الذاكرة إيّاها

بالأمس اجتمعتُ وأصدقائي في مقهى اُفتتحت حديثًا، ولكنني لم أشعر بذلك قط. كل شيء بدا وكأنني رأيته مسبقًا، هل جئت إلى هنا من قبل؟ ما الذي يحدث؟ مقال يتحدث عن التذكر و عدم التذكر (ديچا ڤو) ويمكنك قراءة المزيد من المقالات التي تتناول مواضع علم نفس من هنا.

ما بين التذكر و عدم التذكر “ديچا ڤو”

«التذكُّر هو السفر العقلي عبر الزمن» – إيندل تولڤينج, عالم نفس
ذكرياتنا ليست نُسَخًا نكتبها مرة واحدة فقط فيتم تخزينها، ولكن تقوم أدمغتنا بمسح الأشياء التي تقابلنا باستمرار لتحدد ما يعتبر مألوفًا، ومنها إلى الجزء الذي يُطلق عليه (Hippocampus) في المخ ليستحضر الذكرى المرتبطة به ويعيد إطلاقها. ولكن ماذا إذا شعرت بأن شيئًا ما مألوفًا ولكنك فشلت فقط في تذكُّره؟ حينها يمكن أن يطلق على هذه العملية ”ديچا ڤو – déjà vu”

ما المقصود بمصطلح “ديچا ڤو”؟

”ديچا ڤو” هي كلمة فرنسية الأصل تتكون من شقين وتعني أنك رأيته من قبل، هل مررت بهذه التجربة؟.. تخبرنا الدراسات أن أكثر من ٩٠٪ قد مروا بهذا الشعور مرة واحدة على الأقل، وكما قلت إنه شعور وليست ظاهرة فيزيائية نستطيع تسجيلها أثناء المسح الذري.

تفسيرات حول عدم التذكر 

لطالما حاول العلماء ربط العملية بالاضطرابات التي قد يتعرض لها الانسان مثل الاكتئاب أو الزهايمر، أو بالأدوية التي يتناولها، ولكنهم احتاجوا لتفسيرات أخرى لأولئك الطبيعيين تمامًا الذين يمرون بنفس التجربة. ولأنه لا يوجد أي دلائل مادية –فهي حالة تحدث في جزء من الثانية ومن الصعب جدًا تسجيلها– ظهرت العديد من النظريات والتكهنات. ومع ذلك، حاولت التطورات الأخيرة في مجال التصوير العصبي وعلم النفس الإدراكي على الأقل تضييق نطاق التوقعات. ومن هنا دعني أستعرض لك ثلاثة من النظريات المحتملة والأكثر انتشارًا لتفسير التجربة..

النظرية الأولى، ويطلق عليها الاستيعاب المزدوج (Dual Processing):

لنفترض أنني وبينما كنت بالمقهى أنتظر مشروبي، فإذا بالخادم يختل توازنه ويتدحرج كوب الشاي من يده فينكسر، حينها من الطبيعي أن يقوم دماغي بتسجيل صورة الشاي المسكوب على الأرض، وصوت انكسار الكوب، وحركة الخادم معًا في اللحظة ذاتها، ولكن بدلًا من ذلك قام فقط بتسجيل الصوت وحركة الخادم مثلًا، ثم الثالث متأخرًا بسبب إختلال ما، بالتالي سيقوم النصف الثاني من المخ بعرض صورة الشاي المسكوب على أنها حدثٌ منفصل قد رأيته من قبل.. وأنا فعلًا قد رأيته من قبل!

وأما النظرية الثانية، الصورة المجسمة (Holographic Theory):

أرى أنك أحببت فكرة الأمثلة.. ولذلك فلنفترض أن مفرش الطاولة في المقهى يتكون من مربعات صغيرة متساوية، وبينما كان صديقي يفحصه، حضرته ذكرى بعيدة من أعماق دماغه وكأنه قد رأى هذا المفرش من قبل عند جدته مثلًا، لماذا تذكره؟ وذلك ببساطة لأن الذكريات تُسجَل في الذاكرة على هيئة صور مجسمة، وبالتالي فهو يحتاج لمربع واحد فقط ليتذكر الصورة الكاملة، ومع ذلك بدلًا من أن يتذكر أنه رآه من قبل، قام عقله باستدعاء الذكرى القديمة ولكن دون تعريفها. فهمت؟

هانت، لقد وصلنا إلى النظرية الثالثة والأخيرة، والتي يطلق عليها الاهتمام المنقسم (Divided Attention):

وبها يحدث ”ديچا ڤو” عندما ينغمس الدماغ في البيئة المحيطة لا شعوريًا بينما نحن مُشتَتين بشيءٍ واحد فقط، وعندما يعود انتباهنا نشعر بأنه كما لو كنا هنا من قبل، ما زلت معي؟ دعني أوضح لك بمثال: لنفترض أن الخادم جاءنا بزجاجةٍ من المياة المعدنية، أنت الآن منتبه للزجاجة بالطبع ”هل أفتحها أم أنتظر؟” ولم تلحظ المفرش مثلًا. ولكن في الحقيقة يقوم دماغك بتسجيل كل شيء عن طريق الرؤية الطرفية وذلك دون وعي منك، وعندما تبعد عينيك عن الزجاجة وتعود، ستشعر بأنك كنت هنا من قبل، لأنك فعلًا كنت، ولكنك فقط لم تكن منتبهًا.

تختلف أسباب حدوث الـ ”ديچا ڤو” من شخصٍ إلى آخر وتعتمد على أشياء عدة. أنا أنصحك في المرة القادمة إن كنت مُحنَّكًا لهذه الدرجة.. خذ دقيقة، فكر في السبب. هل كنت مُشتَتًا؟ هل هناك جسم مألوف في المكان؟ ه‍ل دماغك يتصرف فقط ببطء؟ أم أنه شيء آخر؟ وفي النهاية دعني أتأسف لنفسي لأنني ذهبت إلى هذه المقهى الجديدة، من الواضح أنني سأظل عند (أبو كريم) للأبد.

فيديو مقال الذاكرة إيّاها

أضف تعليقك هنا