دافعية الموارد البشرية في المنظمة وعلاقتها بسلوكهم التنظيمي

إن المتأمل في واقع الحياة الإنسانية الحديثة، يلتقط بوضوحٍ حجم التطورات والتغيرات التي تراكمت بشكلٍ مذهل في جميع جوانبها؛ في منظماتها وفي الموارد البشرية العاملة فيها، وكذلك في سلوك أفرادها وانتاجيتهم؛ لذلك نحن بحاجة دائماً لتفسير ذلك السلوك وفهمه فهماً صحيحاً فنجيب على تساؤلاتنا التي نكررها: لماذا يتصرف هذا الموظف بهذه الطريقة تجاه المهام؟ ولماذا يتعامل مع مديره بهذه الطريقة؟  ولماذا يتصرف مع زملائه بتلك الطريقة..؟ لأننا إذا أجبنا على تلك التساؤلات تمكنا من تحديد أفضل الطرق للتعامل معه وصولاً به لأعلى درجات الاستجابة الفاعلة لاسيما بأنه المورد الأهم في المنظمة.

ما مدى أهمية الموارد البشرية؟

” الموارد البشرية من أهم الموارد التي تمتلكها المؤسسة، و تعتبر العنصر الاساسي في نجاحها ، ومن ثم محاولة المدير لفهم السلوك الانساني من أولى المهام التي يجب التركيز عليها من قبل المدراء في أعمالهم” ( مسعد، 2016م، ص5).

والأفراد داخل المنظمة هم رأس المال الحقيقي الذي يجب أن توليه قيادتها الاهتمام الأكبر والأكثر عمقاً؛ من أجل استثماره بأعلى الدرجات الممكنة واستمراه في التطور والتحسن خادماً بذلك المؤسسة بكل امكاناته.

وقد تزايد الاهتمام في الآونة الأخيرة بالعنصر البشري باعتباره أحد ركائز البناء التنظيمي والتطور الإداري في المنظمة؛ وبالتالي برزت أهمية العلوم السلوكية في التنظيم والإدارة لدى جميع المتخصصين والمهتمين بمنظمات الأعمال وإدارتها؛ ويرجع سبب الاهتمام إلى ارتباط منظمات الأعمال ومكوناتها والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها بأهداف العاملين وأهداف المجتمع ككل ( عيطة، د.ت، ص7)، ومن المتفق عليه أن دافعية الفرد هي بمثابة المحرك والموجه لسلوكه داخل المنظمة وخارجها، فالدافعية ناتج لتفاعل بين مجموعة العوامل الخاصة والشخصية  مع مجموعة من العوامل الخارجية،  وهي مسؤولة بدرجة كبيرة عن توجيه السلوك خلال فترة  ما،  فالدافعية ليست مستقرة؛ مما يزيد من صعوبة ملاحظتها وقياسها بشكل مباشر.

ما هي الدافعية؟

هي قوة داخلية معنوية، وغير مرئية، مرتبطة بالشعور برغبة أو حاجة، وهي تثير سلوك العاملين في المنظمة، نحو اشباع حاجاتهم وتحقيق أهدافهم الذاتية، وبالتالي هي مؤقتة لكنها قد تستمر أو ترتفع وقد تنخفض وتتوقف.

وإذا تناولنا الدافعية والتحفيز كموضوع من موضوعات الموارد البشرية، فإننا نجد أن الدراسات والنظريات في هذا المجال قد حاولت جاهدة تفسير كيف ينشط ويتحمس الفرد وتزداد دافعيته، وأيضاً كيف يوجه هذا النشاط وهذه الدافعية في اتجاه سلوك منتج وفعال ( محمد، 2016م، ص 12)؛

يمكننا أن نلاحظ الخصائص التالية لدافعية للموارد البشرية:

  • الدافعية حالة مؤقتة تنتهي عند تحقيق الهدف؛ كيف تجعل أهداف مرؤوسيك مستمرة؟
  • الدافعية طاقة كامنة لدى الفرد؛ كيف تستثمر طاقة مرؤوسيك خير استثمار؟
  • الدافعية ليست سلوكاً؛ فهي من تثير السلوك وهي غير قابلة للملاحظة بل يمكن أن تظهر من خلال السلوك.
  • الدافعية قوة متوفرة لدى المعظم ولكن بدرجات متباينة، فكيف يمكن اثارتها واستثمارها؟
  • الدافعية قد تفسر الاختلاف في سلوك العاملين وانتاجيتهم داخل مختلف المنظمات.

