حديث عن الشعر القديم… ماذا بقي من “أول الشعر”؟

بقلم: اسماعيل الراجي

كان حديثا على هامش، أثناء جلسة بالمقهى، حديثا عن “أول الشعر”([1]) من بين الأسئلة العابرة التي طرحت، سؤالا عابرا، ماذا تحفظ لشعراء العصر الجاهلي؟ فثمة اجابة بسؤال آخر؛ وهل أجبتك عن “الشعر الحديث” وما أهمية الشعر بالأساس…نحن في زمن آخر، غير “زمن الشعر”([2])؟

عند الحديث عن الأدب العربي ماذا يحضرنا؟

يستدعي الحديث عن الأدب العربي بشكل عام، الوقوف عند “الأدب الرفيع”([3])، أي الشعر. لا يختف أحد على أن الشعر في الثقافة العربية، هو مكون من مكونات تراثها، الذي حمل، وتضمن، سيرا، وشذرات عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية…إلخ، التي قيل فيها النظم. هذا الذي اختلف حول تعريفه، يعرفه صاحب “نقد الشعر”([4])، على أن الشعر كلام موزون ومقفى، ويدل على معنى-يقول قدامة ابن جعفر.

الأدب العربي القديم

يعد الشعر الجاهلي بغض النظر عن صحيح ما وصلنا أو ما تم انتحاله والتشكيك([5]) فيه_ يعتبر انتحال ظاهرة عامة في الأدب_، شاهدا على الحياة قوم كانوا في بيئة مجالية واجتماعية فيها ما فيها من وقائع الحياة والمجتمع…وحسب هذا التصور « الناس تعيش تاريخها أولا ثم تسجله في شعرها ثانيا، (…) فهوميروس ليس شاعرا بل روح اليونان وطبيعتهم وتاريخهم وعادتهم وقوانينهم وحياتهم. والشعر بهذا المعنى هو تاريخ الشعوب »([6])

ذلك الشعر اليوم، ليس فقط شاهدا على الحياة “المادية” بل شاهد على أكثر من بعد من أبعاد الظاهرة الاجتماعية والإنسانية ، الخاصة بالبيئة العربية. فالشعر الجاهلي، تم الرجوع إليه من طرف عالم التاريخ، وعالم الانثربولوجيا، عالم الاجتماع، عالم اللسانيات…كل علم يدرس الظاهرة الإنسانية في بعدها الاجتماعي والثقافي والحضاري( العربي الإسلامي)، إلا وعاد إلى الأدب العربي الرفيع؛ للإستنطاقه واستقرائه، وتحليل ما يمكن تحليله.

هنا المفارقة، لا يعود العالم في العلوم الإنسانية والاجتماعية إلى شعر من باب الترف الفكري. بل، عودة هادفة لبناء نظرية أو تصور أو تحقق من مسار ما.

الشعر ديوان العرب وشاهد على العصور

هل الشعر بهذا المعنى” وثيقة” أو “مصدر” شاهد على جماعة ما؟ من بين الإجابات الممكنة، نعم. لكن الشعر أكثر من هذا عند نوابغ الثقافة العربية في القرون الأولى من التاريخ الهجري، زمن العصر الذهبي كما يطلق عليه البعض. فالشعر عند العرب ديوانهم”الشعر ديوان العرب”، والشاعر فيهم هو الحكيم، الذي تفتخر بها القبيلة والعشيرة… إلخ، ويمكن اجمال القول في ما ذهب إليه الشاعر محمد بنيس: « الادب هو أعلى ممارسة للغة. والشعر جمرتها الأولى »([7]).

حفظ سجلات التراجم، _شعراء الانس،  هناك “أسطورة” تقول أن الشعر تقوله الجن أيضا_ العديد من الأسماء، عدت ضمن شعراء “الأرض اليباب”([8]) التي ما يزال شعرها محل دراسة وتناول أكاديمي.

