فرنسا: زيف الحقوق والحريات!!!!!!

بقلم: الدكتور رابح بن بوجمعة قاسمي

الحمد لله والصّلاة والسّلام على ما سكن حبه سويداء القلوب زيّنت لهم ديمقراطيتهم الزّائفة أن سب رسولنا الأكرم هو حرية تعبير، وهذا أمر عجاب، بل إنّه سفه من أعظم السفاهات، وسفيه القوم هو ولي أمرهم

تطاولٌ على خير خلق الله

إن خير ما يسفه سفاهتهم الّتي خوّلت لهم التطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما قاله أبو العلا المعرّي:

إذا عير الطائي بالبخل مادر *** وعير قساً بالفهاهة باقل

وقال السهى للشمس أنت كسيفة *** وقال الدجى للبدر وجهك حائل

فيا موت زر إن الحياة ذميمة *** ويا نفس جدي إن دهرك هازل.

ونحن نعلم أن التّطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليس بالجديد في بلد الأنوار كما يقال، فمنذ أن انصهرت فرنسا في بوتقة العلمانية المتطرفة أو ما يعرف بـ “ما بعد العلمانية” منذ سنة 1989م، جنّد الإعلام الفرنسيّ نفسه لمهاجمة الإسلام، فتم التّنكيل بالمسلمات المتمسكات بحجابهن في كلّ المؤسسات العمومية، كما تزعّمت بعض التّيارات السياسية مثل هذه المواقف فدعت إلى القضاء على كلّ المظاهر الإسلاميّة داخل المؤسسات التعليميّة.

ونادت بفرض رقابة صارمة على المساجد ووضع الأئمة والدّعاة تحت المراقبة السّرية. فكانت النتيجة أن تم رفت المحجبات من المدارس بعد أن رفضن نزع حجابهن. واستمر الأمر إلى أن صدر قانون العار في دولة الحريات والأنوار كما يقال وهو قانون مارس 2004 القاضي بمنع الحجاب داخل المؤسسات التعليمية العموميّة لأن الحجاب يعتبر انتهاكًا واضحا لمبدأ علمانية النظام التربوي. ولقد صرّح Christian Jacob لجريدة le monde بما يدل على توظيف قانون 2004 لتمرير الرؤى العنصرية تجاه المحجبات

تصريح Christian Jacob حول الحجاب

« C’est Jacques Chirac qui avait pris le premier la loi d’interdiction du voile dans les établissements publics (…). Là, c’est en accompagnement si j’ai bien compris. C’est ce que nous avions pris avec une directive prise par Luc Chatel à l’époque, dans laquelle je me retrouvais bien. S’il y a interdiction du voile à l’école, il faut qu’il soit également interdit dans l’accompagnement des voyages scolaires. La loi doit être appliquée. »[1]

هل كانت العلمانية الغربية هي ذريعة لمحاربة الإسلام؟

إن علمانية فرنسا جاءت لمحاربة الإسلام والمسلمين، دون باقي الأديان الأخرى، فمدارسها تدرّس قصّة “نوويل  Noël” الّذي يقدّم الهدايا للصغار في عيد المسيح[2].

ورغم عدم اعتراف كل من مقاطعتي “آلزاس- موزيل” و”لورين” بقانون علمنة فرنسا الصّادر سنة 1905، حيث خيّر سكان المنطقتين الإبقاء على قانون “الكونكوردا” الّذي وضعه نابليون بونابرات، وفيه تم الاعتراف بحرية ممارسة الطقوس الدّينية، ولذا بقيت المدارس فيهما تدرس الدّين، وكذلك رصد ميزانيات للكنائس والأماكن الخاصة بالعبادة لصيانتها، كما يتم تعيين رجال الدّين بقرار رئاسي، وتتكافل الدّولة بدفع رواتب ما يقارب 1400 رجل دين، من رهبان، وأحبار اليهود.. ولكن تم استثناء الدّين الإسلاميّ، فالإجراءات سابقة الذكر لا تطبق عليه، والحجة هنا أن قانون الكونكوردا الّذي وضع سنة 1801 لم ينص على الإسلام كدين معتبر داخل فرنسا. ورغم دعوة الجمعيات ذات الصبغة المندية إلى ضرورة الاعتراف بالإسلام مثل بقية الأديان الّتي احترمها هذا القانون إلاّ أنّ المجلس الدستوري الفرنسي أصدر قراره سنة 2013 بالرّفض معتبرًا أن الإسلام لا يمكنه أن يتساوى مع الأديان الأخرى – أي المسيحية واليهودية- ومن ثم لا يجوز إدراجه ضمن قانون 1801 الّذي جاء في حقبة زمنية معيّنة[3].

