جريمة اغتصاب الأطفال بالمغرب بين الفراغ القانوني ومساءلة المجتمع المدني

بقلم: د. أحمد البخاري

قبل أن أطلق العنان  لقلمي للخوض في تفاصيل هذه الجرائم_ إغتصاب الأطفال_  التي تكررت في أغلب المجتمعات العربية وخصوصا  المجتمع المغربي  بشكل لافت ، تبادر إلى ذهني مجموعة من التساؤلات حول جرائم الاغتصاب بالمغرب_ وخاصة لما تكررت في الآونة الأخيرة _ هل ضآلات العقوبة أمام الفعل الإجرامي هي التي ساهمت في تفشيها ؟ أم يمكن أن تكون هناك عوامل خارجية ساهمت في تكاثر مثل هذه الأفعال الإجرامية ؟  وهل يمكن لعقوبة الإعدام أن تزجر مرتكبي هذه الجرائم ؟ وهل فعلا يمكن لانسان سوي العقل سليم التفكير أن يتعاطف مع مرتكبي هذه الجرائم. (اغتصاب الأطفال في المغرب).

مفهوم الاغتصاب

لكن قبل الخوض في هذا الموضوع لابد من تحديد مفهومه ، إذ  نجد أن مصطلح الإغتصاب  يغيب في القواميس العربية القديمة ، بالرغم من وروده بالقرآن الكريم بمعان وسياقات مختلفة فقد شرحت بعض المعاجم الحديثة للغة العربية الاغتصاب  بأنها كلمة مشتقة من فعل “غصب” بمعنى نزع بالقوة ، واغتصب  فلان أي نزع منه بالقوة ودون إرادته ،غتصب يغتصب، اغتصابا، فهو مغتصِب، والمفعول به  مغتصَب و اغتصب السلطةَ ونحوَها: استولى عليها بالقوة، أخذها قهرا وظلما دون وجه حق اغتصب  اغتصب المرأة: غصبها؛ زنى بها رغما عنها…

فمما لاشك فيه أن اللجوء إلى القوة والعنف لتأكيد ذاتية الإنسان أو استغلال أخيه الإنسان، تعتبر من الظواهر النظرية التي تزامن ميلادها مع بداية التاريخ البشري، بيد أن فكرة الإغتصاب والعنف الكامنة في بعض  النفوس (البشرية ) تطورت بتطور الإنسان ومحيطه…فانتقلت من المحيط الفردي والشخصي للإنسان لتكتسب المنحى الشمولي للمجتمع، بما له من معطيات بنيوية إنسانية واجتماعية.

جرائم الاغتصاب

حيث إن جرائم الاغتصاب ، تعتبر صورة من صور العنف الميداني داخل الحياة الاجتماعية، فإن ثمة يقينا خلافا جوهريا بينهما، تجعل هذه الجرائم تتميز في تركيبتها البنيوية عن العنف كإحدى القيم السلبية بالمجتمع ، حيث إن اغتصاب الأطفال  _كظاهرة إجرامية _ يتقمص مظهرا بسيكولوجيا لكونه يتعاطى مع الطبيعة الإنسانية من خلال الصدمة والحالة النفسية التي يحدثها كما أنه يشكل مظهرا من مظاهر العنف ذو الطبيعة اللاتمايزية ؛ بمعنى لا يقيم أي تمييز في استهداف ضحاياه…فهذه الجرائم  تعتمد أيضا على عنصر المفاجأة والصدمة الفورية وعدم القدرة على التنبؤ بوقائع العنف ونتائجه ولا بتفاصيل الجريمة… فالعنف الموصوف بالاغتصاب ، لا يمكن أن تزيغ غايته عن منحى الأبعاد النفسية للفاعل  المحضة و يقصي في المقابل أي اعتبار للدوافع الخارجية.

قضية الاغتصاب وحقوق الإنسان

لكن في الآونة الأخيرة  برزت قضية العلاقة بين الإغتصاب وحقوق الإنسان، وفرضت نفسها بشدة وإلحاح على الساحة العالمية، والمحافل الوطنية، وذلك مع بداية مسلسل إضفاء الشرعية على عدد من القوانين والممارسات العملية التي كرست تراجعا عن المبادئ الدولية لحقوق الإنسان، إذ تقف هذه الحقوق ضحية بين الإغتصاب الذي يمثل اعتداء صارخا ومباشرا على الحقوق الأولوية للإنسان، ومكافحة هذه الجريمة التي تقدم تبريرا لمختلف الدول للتحرر من القيود الموضوعية والإجرائية التي كان يفرضها التزامها باحترام حقوق الإنسان وسن قانون رادع وزاجر لكل من سولت له نفسه اقترافها وهو ما نادى به المواطن المغربي في جل مواقع التواصل الاجتماعي  وذلك بطلبه إقرار عقوبة الإعدام.

خطورة الاغتصاب على الكيان الاجتماعي

فمما تقدم يظهر لنا جليا مدى أهمية دراسة القانون الجنائي للإغتصاب  فمن الناحية العملية، تبرز الحاجة الماسة إلى إلقاء الضوء على جرائم الإغتصاب لإيضاح خطورتها على الكيان الاجتماعي للبلاد ولبيان مدى كفاية تدخل المشرع الجنائي لمكافحة هذا النوع من الجرائم. كما أن القواعد الإجرائية الواجب اتخاذها بمناسبة ارتكاب جريمة إغتصاب الأطفال ، تتميز بطبيعة استثنائية، مما يستدعي ضرورة إيضاح مدى خروجها عن القواعد المألوفة ، ومبررات هذا الخروج، ومدى فاعليته وكيفية زجره حتى لا تكثر ضحاياه. (اقرأ المزيد من المقالات على موق مقال من قسم قضايا مجتمعية، وشاهد مقاطع فيديو موقعنا على اليوتيوب).

بقلم: د. أحمد البخاري

أضف تعليقك هنا