مما سبق يمكننا التساؤل حول:  ما مفهوم دوافع العمل ؟

دوافع العمل هي الرغبة لدى الافراد في بذل أقصى الجهود لتحقيق الاهداف التنظيمية؛ ما يؤثر على المنظمة من حيث الجودة والإنتاج ( عبد الرحيم، 2017م).

ما أهمية دوافع العمل:

من أهم الفوائد المترتبة على دراسة وتشخيص دوافع الافراد العاملين ما يلي:

  • تشخيص الدوافع يساعد المنظمة على اشباعها بالوسائل التحفيزية المادية والمعنوية.
  • تؤدي الدوافع الايجابية الى زيادة التعاون بين الافراد انفسهم وبينهم وبين الادارة.
  • تساعد الدوافع الايجابية على تقليل الصراعات بين الافراد داخل المنظمة.
  • تساعد الدوافع الايجابية على زيادة ابداع الافراد في العمل.
  • يساعد تشخيص الدوافع على تحديد توجهات المنظمة واستراتيجياتها المستقبلية ( عبد الرحيم، 2017م).

عليه فإن

المنظمات على  اختلاف توجهاتها وطرق إدارتها هي بحاجة ماسة لفهم دوافع أفرادها كي تعمل على تعزيز ما يؤدي لسلوك تنظيمي فاعل ومؤثر نحو انتاجية أعلى وأكثر جودة مما يخدم المنظمة بجميع مكوناتها.

ما الفرق بين الدوافع والحوافز ؟

قلنا أن الدافعية بأنها قوة داخلية توجه سلوك العاملين في المنظمة نحو اشباع حاجاتهم وتحقيق أهدافهم، أما الحافز فهو عبارة عن مؤثرات خارجية عن الفرد ـ وليست داخلية ـ تحفزه وتشجعه للقيام بأداء أفضل، وقد تكون هذه الحوافز مادية كالترقيات الوظيفية مثلاً، وقد تكون معنوية كخطابات الشكر، كما أنها قد تكون إيجابية أو سلبية، فمكافأة مالية لأحد الموظفين هي حافز إيجابي وبالمقابل فإن الخصم من الراتب هو حافز مادي سلبي، كما أن الإنذار هو حافز معنوي سلبي ( حديم، 1997م، ص117).

مؤشرات الدافعية:

مؤشرات الدافعية المرتفعة : تظهر مؤشرات الدافعية المرتفعة في :

  • المواظبة والحفاظ على الحضور و الانصراف في أوقات العمل الرسمية.
  • وقت العمل: قد يحافظ الفرد على وقت الحضور والانصراف و لكنه لا يكرس وقت عمله فاستعمال وقت العمل مؤشر هام للدافعية المرتفعة .
  • روح المبادرة لدى الفرد واقتراح أفكار جديدة لصالح المؤسسة.
  • إلمام الفرد بتفاصيل العمل و كيفية أدائها يعبر عن درجة رغبة العامل نحو العمل.
  • ثقة الأفراد في قدراتهم و واصرارهم على تحقيق الأهداف والوصول إلى النتائج المرجوة.
  • يمتاز الأفراد ذوي الدافعية المرتفعة بجو حماسي؛ مما يدعو على بذل من الجهد في جو من المنافسة (فريال وفراح، 2019م، ص20).

ويمكننا أن نضيف ما يلي:

الاستمرار في تطوير القدرات والمهارات، والمشاركة الفاعلة في الدورات وورش العمل، وطرح الأفكار الإبداعية والحرص على تنفيذها داخل المنظمة.

