حكايةُ سجين

معاناة خلف القضبان  

بين جدران الزنزانة، في قفصٍ باتت خيوط العناكب ترسمُ لوحاته، على تلك النافذة التي أنارت عتمة الأيام، بين تلك الزوايا وعلى تلك الجدران حكايات نُقشت، هي لحظاتُ ما قبل النطق بالحُكم كفيلةُ بقتل إنسانٍ على قيد الحياة، فالمُتهم بريء حتى بعد إثبات إدانته أحيانًا، فكم من مجرمٍ بريء! وكم من متهمٍ مظلوم! وكم من طليقٍ سجين! مقال يتحدث عن قصة سجين خلف القضبان ويمكنك قرءاة المزيد من المقالات التي تتحدث عن قصة من هنا.

أنا ذلك البريء الذي أٌثبتت إدانته، فكان الحكمُ الجائر من قسمتي، فبتُ اليوم نزيل تلك الجدران مع ذكرياتي وحاضري، وبات الحائط المتسخُ مرسمًا لأحلامي التي قُتلت وراء تلك القضبان، وراء تلك الأعمدةُ الحديدية أمضيت نصف عمري، والباقي مازال قيد المجهول. مازال تحت رحمة قدرٍ سخر مني، وإما بإنتظار معجزةٍ تنفذُ حكم العدالة.في ذلك المبنى، بين تلك الغرف الصامتة، تُعزفُ قصصٌ أرهقها الألم، بين واحد وآخر، بين نظرة وأخرى نقرأ حكاياتٌ كان ومازال البوح بها يترافق بغصة، فمنهم من لم ينطق الحكم بقضيته بعد ولازال ينتظر، وآخرون شارفوا على الرحيل إلى شمس الحرية، وغيرهم بات السجنُ منزلهم المؤبد فلا مهرب منه…

ما قبل النطق بالحكم

هي أيامٌ ولربما أشهرٌ وأعوام يعيشها المتهم قبل النطق بالحكم عليه، فيعيش فترات لا تطاق بين الحنين إلى الخارج وبين التأقلم مع نزلاء جدد، منزلٌ جديد، وحياةُ بلا حرية، بين التفكير بما فعله، وما هو المصير؟ وبين جريمةٍ ألصقت ببريء أثبتت كل الأدلة إدانته وكم من مجرمٍ أثبتت برائته كل الأدلة وبقي حرًا، ولكن ما جمعهم جدران تلك الزنزانة.

ما بعد النطق بالحكم

ما بعد النطق بالحكم أصبحت الصور أكثر وضوحًا والمستقبل أكثر سوادًا، فبات ذلك السرير مكان راحتهم الوحيد، وباتت تلك النافذة منفذ الهواء الأوحد، بين تلك الجدران تبدأ قصصٌ وحكايات، تبدأ روايات لأبطالٍ منهم الظالم ومنهم المظلوم، ولكن تبقى وحدها الحرية الحلم الذي يجمعهم، يُمضي هؤلاء أيامهم ما بين الذكريات والأمل، ما بين الندم والقهر، ما بين الشعور بالظلم والشعور بالذنب، فمنهم القاتل ومنهم المقتول، منهم من أذى وندم، ومنهم من تأذى وظُلم، وتمر الأيام والسنين، على أمل الخروج والعودة إلى أحضان المجتمع، فمنهم من يخرج وآخرون حكموا على أنفسهم بالسجن المؤبد، إلا من قسى عليه القدر وحكم عليه دون أن يرتكب جرمًا فقال عنهم عبد الرحمن منيف: “أتعرف أن بعض الذين ينامون في السجون الآن أشرف ألف مرة من القضاة الذين حاكموهم وحكموا عليهم”؟

ماذا بعد الخروج

هنا تبدأ المشقات فما قبل السجن ليس كما بعده، في مجتمعٍ لا يرحم تصبح الحياة أكثر صعوبة، فهم يتنشقون الهواء الآن ولكن بغصة. خرجوا إلى الحرية المزيفة، وبات اندماجهم في المجتمع أكثر صعوبة، بسبب التفكير السلبي والحكم على الإنسان بالسجن مرتين مرة خلف القضبان وأخرى خارجها، فتبدأ نظرات الشفقة من ناحية، نظرات الخوف منهم، عدم تقبلهم في أي عمل، الابتعاد عنهم فنحكم عليهم بالظلم مرتين، هم ظلَموا ولكنهم ظُلموا، فحكمنا عليهم بالسجن مرتين، فهربوا من سجنٍ إلى حرية مقيدة، فروا من سجن يكبل أيديهم إلى واحد يكبل قلوبهم، فلنرحمهم…حتى لا يعودوا إلى خلف تلك القضبان يومًا.

فيديو مقال حكايةُ سجين

أضف تعليقك هنا