يصنف كل من مؤلف “المفضليات”  لصاحبه العلامة الكوفي المفضل بن محمد بن يعلي بن عامر بن سالم الضبي، الذي عاش في القرن الثاني الهجري. ومؤلف “الأصمعيات” لصاحبه عبد الملك بن قريب الأصمعي، الذي عاش شطرًا من حياته في القرن الثاني و الثالث الهجري، وهو أحد أئمة اللغة العربية ، ويعد من راوية العرب؛ من أهم المصادر الشعر العربي القديم.

كما هو معلوم، عند العرب، شعراء ذاع صيت شعرهم في الناس، وما تزال حكم ما نظموا تتلى بين الحين والآخر،_ ومن عجائب الصدفة أنه على هامش الحديث قال أحدنا، بيت للنابغة الذبياني دون أن يعلم أنه قائله: ظلم ذوي القربى…أشد مضاضة من الحسام المهندي_.

أشهر القصائد القديمة

من أشهر القصائد العرب، في الشعر القديم([9]): المعلقات، المجمهرات، والمنتقيات، المذهبات، المراثي، المشوبات، الملحمات.

من بينهم شعراء الجاهلية، الذين يعد أشهرهم شعراء المعلقات، تلك القصائد التي يقول نقاد الشعر القدامى عنها، بأن بينها خطوط مشتركة، وخصائص، كخاصية، الغرض _المدح، الهجاء، الفخر، الحماسة، الرثاء، العتاب، الحكمة…إلخ_ وخاصية الابتداء أو الابتداءات، التي كان شعراء المعلقات يبدؤون بها معلقاتهم، التي توزعت على مقدمات متنوعة أشهر “مقدمات الطلالية” فهذا امرئ القيس(500 – 540 م)،قال في مطلع معلقته:

قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل      ***    بسقط اللوى بين الدخولي فحومل

وذا عنترة بن شداد العبسي (525م – 608م)، يقول في مطلع قصيدته

هل غادر الشعراء من متردم  *** أم هل عرفت الدار بعد توهمي

إنه هذه الاسطر مجرد، لمحة أو قل “نميمة” إن صحت التسمية عن الشعر العربي القديم، لا تسمنوا ولا تغني، فالرجوع إلى المصادر والمراجع التي تناولت الشعر العربي القديم، لا مفر منه من أجل توسيع معارفنا فيه.

المصادر

 ([1]) للمزيد حول أول الشعر أنظر: عارف حجاوي، أول الشعر: عصارة الشعر الجاهلي والإسلامي والأموي،ط2 ( مصر، دار المشرق، 2018).

([2]) للمزيد حول زمن الشعر أنظر: أدونيس، أول الشعر: عصارة الشعر الجاهلي والإسلامي والأموي،ط2 ( مصر، دار المشرق، 2018).

([3])  للمزيد حول النقاش الأدبي الذي دار بين المفكر العراقي علي الوردي و أستاذ الأدب العربي عبد الرزاق محيي الدين، أنظر: علي الوردي، أسطورة الأدب الرفيع، ط1(قم، منشورات سعيد بن جبير، 2005).

([4])  للمزيد حول نقد الشعر، أنظر: قدامة بن جعفر، تحقيق كمال مصطفى(القاهرة، مكتبة الخانجي، 1963).

([5])  للمزيد حول قضية الشك في الشعر الجاهلي، أنظر: طه حسين، في الشعر الجاهلي،ط1(مصر، مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة، 1926).

([6]) حسن حنفي، « فلسفة التاريخ عند فيكو»، مجلة كلية الأدب والعلوم الإنسانية بفاس، المجلد(بدون رقم). العدد 7(1983-1984) (من ص37-74) ، ص66.

([7])محمد بنيس، « لحظة الأدب » جريدة الحياة(اللندنية)، 7/4/1999.

([8]) عبد الواحد لؤلؤة، ت.س. إليوت: الأرض اليباب ـ الشاعر والقصيدة 1980. ط3 (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1995).

([9]) للمزيد أنظر جرجي زيدان، تاريخ آداب اللغة العربية، (مصر، هنداوي، 2012) .

بقلم: اسماعيل الراجي

 

أضف تعليقك هنا