رحمة الله

السلام عليكم ورحمة الله
على إثر وفاة لاعب كرة القدم الشهير مرادونا انطلقت حملة توعية هدفها منع المسلمين من الترحم على الفقيد بتعلة أنه غير مسلم ولا يجوز الترحم على غير المسلمين ، هذا ما أدى إلى جدل واسع حول الموضوع ووصل الأمر إلى تشكيك البعض في صفة الله كغفور رحيم وزعزعة إيمان بعض المسلمين، مما اضطرني إلى كتابة هذا المقال والإجابة عن التساؤل التالي:

هل يجوز الترحم على غير المسلمين وما هو السبب؟

في البداية وجب التطرق إلى معرفة من المقصود بغير مسلم:
منذ بداية الإسلام وانتشار الدعوى المحمدية ظهر تقسيم ثلاثي للمعتقدات في العالم إلى يومنا هذا وهو كالآتي:

  1. المسلمين: وهم من يؤمنون بوجود الله تعالى وأنه “لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد” أي أنهم يوحدون الله ويؤمنون بكل الأنبياء والرسل
  2. المشركين: وهم من يعتقدون بوجود الله تعالى لكنهم يشركونه بالملك مع شئ آخر كالجماد مثلا أو العباد مثل النصارى يؤمنون بوجود الله لكنهم يشركون النبي عيسى عليه السلام مع الله في الملك ويدعون أنه ابن الله والعياذ بالله أو أنه الله وذلك حسب توجهاتهم الدينية
  3. الكفار: وهم من ينفون وجود الله تماما مثل الملحدين

عموما إن لفظ الكافر شامل ويمكن أن يشمل الكفار والمشركين على حد السواء ذلك أن كل من لا يؤمن بما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام يعتبر كافرا مهما كانت توجهاته الدينية فيكون التقسيم كالآتي (مسلمين وكفار)، بعد هذا التوضيح يسهل علينا الإجابة عن السؤال على من تجوز الرحمة:

الترحم على غير المسلمين كما ورد في القرآن والسنة 

يقول الله تعالى في كتابه الكريم :”وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ” هذه الآية القرآنية وردت في المطلق وعامة فلم تخص قوما معينا أو مجموعة دون آخرة فرحمة الله تعالى وسعت كل شئ ووسعت العالمين وتكون الرحمة بأشكال معينة ومتعددة مثل إنقاذ قوم من الهلاك وإنزال الأمطار على الأرض وإحيائها لينعم الناس بخيراتها وإنقاذ البشرية من مصائب عظمى كالأوبئة الفتاكة مثلا وغيرها من مظاهر الرحمة في الكون كذلك رحمة الله تعالى تكون في الآخرة فيغفر الله تعالى ما سبق من ذنوب العباد ويدخلهم برحمته إلى جنة الخلد دون عقاب.

السؤال المطروح هل أن الكفار بموجب تلك الآية ينعمون بالمغفرة دنيا وآخرة؟

يقول الله عز وجل :” مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {التوبة:113}.” إن الله من خلال هذه الآية قد منع المسلمين بشكل صريح عن طلب الرحمة للمشركين وكذلك الكفر باعتبار أن الشرك أقل درجة من الكفر ودعم النبي عليه الصلاة والسلام هذه الآيه بقوله :(والذي نفسي بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، ولا يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم وغيره.)، فكل من مات على غير دين الإسلام يكون مصيره الطبيعي النار وبئس المصير وبالتالي يمنع على المسلمين بالقرآن والسنة الترحم على الكفار والمشركين ذلك أن طلب الرحمة لهم يكون بغير فائدة فكيف لشخص لم يؤمن بالله تعالى أن يدخل الجنة!

فرحمة الله تعالى تكون جامعة لكل الناس في الأرض مسلمين ومشركين وكفار فالمسلم يجازى بعمله في الدنيا والآخرة على حد السواء، أما المشركين والكفار يجازون بأفعالهم في الدنيا فقط دون الآخرة لأنهم لم يؤمنوا بالله وبما أن الله أرحم الراحمين فإنه يجايهم بإحسانهم في الدنيا ولا يسخط عليهم علهم يتوبون لله ويؤمنوا قبل فوات الأوان والموت أما المسلمين بما أنهم آمنوا بالله تعالى وأطاعوه يكون أجرهم في الدنيا والآخرة . ولمزيد دحض فكرة عدم رحمة الله بعباده سأتطرق الموضوع من وجهة نظر واقعية

الإسلام محاكاة للمنطق:

إن الفيصل بين المسلم والكافر هو الموت، فعند موت الإنسان ينقطع عمله فقد جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” رواه مسلم. فالمبدأ أن عمل العبد ينقطع بالموت أما الإستثناء يكون بالصدفة الجارية أو بالعمل الذي ينتفع به أو الولد الصالح، والاستثناء يخص فقط المسلمين، فانقطاع العمل يؤدي إلى انتهاء الاختبار الإلهي لنا الذي وجدنا من أجله في الحياة الدنيا وهو خلافة الله في أرضه وعبادته واتباع أوامره والحياد عما نهانا عنه وبالتالي فإن الإنسان الذي يستحق طلب المغفرة والغفران من الله تعالى هو الإنسان الذي صدق بما جاء به نبينا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام وآمن بالله ولم يشرك بعبادة ربه أحدا ويكون بذلك قد نجح في الاختبار الإلهي فقد قال الله تعالى :”إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا”.

فالشرك من الكبائر ووعد الله حق فقد وعد الله المشركين بجهنم وهذا المصير لاحياد عنه فلا يمكن لعبد من عباد الله أن يطلب الرحمة لمن أشرك ثم أنه هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون ! طبعا لا يستويان فمن العدل الإلهي أن يجازي الله الذين أطاعوه وآمنوا به في الدنيا بالمغفرة والرحمة في آخرتهم كذلك من العدل أن يجازي من أشركوا  به وعصوه بجهنم وبئس المصير ولو حدث خلاف ذلك لكان الله غير عادل وظالم ومخلفا لوعده ووعيده وحاشا الله من ذلك فهو العادل الجبار ولم يظلم أحدا فقد حث المشركين والكفار على الإيمان وبعث لهم بالأنبياء والرسل والكتب وغيرها من مظاهر الهداية ورغم ذلك ظلموا أنفسهم ولم يكونوا من المهتدين وفرطوا في ووعود الله بالرحمة والمغفرة وبالتالي حقت عليهم جهنم وعذاب الحريق وحرم على المسلمين طلب المغفرة الإلهية لهم لأنهم غير جديرين بها ولا يمكن لله تعالى أن يدخل القوم الظالمين الذين أشركوا به وظلموا أنفسهم في الجنة تحقيقا العدل الإلهي ووعد الله في الدنيا والآخرة .

فيديو مقال رحمة الله

أضف تعليقك هنا