ممارسات فرنسا تجاه المسلمين

إن من أبشع ما وصل إليه تنكيل فرنسا بالمسلمين، أن حاصرت أطفال المسلمين داخل المدارس حتى في نظامهم الغذائي، حيث تم منع باقي الوجبات الغذائية داخل المدرسة في اليوم الّذي  تقدم فيه وجبة لحم الجنزير للتلاميذ[4].

والأخطر هو توسيع نطاق القانون القاضي بمنع الحجاب أو ما يعرف بحظر التّوظيف داخل المدارس الحرة أو دور حضانة الأطفال، وهذا ما تبناه مجلس الشيوخ في 17 جانفي 2012 ولكن لم يتم تفعيله إلى أن حصلت حادثة حريدة شارلي إيبدو عندها تبنت الجمعية الوطنية الفرنسية هذا القانون والّذي ما يزال ينتظر قراءة نهائية من مجلس الشيوخ للمصادقة عليه وهو “قانون في منتهى الخطورة، وله انعكاسات سلبية على حريات الأفراد وخاصّة النساء المسلمات، وإن تم تمريره والمصادقة عليه، فسوف يقضي بمنع أي مسلمة متحجبة من الاقتراب من مدارس حضانة الأطفال لاستلام ابنها الصغير، وسيتحتم عليها أن تنزع حجابها إن أرادت الدّخول إلى المؤسسة لإيداع صغيرها. كما سيلزمها بنزع حجابها في بيتها إن أرادت أن تشتغل كحاضنة أطفال في بيتها”[5].

 هل سعت فرنسا لتقنين ممارستها وجعلها تحت ستار قانوني؟

ما نأسف له أن العيون الساهرة على حبك مثل هذه القوانين أصحابها في أغلبهم من أصول عربية، مثل جمعية”Ni putes ni soumises لا مومسات ولا خاضعات” لرئيستها سهام حبشي صاحبة المكانة لدى الرئيس الفرنسي الحالي[6] وهي الّتي تعرّت أمام عدسات المصورين أثناء جلسة للجنة النواب الفرنسيين، ثم قالت: “لا حاجة لي في التخفي وأن لا عيب في جسدي لكي أخفيه…وأنّه يجب مطاردة الغطرسة الرجالية لدى المسلمين…وعلى أعضاء اللجنة البرلمانية سن تشريع يمنع ستر النساء المسلمات لأجسادهن”[7].

كما توجد حزمة من المقترحات لسن القوانين ضد المسلمين، منها مقترح قانون منع المحجبات من مرافقة أطفالهن، وهو منشور على الجمعية الوطنية الفرنسية وقد تم اقتراحه بتاريخ 14 أكتوبر 2008 وهو مسجل لدى الجمعية تحت رقم 1080 تحت عنوان: “قانون يهدف إلى منع ارتداء رموز أو ثياب تظهر بوضوح المعتنق الدّيني، أو السياسي، أو الفلسفي، من طرف أي شخص تشغلّه السلطة العموميّة، أو مكلف بمهمّة عموميّة أو شارك فيها”[8].

وقد نصت فصوله على ما يلي:

Article 1er

Le port de tenues ou de signes manifestant ostensiblement une appartenance religieuse, politique ou philosophique est interdit à toute personne investie de l’autorité publique et à toute personne chargée d’assurer une mission de service public ou y participant concurremment. Il en est de même pour toute personne investie d’un mandat électif public dans l’exercice de ses fonctions.

