غير مباشر في السلوك الفردي الموجه نحو الجودة واستقطاب الخبرات حيث سيتحول سلوك الفرد من مرحلة جمع المعلومات أو تكوين المعرفة عن الحدث الى مرحلة تطوير الأداء الفردي المهني في المجال التنظيمي التعليمي من خلال الاطلاع على التطبيقات والتجارب الخارجية التي بكل تأكيد سيتعلمها الفرد أثناء مرحلة جمع معلومات هذا الحدث الجديد.

بما أن المنظمة هي نظام متكامل هادف ومتفاعل من العلاقات المترابطة مع بعضها البعض تؤثر وتتأثر بالبيئة التي تعمل فيها وفي إطار مختلف متغيراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية, فالمنظمات التعليمية تتأثر بأزمة فيروس كورونا لأنه جزء من البيئة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية.

هل السلوك هو محض استجابات لمؤثرات عدة؟

إن السلوك التنظيمي هو ردود فعل الإنسان للمثيرات التي تصادفه بشكل عام وفي أي زمان ومكان. فإذا صادفت هذه المثيرات الفرد في العمل , أو التنظيم الذي يعمل فيه سمي سلوكه الصادر كاستجابة لهذه المثيرات بالسلوك التنظيمي, فطبيعي أن يختلف ردود فعل أفراد المنظمات التعليمية لهذا المثير المسمى بفيروس كورونا.

ويتحمل مديرو المدارس المسؤولية الأساسية عن ضمان سلامة موظفيهم وطلابهم، وإيجاد طرق لضمان تلقي الطلاب التعليم أثناء تعليق العملية التعليمية في المدارس.

الإدراك والتعلم

بما أن الادراك هو “عملية سيكولوجية فكرية معرفية يستخدمها الإنسان في اختيار وتنظيم وتفسير المعلومات التي يستقبلها من العالم الخارجي من خلال حواسه المختلفة ثم ترجمتها إلى معاني ومفاهيم تساعد في تحديد أنماط وأشكال السلوك الإنساني” فعلى مدير المنظمة التعليمية والعاملين فيها الإدراك لهذ الجائحة (كورونا) ومن ثم ترجمة إدراكهم إلى سلوك داخل منظمتهم , فإن فايروس كورونا يعتبر منبه قوي لأن تأثيره كبير على المنظمات  لذلك يتبعه إدراك أقوى وأسرع وكلما كان المثير أو المنبه قويًا كان الفرد أكثر قدرة على إدراك هذا المثير, وكلما كانت حركة  المثير أو المنبه سريعة فإنه يساعد على زيادة سرعة عملية الإدراك لدى الفرد.

العلاقة بين الإدراك والتعلم

إن مفهوم الادراك كما تم عرضه في السابق خلال محاضرات المساق يقوم على ثلاث عناصر أساسية في تكوين السلوك الذي ينبني على إعطاء معنى لحدث معين، هذه العناصر تنحصر في الحدث، البيئة والفرد.

وبما أن التعلم هو ” أي تغير دائم في المعرفة أو السلوك يحدث نتيجة للتدريب أو الخبرة أو الدراسة بمعنى أنه يحدث تغيرًا في سلوك الفرد وللتعلم أهمية كبرى للمنظمة ودورًا أساسيًا في عملية التغير المختلفة.” , فيجب اللجوء في ظل جائحة كورونا إلى التعلم الهادف بشرط أن يحدث تغير في سلوك العاملين بما يتلاءم مع الجائحة الجديدة.

تأثير جائحة كورونا على الإدراك والتعلم

ومن خلال اسقاط الحدث على الإدراك والتعلم ، سنجد أن الحدث هنا يكمن في المتغير العالمي الجديد المتمثل في فايروس (COVID 19 ) هذا الحدث كما هو معروف لم يترك مجالاً من مجالات الحياة على المستوى البشري الفردي أو على المستوى الكلي مثل الحكومات والدول والعالم أجمع الا وقد أصابه بدرجة متفاوتة من التأثير.

عملية تكوين المعنى الفردي لهذا الحدث، والمتمثلة بعملية الادراك الذي سينتج عنه سلوك، سيكون للبيئة المحيطة بالفرد دور كبير في تكوين هذه العملية، وهذا ما سيحدد الاختلافات السلوكية لدى الافراد في التعامل مع نفس الحدث، لكن هنا سنقوم بالتركيز على البيئة التعلمية رغم أنها قد تختلف أيضاً في ذات المجال التنظيمي الواحد.

من خلال إدراك المدير والعاملين لهذا المثير (فايروس كورونا) في البيئة المحيطة ومع المعلومات والاحداث المتسارعة المتعلقة بهذا الحدث الجديد، سنجد هنا سلوكًا جديدًا أيضًا لتوافقه مع هذا المتغير الغير مسبوق في الزمن المعاصر، لذلك سنستعرض هنا مجموعة من التأثيرات والتغيرات العملية في السلوك الإداري في التعامل مع هذا الحدث في ظل بيئة المنظمات التعليمية موضع الدراسة.

