معجزة القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد، لنتحدث عن معجزة القرآن الكريم.

معجزة ” القرآن الكريم بلسان عربي “

نزل القرآن الكريم بلسان العرب والله أخبر بذلك في كتابه وعلى لسان نبيه:

قال تعالى ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾¹

قال تعالى ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾²

قال تعالى {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾³

قال تعالى ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾⁴

قال تعالى ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾⁵

والأدلة في هذا الباب كثيرة جداً فقد ورد في القرآن الكريم العديد من المواضع التي تثبت بأنه نزل باللسان العربي

والعرب كانوا أفصح الناس وأعلمهم بهذا اللسان، وقد بلغوا الذروة في هذا العلم وعندما نزل القرآن الكريم تحداهم أم يأتوا بمثل القرآن في بلاغته وفصاحته

قال تعالى ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾⁶

فعجزوا أن يأتوا بمثله، فخفف التحدي، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور فقط

قال تعالى ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾⁷

فعجزوا أيضاً هذه المرة فخفِف التحدي مرة أخرى على أن يأتوا بسورة من القرآن

قال تعالى ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾⁸

وقال أيضاً﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾⁹

ولكنهم عجزوا أيضاً فلم يستطيعوا أن يأتوا بسورة واحدة في مثل بلاغة القرآن ورونقه وفصاحته، بل بالعكس شهدوا له بالإعجاز وبأنه معجز.

بعض المشركين الذين شهدوا بإعجاز القرآن الكريم

عتبة بن ربيعة

عندما أرسلته قريش لينظر فيما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم وتكلم معه كلاماً طويلاً فلما انتهى من كلامه قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفرغت يا أبا الوليد قال: نعم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4)

إلى أن وصل لقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾¹⁰

فقام عتبة ووضع يده على فيه النبي صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم أن يكف عنه، وعندما رجع إلى قريش قالوا: لقد رجع أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، وكان فيما قال لهم عتبة بن ربيعة: يا معشر قريش: أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرَّجل وبين ما هو فيه واعتزلوه، فوالله ليكون ليكونَّن لقوله الذي سمعت نبأ، قالوا: لقد سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه¹¹.

الوليد بن المغيرة شهد بإعجاز القرآن الكريم

الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه، فقال: يا عم، إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالاً! قال: لم؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمدًا تتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً، قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له، أو أنك كاره له، قال: وماذا أقول؟! فوالله، ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن مني، والله، ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا، والله، إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعاله، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه! قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكر، قال: ﴿فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ يأثره عن غيره، فنزلت: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾¹².

فساد ادعاءات المضللين للقرآن الكريم

ويأتي في هذا الزمان بعض الناس الذين لا يستطيعون أن يقرأوا ولو آية واحدة من القرآن يقولون بأنهم أتوا بسور تشبه القرآن وبعضهم وصل إلى قمة السذاجة فأتى بكتاب وقال بأن القرآن الكريم لا يضاهي هذا الكتاب وإذا قرأت هذا الكلام الذي أتوا كلاما ركيكاً جداً تجده في غاية الاضمحلال والتدني وتجد أنهم قالوا أن القرآن به أخطاء نحوية وبه كلمات غير عربية وكيف هذا وأنتم لم تتقنوا العربية التي نزل بها هذا القرآن وهذا وإن كان يدل لا يدل إلا على شيء واحد ألا وهو أن هؤلاء الناس لم يأتوا بهذا الكلام من تلقاء أنفسهم فهم اقتبسوه من غيرهم فهم لم يعرضوه على أنفسهم قبل أن يقولوا به وذلك لأنهم لو عرضوه على عقلهم لوجدوا بأنه كلام باطل وادعاء ليس له أي أساس من الصحة.

الكلام الذي جاءوا به والادعاءات التي افتروها كذباً على القرآن فاسدة من عدة أوجه:

الوجه الأول:

أن القرآن نزل بلغة العرب والعرب كانوا أعلم الناس بهذا اللسان كما سبق بيانه وكانوا يتلهفون لرؤية ووجود ولو خطأ واحد في القرآن ْلإبطال هذه الدعوة مذ بدأت فقد قال الإمام الرماني رحمه الله في رسالته بيان إعجاز القرآن

قال فيها: وسمعت ابن أبي هريرة يحكي عن أبي العباس بن سريج قال: سأل رجل بعض العلماء عن قوله تعالى: ﴿لا أقسم بهذا البلد﴾¹³ ،فأخبر بأنه لا يقسم ثم أقسم به في قوله تعالى: ﴿والتين والزيتون، وطور سنين، وهذا البلد الأمين﴾¹⁴

فقال له ابن سريج: أي الأمرين أحب إليك، أجيبك ثم أقطعك، أم أقطعك ثم أجيبك؟

فقال له: لا، بل اقطعني ثم أجبني

فقال له ابن سريج: أعلم أن هذا القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مغمزاً بحضرة رجال وبين ظهراني قوم كانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مطعناً، فلو كان هذا من عندهم مناقضة لتعلقوا به وأسرعوا بالرد عليه ولكن القوم علموا وجهلت فلم ينكروا ما أنكرت