Article 2

Le port de tenues ou de signes manifestant ostensiblement une appartenance religieuse, politique ou philosophique est interdit dans l’enceinte des établissements dans lesquels est exercée une activité de service public, s’ils appellent à la provocation ou s’ils sont contraires à la dignité humaine.

Article 3

Toute infraction aux articles 1er et 2 est punie de l’amende prévue à l’article 131-13 du code pénal pour les contraventions de 5e classe.

وقد تضمن دباجة توضح التوجه العلماني لدولة فرنسا، والعداء للإسلام والمسلمين. ومثل هذا التّشريع يوضح الخلفية التي يتم من خلالها الإساءة إلى رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، فمواد هذا القانون شرّعت لمنع مرتديات الحجاب من دخول الفضاءات التربوية.

كما تم وضع مشروع قانون تحت عدد 2316 قصد إلحاق التنقل المدرسي بقانون 1080، وقد تم اقتراح هذا القانون في 22 أكتوبر 2014 وجاء في فصله الوحيد ما نصّه:

Article unique

Après le premier aliéna de l’article L. 141-5-1 du code de l’éducation, il est inséré un alinéa ainsi rédigé :

« Lorsqu’ils accompagnent les élèves lors des sorties et voyages scolaires, le port de signes ou tenues par lesquels les parents d’élèves manifestent ostensiblement une appartenance religieuse est interdit. »

كيف تُعامل المرأة المحجبة في فرنسا؟

ثم قانون الحضانات المتحجبات  Loi anti- Nounou وقد تم اقتراحه في شهر أكتوبر 2011 وتعود حيثيات هذا المقترح إلى أنّ إحدى دور حضانة الأطفال في باريس طردت عاملة مسلمة بحجّة أنّها ترتدي الحجاب، ولقد انحاز القضاء في مرحلة أولى إلى علمانية الدّولة وقرّر تأييد هذا الطّرد، بعد أن رافع محامي دار الحضانة على قرار موكلته، وجاء في كلامه: “ارتداء هذه السّيدة للحجاب سوف يؤدي إلى تأثر الأطفال وإلى اهتمامهم بهذا الزّي الدّيني وربما يتعمق الحجاب في قلوبهم فيؤثر في حياتهم المستقبلية”[9]. ولكن محكمة النقض طعنت في هذا القرار وأنصفت المرأة المتحجبة. وبصدور هذا الحكم تألب كثير من الفرنسيين ضدّ المسلمين بحجة مناصرة علمانية فرنسا وقرروا وضع مقترح قانون يمنع ارتداء اللباس الديني للحاضنات[10].

فهذا القانون وغيره من القوانين يدل على أن العداء للمسلمين ينطلق من خلفية علمانيّة متطرفة لا تؤمن بحريات ولا بتعدد الآراء، وكل ما يقال في غالبه ما هو إلا سراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا ووجد أنوار فرنسا مجرد مصابيح خافتة تضيء مكامن العداء والمقت تجاه المسلمين، وبمثل هذا التطرف صنع التطرف لدى الاتجاه المخالف. والإساءة للرسول صلى الله عليه وسلّم خير مثال، ورغم ذلك فزبد فرنسا سيذهب جفاءً وسيبقى الدّين الإسلامي شامخًا لما فيه من منافع للبشرية.

مراجع

[1] – راجع: La loi autorise sans ambiguïté les mères qui portent le voile à accompagner les sorties scolaires.

منشور على موقع: https://www.lemonde.fr/les-decodeurs/article/2019/10/14/la-loi-autorise-les-meres-voilees-en-sorties-scolaires-contrairement-a-ce-qu-insinue-christian-jacob_6015465_4355770.html

راجع أيضا مقال بعنوان: Le Sénat vote l’interdiction du voile pour les parents accompagnateurs

منشور على موقع https://www.nouvelobs.com/politique/20191029.OBS20457/le-senat-vote-l-interdiction-du-voile-pour-les-parents-accompagnateurs.html

[2] – ولد المرواني، محمد عبد الله: فرنسا الّتي رأيت، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين – ألمانيا،  2017 ص27.