مؤشرات الدافعية المنخفضة : تظهر مؤشرات الدافعية المنخفضة في :

  • كثرة الشكوى في جميع الظروف تدل على انخفاض الدافعية لدى الفرد وينتج ذلك سواء عن غياب الترقية، الأجر المنخفض …..الخ.
  • التغيب المتكرر: يعتبر غياب الفرد مؤشراً يمكن استخدامه لمعرفة درجة رضا الفرد، فارتفاع معدل التغيب دليل على انخفاض الدافعية لدى الفرد، و هذا يدل على أن كل حالات التغيب ناتجة عن انخفاض الدافعية؛ علما بأن هناك عوامل طارئة لا يمكن تجاهلها أو التحكم فيها مثل المرض، الحوادث، الظروف العائلية القاهرة.
  • ترك العمل و ذلك بمبادرة من الفرد ذاته ذليل أو مؤشر على درجة انخفاض الدافعية نحو العامل.
  • عدم الاهتمام بالعمل و ذلك من خلال تحقيق الأهداف و زوال حماسهم مما يعبر عن نفور العمال من عملهم .
  • نقص الإنتاج من قبل الأفراد دليل على استيائهم من عملهم و ذلك مما يدل على انخفاض دافعيتهم نحو العمل (فريال وفراح، 2019م، ص20).

ويمكننا أن نضيف ما يلي:

تأجيل إنجاز المهام بشكل دائم، والتهرب من المسؤوليات، والميل إلى الروتين والخوف من التغيير، اقتناص الفرص لإثارة المشكلات داخل المنظمة.

ما علاقة الدافعية بالسلوك؟

     السلوك = الدافعية × القدرة × ظروف العمل

يمكننا القول بأن السلوك أو الأداء هو محصلة لكل من الدافعية والقدرة وظروف العمل أي أن :

ولذلك لابد من وجود الدافعية، ولكنها ليست كافية لتفسير السلوك وحدها، حيث أنها تتفاعل مع عناصر أخرى مثل القدرة وظروف العمل (عفيفي وعبد الهادي، 2003م، ص101).

ما علاقة الدافعية بالسلوك التنظيمي؟

 إن الدوافع من الظواهر الهامة التي يتسم بها العاملون كما تعتبر المؤثر الداخلي و المحركة للفرد و الموجهة للسلوك قصد تلبية الحاجات والرغبات بغية الوصول إلى مستويات الأداء العالية، كما أن المصلحة العامة أي مكتبة تكمن في القدرة على الاحتفاظ بالعاملين لديها و استثمار في جهودهم من خلال إشباع حاجاتهم وتلبية رغباتهم ( كركود، 2016م، ص37).

وترتبط فاعلية أي منظمة بكفاءة العنصر البشري وقدرته على العمل ورغبته فيه باعتباره العنصر المؤثر والفعال في استخدام الموارد المادية المتاحة، وتعتبر الدوافع والحوافز من المؤثرات الأساسية التي تلعب دورًا هامًا وحيويًا في سلوك الأفراد، ومن خلالها يمكن خلق الرغبة لديهم في الأداء، الأمر الذي يمكن معه القول أن قدرة المنظمات على تحقيق أهدافها تتوقف إلى حد كبير على نجاح الإدارة في توفير القدر الكافي من الدافعية لدى الأفراد ووضع نظام فعال للحافز الذي يوجه لإثارة الدوافع التي بدورها تدفع العاملين للإنتاج وتحقق لهم الرضا عن ذلك العمل مما يؤدي إلى رفع الروح المعنوية وزيادة معدلات الأداء (بلوط، 2002) في ( زيد، 2010م، ص34).

وعليه نرى أنه:

على المنظمات التي ترنو للتوفق وتحقيق أقصى درجات الوصول والتميز والبقاء في منطقة المنافسة المشتعلة؛ عليها أن تهتم اهتماماً منظماً ومدروساً بدافعية العاملين فيها ورفعها وزيادتها من خلال الطرق العلمية المختلفة، فالعنصر البشري ذي الدافعية المشتعلة والايجابية يعني منظمة ناجحة إذا ما تم استثمار ذلك على أكمل وجه.