من الأمثلة الواقعية على الإدراك والتعلم في منظماتنا التعليمية

أولًا الإدراك

التأثير على اختيار العاملين:

يجب ان نكون على وعي لمتطلبات المرحلة القادمة, ويجب أن تكون معايير الاختيار متفقة مع ذلك, فمن إدراكنا لهذه الجائحة سيتم التركيز عند اختيار العاملين على المهارات التكنولوجية ومهارات التعلم عن بعد.

التأثير على تقييم الأداء:

إن الإدراك الخاطئ لأداء الأفراد سيؤدي بلا شك إلى تقييم غير صحيح وغير موضوعي, الأمر الذي سيؤدي إلى انعكاسات سلبية على الرضا الوظيفي، والأداء، والدافعية، والولاء التنظيمي لذلك تم التغيير على بنود تقرير تقييم الأداء لتشمل البنود ماهية تواصل المعلمين مع الطلاب ومن استخدمها بفاعلية أكثر وتواصل أكبر مع الطلبة, مع مراعاة البعد عن معوقات الإدراك لأداء العاملين مثل( المظاهر المادية, التنميط, تأثير الهالة, الدفاع الإدراكي, الإسقاط , لانطباع الأول , التسرع في الحكم).

ثانيًا التعلم

 التعلم في سلوك المنظمة يعني التدريب , لقد تم التركيز في المنظمات التعليمية على التدريب للعاملين على الأساليب التكنولوجية التي تساهم في رفع كفاءة الموظف لتبني التعلم عن بعد مع مراعاة الفروق الفردية للعاملين أثناء عملية التعلم (التدريب) .  

التأثير على التعلم

توجيه وتغيير السلوك

في ظل جائحة كورونا بات من الضروري توجيه/ تحوير السلوك لتبني التعلم عن بعد  من أجل تدعيم السلوك المؤيد للمنظمة أو تغيير السلوك المعارض لها أو المحايد وتحويله إلى المؤيد، وهذا يتطلب:

  • توضيح السلوكيات الإيجابية المرغوبة من قبل الإدارة.
  • حسن اختيار نموذج للدور ( Role Model) يقتدي به العاملين في سلوكياتهم.
  • التأكد من توافر قدرة ورغبة التعلم لدى العاملين للوفاء بمتطلبات السلوك الجديد الناتج عن حدوث عملية التعلم.
  • بناء موقف تعليمي إيجابي يتيح فرصة التعلم للعاملين.
  • تقديم التعزيز )أو التدعيم( المناسب اللازم سواء بالإيجاب  )مكافأة ( للعاملين الذين أنجزوا العمل وفقا للتوقعات، أو للتوقعات, أو بالسلب )عقاب ( للذين لم ينجزوا العمل وفقا للتوقعات.
  • تهيئة المناخ التنظيمي والثقافة التنظيمية المواتية والحاضنة لحدوث عملية التعلم.
  • تطوير الممارسات التنظيمية بهدف صيانة السلوك الجديد المرغوب الذي نتج عنه التعلم.

توجيه ممارسات إدارة الموارد البشرية

لتحقيق التعلم عن بعد تطلب في أزمة جائحة كورونا العديد من الممارسات مثل:

  • تحديد الهدف من تدريب العاملين )وهو ليس مجرد تعليمهم معلومات وخبرات جديدة وإنما تعليمهم كيفية الاستفادة منها بتطبيقها على سلوكهم) أي عدم الاكتفاء بضمان تعليم العاملين بل تعلمهم .
  • تصميم برامج الحوافز والمكافآت .
  • العمل على إيجاد كوادر بشرية قادرة وراغبة في التعلم.
  • رسم جميع خطط وسياسات إدارة الموارد البشرية بحيث تكون مُحفزة ومشجعة على التعلم.

النمذجة السلوكية

عبارة عن حالة تطبيقية للتعلم بالتقليد , ترى من خلالها المنظمات ضرورة نقل سلوك جيد يقوم به ممارسون أكفاء إلى أفراد آخرين يجب أن يعلموه, وهذا يرجع بالنفع على كل المنظمة وعلى كل الأفراد الذين يقومون بهذا السلوك, وكان لزامًا في ظل جائحة كورونا بعرض حالات تطبيقية لتقليدها لتحقيق نقل السلوك الجيد وتعليمه للأفراد داخل المنظمة.

المراجع

–  باشري, نفيسة وآخرون (2017). السلوك التنظيمي, كلية التجارة جامعة القاهرة, القاهرة.

– محمد, ثائر سعدون (2016). السلوك التنظيمي في منظمات الأعمال, مركز البحث وتطوير الموارد البشرية (رماح), عمان.

– المغربي, محمد الفاتح محمود بشير(2016). السلوك التنظيمي, دار الجنان للنشر والتوزيع , عمان.

 بقلم: صفيناز خليل عبد الكريم الشيخ خليل

أضف تعليقك هنا