[3] – ن.م، ص30.

[4] – راجع مقال: توسيع حظر الحجاب ومنع الأطفال من الطعام الحلال.. لماذا يتناقض قانون ماكرون ضد المسلمين مع العلمانية؟ منشور على موقع عربي بوست:

وادع أيضا مقال بعنوان: في مدارس فرنسا… تأكل لحم الخنزير أو لا تأكل شيئًا

منشور على موقع إيلاف:

https://elaph.com/Web/News/2015/10/1047353.html

[5] – ولد المرواني:ن، م، ص36، 37.

[6] – راجع مقال بعنوان: ساركوزي يسلم تسليمة نسرين جائزة فرنسية رفيعة، منشور على موقع

https://www.aljazeera.net/news/cultureandart

[7] – – ولد المرواني:ن، م، ص49، 50.

[8] – منشور على الموقع:

http://www.assemblee-nationale.fr/13/propositions/pion1080.asp

[9] – ولد المرواني: ن.م، ص256.

نص مشروع هذا القانون على ما يلي:

Article 1er

L’article L. 2324-1 du code de la santé publique est ainsi

1° Après le troisième alinéa, il est inséré un II ainsi rédigé :

« II. – Lorsqu’ils bénéficient d’une aide financière publique, les établissements et services accueillant des enfants de moins de six ans sont soumis à une obligation de neutralité en matière religieuse.

« Les établissements et services ne bénéficiant pas d’une aide financière publique peuvent apporter certaines restrictions à la liberté d’expression religieuse de leurs salariés au contact d’enfants. Ces restrictions, régies par l’article L. 1121-1 du code du travail, figurent dans le règlement intérieur ou, à défaut, dans une note de service.

« Les deux alinéas précédents ne sont pas applicables aux personnes morales de droit privé se prévalant d’un caractère propre porté à la connaissance du public intéressé. Toutefois, lorsqu’elles bénéficient d’une aide financière publique, ces personnes accueillent tous les enfants, sans distinction d’origine, d’opinion ou de croyances de leurs représentants légaux. Leurs activités assurent le respect de la liberté de conscience des enfants. » ;

2° Le premier alinéa est précédé de la mention : « I. – »  et le quatrième alinéa de la mention : « III. – ».

Article 2

Après l’article L. 227-1 du code de l’action sociale et des familles, il est inséré un article L. 227-1-1 ainsi rédigé :

« Art. L. 227-1-1. – Lorsqu’elles bénéficient d’une aide financière publique, les personnes morales de droit privé qui accueillent des mineurs protégés au titre du présent chapitre sont soumises à une obligation de neutralité en matière religieuse.

« Les personnes morales ne bénéficiant pas d’une aide financière publique peuvent apporter certaines restrictions à la liberté d’expression religieuse de leurs salariés au contact des mineurs. Ces restrictions, régies par l’article L. 1121-1 du code du travail, figurent dans le règlement intérieur ou, à défaut, dans une note de service.

« Les deux alinéas précédents ne sont pas applicables aux personnes morales de droit privé se prévalant d’un caractère propre porté à la connaissance du public intéressé. Toutefois, lorsqu’elles bénéficient d’une aide financière publique, ces personnes morales accueillent tous les mineurs, sans distinction d’origine, d’opinion ou de croyances. Leurs activités assurent le respect de la liberté de conscience des mineurs. »

Article 3 (nouveau)

Avant l’article L. 423-23 du code de l’action sociale et des familles, il est inséré un article L. 423-22-1 ainsi rédigé :

« Art. L. 423-22-1. – À défaut de stipulation contraire inscrite dans le contrat qui le lie au particulier employeur, l’assistant maternel est soumis à une obligation de neutralité en matière religieuse dans le cours de son activité d’accueil d’enfants. »

Délibéré en séance publique, à Paris, le 17 janvier 2012.

Le Président,

Signé : Jean-Pierre BEL

منشور على موقع:

https://www.senat.fr/leg/tas11-048.html

بقلم: الدكتور رابح بن بوجمعة قاسمي

أضف تعليقك هنا