حول ماهيّة المثاليّة فلسفيّاَ وربطها بالواقعيّ الحقيقيّ

كثيراً ما يتبادر إلى أذهاننا مصطلح المثاليّة Idealism وربط معناه بعالمٍ ورديّ مزخرفٍ بالوهمِ والخيال، أو حسبَ تعبير البعض هو النفس البشريّة بأعلى درجات نشوتها ودونيّتها -وهي معلومة مغلوطة أصلاً- وهو بالشيء الطبيعيّ في مللٍ ومجتمعاتٍ باتت فيها صياغة أبسطَ مفاهيمِ المنطق أشبهَ بالمستحيل.

متى ذُكر مصطلح المثالية؟

ذُكِر هذا المصطلحُ تأريخياً بوضوح في عهد الفلاسفة الإغريق وبالتحديد في حقبة سقراط في مأدبةٍ فكريّة جمعت طالبيه الفذّين أفلاطون وأرسطو صاغَتْ بمضمونها مفهومين جديدين للفكر الإنسانيّ عامةً وللفكر الفلسفيّ على وجه الخصوص وهما “مثاليّة أفلاطون وماديّة أرسطو” وأصبحَ من المتعارف عليه في الأزمان التي تلتْ هذه الحقبة الفكريّة أن المنطقَ هو ما تداوله أرسطو فقط بفكره التحليليّ والتجريديّ للوقائع والأحداث مقترنةً هذه الفكرة بحجّةِ انتصاراتٍ وأمجاد خُلٍّدت في التاريخ لطالب أرسطو الفذّ آنذاك الإسكندر المقدوني.

الأنا المُثلى في فلسفة فرويد

بالعودةِ قليلاً إلى ما يذكرُه التاريخ: ألم يكنْ الإسكندرُ الكبير نفسه وهو في أوجّ انتصاراته وعظمته من طلب من خدمه وحاشيته إحضار عرافّةٍ تقصُّ عليه قصصَ القدرِ والخيال وإلا سيقتلها؟! ألم يكن الإسكندر وقتها هو الأجدر والأكثر كفاءةً بتطبيق مقولة ديكارت الشهيرة “أنا أفكر إذن أنا موجود” فقد كان الملكُ والفارسُ والشجاعُ، فما كانت حاجتُه لعرّافةٍ جلّ معرفتها قصص ما قبل النوم وحكايا الأطفال؟

الجوابُ طبعاً يكمن في جزئية الأنا العليا أو كما سمّاها الطبيب النمساوي سيغموند فرويد superigo، هذه الجزئية الأفلاطونية في صورة الذات الكليّة متضمنّة المثل والقيم والأخلاق هي ما تُعطي لصبغتنا الوجودية جمّالية البنيان والهيكل والمظهر، هذه الجزئية بتنسيقها السويّ مع جزئيات الذات الأخرى (الأنا والهو) دون إرجاح كفّة إحداها على أخرى تُعطي صورة مثاليّة لقوام ذاتنا الكليّ وهذا ما أوضحه الفيلسوف هيغل في كتابه “ظواهريات الروح” والتي اعتبرات من أهم إنجازات الفكر في مطلع القرن التاسع عشر موصفاً بقوله [ لا شيء عظيم يمكن حدوثه دون عاطفة ] أنّ التنسيق يتمّ بالانتقال من العالم النوميني وإسقاطه على العالم الظاهري الوجودي مع إزالة الحاجز الوهمي بينهما والذي ظلّ بالأمر المستعصي منذ بدايات الفلسفة حتى عهد كانط وأن استمراريّة هذا التنسيق بشكله المثاليّ هو بالنتيجة المطلق الكليّ الذي تحدثّ عنه.

هل يجب على الأنا الأعلى أن تُربى بترلة حسنة؟

على نفس المنوال أسردَ الفيلسوف نيتشه في كتابه “هكذا تكلم زردشت” موقف ملّة زرادشت التهجّمي والهمجيّ تجاه مفكرهم وحكيمهم ونعته بالمجنون حينما حاول إبداء دور هذه الجزئية المهمّة وتنسيقها في الذات الكليّة.

نتيجةً لما ذُكِر أعلاه، المنطق بأصفى صوره الذهنيّة -انطلاقاً من التصورات الحسيّة البدئية حتى إدراكه المتناهي الدقّة والمتناسق للذات الإنسانيّة- هي ما تدعى فكريّاً بالمثاليّة -وهو الحقيقيّ والواقعيّ- ، فما فائدةُ البذرةِ الحسنةِ البنيان والقوام دونَ تربةٍ خصبةٍ تضمن استمرارها؟ ما فائدة الفكر التحليليّ والتجريديّ الفذّ إن لم تُكَلّل بمثلَ وقيمٍ أخلاقية؟

فيديو مقال حول ماهيّة المثاليّة فلسفيّاَ وربطها بالواقعيّ الحقيقيّ

أضف تعليقك هنا