كيف يمكنك أن ترفع دافعيتك ودافعية مرؤوسيك؟

أولاً لرفع دافعيتك وحماسك 

من خلال التعرف على فرص الترقي في المنظمة ، ونصيبك منها، وتأكد أن احترام الآخرين لك يتزايد بنجاحك في عملك، وارفع من مستوى طموحك وثقتك بنفسك لتدفعك لأداء المهام الصعبة، وقدم عملك مرضاة لله وضميرك، وحدد هدفاً محدداً وواضحاً لعملك من فترة لأخرى، تابع مدى تحقيقك لإنجازك لأهدافك، وتعرف على حاجات الأفراد وميولهم واتجاهاتهم وتعامل معهم على هذا الأساس، وأيضاً تعرف على إمكانيات المنظمة بالنسبة لمنح الحوافز المادية والمعنوية وتعرف على إمكانياتك أيضاً، وادرس إجراءات العقاب المدرجة بلائحة المنظمة ، وتعرف على كيفية استخدامها، وأستمع إلى رأي الآخرين، ففيه دافع وقيمة لك.

ثانياً لرفع قدراتك على دفع وتحميس الآخرين

من خلال التعرف على أهداف المنظمة، وأنقلها لمرؤوسيك بوضوح وموضوعية وبصورة محددة لكي تكون هي أهدافهم أيضاً، والتعرف على حاجات الأفراد وميولهم واتجاهاتهم، وتعامل معهم على هذا الأساس، والتعرف على إمكانيات المنظمة بالنسبة لمنح الحوافز المادية والمعنوية وتعرف على إمكانياتك أيضاً، والتعرف على إجراءات العقاب المدرجة بلائحة المنظمة، وتعرف على كيفية استخدامها، وانتبه أن الثواب والعقاب يكون على أساس الأداء وليس على أساس آخر، استمع إلى اقتراحات المرؤوسين، فإن تنفيذ الصالح منها يدفعهم لإنجاح العمل، حاول دائماً أن تكون المكافأة عن السلوك المرغوب متوافقة مع رغبات الفرد، وذات قيمة بالنسبة له، وقدم المكافأة عن السلوك المرغوب أمام الجماعة لتحميسهم على إتباعه، وكن قدوة لمرؤوسيك ( رشوان، 2005م، ص ص36: 38).

قائمة المصادر والمراجع

حديم، حسن. (1997). : السلوك التنظيمي ، سلوك الأفراد في المنظمات ، دار الزهران للنشر والتوزيع.

رشوان، رفعت.( 2005). السلوك التنظيمي ” مدخل بناء المهارات”، أبو ظبي.

عبد الريحم، عبد الكريم.(2017م). دوافع العمل ورضا العاملين– جامعة بابل. 12 مارس 2020م، الموقع: http://www.uobabylon.edu.iq/uobColeges/lecture.aspx?fid=9&lcid=69042

عفيفي، صديق وعبد الهادي، أحمد. (2003). السلوك التنظيمي . مكتبة عين ، القاهرة

عيطة، مصطفى كامل. (د.ت). مقدمة في السلوك التنظيمي. المكتب الجامعي الحديث, جمهورية مصر العربية.

فريال، عميرات و فراح، رأفت (2019). مستوى الدافعية للعمل لدى بعض العمال (مذكرة مقدمة لنيل شهادة ليسانس في علم النفس عمل وتنظيم). جامعة البويرة.

كركود، آمال. (2016). الدوافع وأثرها على أداء العاملين في المكتبات الجامعية – دراسة ميدانية بمكتبات جامعة العربي التبسي- تبسة ( رسالة ماجستير). جامعة العربي التبسي- تبسة

مسعد، رأفت. (2016). إدارة السلوك التنظيمي وتقويم الأداء الوظيفي في وزارة التخطيط العمراني بولاية الخرطوم ( رسالة ماجستير). جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا. السودان

المغربي، محمد الفاتح. (2016). السلوك التنظيمي . دار الجنان للنشر والتوزيع, المملكة الأردنية الهاشمية.

فيديو مقال دافعية الموارد البشرية في المنظمة وعلاقتها بسلوكهم التنظيمي

أضف تعليقك هنا