ثم قال له: إن العرب قد تدخل لا في أثناء الكلام وتلغي معناها، كقول الشاعر:

في بئر لا حور سرى وما شعر

يريد في بئر حور سرى وما شعر، وأخبرني أبو عمر عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال: العرب تذكر لا وتلغيه وتضمر لا واستعماله وأنشد في الأول قوله:

بئر حور سرى وما شعر

وفي الآخر قول الشاعر:

أوصيك أن تحمدك الأقارب،،، أو يرجع المسكين وهو خائب

يريد أوصيك لا يرجع المسكين وهو خائب¹⁵

ومع ذالك لم تستطع العرب أن تخرج خطأ واحد من القرآن الكريم بل شهدوا بأنه معجز، وأقصى شيء قالوه في القرآن بأنه سحر وأن النبي صلى الله عليه وسلم ساحر ﴿وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يكون كذالك﴾، وإنما قالوا ذالك إرضاءً لأنفسهم

فكيف بشخص في زماننا هذا الآن يدعي بأن بالقرآن أخطاء وهو لا يفقه شيئاً في هذا اللسان العربي الذي نزل به

الوجه الثاني:

علم النحو والصرف أتى بعد القرآن بل أخذ منه ومن كلام العرب، ثم يأتي هذا الشخص ويقول أن هناك خطأ لغوي في القرآن، يا فصيح لو فرضنا أن هناك آية تخالف قاعدة نحوية معينة فالآية حجة على القاعدة لا العكس، النبي رجل عربي سواء آمنت به أن لم تؤمن فكيف يلحن في اللغة واللحن لم يظهر إلا بعد عقود من وفاته بسبب األعاجم

الوجه الثالث:

أن الادعاء الذي جاءوا به أن القرآن به كلمات غير عربية ادعاء فاسد تماما وهذا لأن الكلمات الأعجمية إذا استخدمت في المحيط العربي صارت عربية وهذا أمر مسلم به بين اللغات كلها فتجد كلمات إنجليزية كانت الأصل عربية ولكنها مع الاستخدام صارت إنجليزية كذالك لغة العرب إذا استخدم فيها كلمات أعجمية صارت هذه الكلمات عربية بالاستعمال، وأيضاً العرب لم تعترض على هذه الكلمات المعدودة التي وردت في القرآن لأنهم يعلمون هذا جيداً.

الوجه الرابع:

أن القرآن الكريم اشتمل على معظم قواعد اللغة العربية وأما بقية القواعد لم تعد تستخدم كثيرا ومنها الشاذ، والقواعد التي لم تأت فيه فهي قواعد غير مشهورة

والقرآن يستشهد به معظم علماء اللغة عند سرد قواعدها لفصاحته ولإعجازه فكيف يكون به أخطاء لغوية.

وسبحان الله! هم بهذه الادعاءات التي أتوا بها أثبتوا أوجه عدة من أوجه الإعجازعجاز التي أتى بها القرآن الكريم

وفي النهاية نقول أن هؤلاء الذين جاءوا بهذا الادعاء لا يتبعون أي منهجية علمية؛ لأنهم لو كانت عندهم هذه المنهجية وعقلوا هذ الكلام قبل أن يدعوه لعلموا الحق من الباطل ولكنهم يفعلون هذا أجل الانتصار النفسي والشخصي ولا تهمهم الحقيقة.

المصادر والمراجع:

1- [سورة الشعراء: ١٩٥]

2- [سورة يوسف: ٢]

3- [سورة الزمر: ٢٨]

4- [سورة فصلت: ٣]

5- [سورة الزخرف: ٣]

6- [سورة الإسراء: ٨٨]

7- [سورة هود: ١٣]

8- [سورة البقرة: ٢٣]

9- [سورة يونس: ٣٨]

10- [سورة فصلت: ١,٢,٣,٤]

11- دلائل النبوة لإسماعيل بن محمد الفضل التيمي الأصبهاني، (٢/٢٢٠,٢٢٢)، رقم (٢٥٨)، ومسند أبي يعلى (٣/٣٥٠) رقم (١٨١٨)، ومصنف ابن أبي شيبة (٣٣٠٧)، رقم (٣٦٥٦٠)، تفسير الطبري (٢٨/١٥٥,١٥٧)، الدر المنثور (٧/٣٠٨)

12- الحاكم: كتاب التفسير (٣٨٧٢) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وصححه الألباني، انظر: صحيح السيرة النبوية ص١٥٩

13- [سورة البلد: ١]

14- [سورة التين: ١,٢,٣]

15- كتاب ثلاث رسائل في إعجاز القرآن الكريم [ص٤٧, ٤٨]

بقلم: زياد محمد ياسين

 

أضف تعليقك هنا