رحلةُ الأربعة عشر يومًا

بين تلك الجدران، وعلى تلك النافذة، بين تلك اللوحات، وعلى تلك الأريكة بدأت رحلة الأربعة عشر يومًا. لم تكن كغيرها من الأيام، كانت منقلبة الموازين، تائهةٌ بين ليلٍ ونهار، بين نورٍ وعتمة، بين الحياة واللاحياة. هي رحلة الأربعة عشر يومًا مع نعمة الحياة، رحلةٌ أخذت بي إلى أحشاء الدنيا جعلتني أتـأمل كل ما كنت وما أنا عليه. بين غمضة عين وإنتباهتها خرجتُ، من سجن الحياة الكبير إلى زنزانته المصغرة. (رحلةُ الأربعة عشر يومًا). (اقرأ المزيد من المقالاتى على موقع مقال من قسم صحة).

زنزانةٌ مغلقةٌ مفتوحة، فقد أغلقت عني باب الدنيا وفتحت عيناي على نعيم العيش. في كل لحظة، كنت أغرق في بحر النعم التي نسيتُها أو تناسيتها. فالبقاء على قيد الحياة حياة، الجسد الخالي من العلل نعمة، فكم من مريض يتوجع دون أن نسمع أنينه. وجودي وسط عائلةٍ تحبني سرور، فكثرٌ هم من لا يملكون السند. الجدارن التي تشعرني بالآمان هبةٌ من الحياة، فهناك طفلٌ مشرد، وعجوزٌ تائهٌ بين زحام الشوارع يبحثُ عن سقفٍ يأويه.

أزمةٌ تخلق لنا حياة

جائحةٌ أوقفت عجلات عالمٍ بأكمله، ولكنها أعادتنا إلى حياتنا. عدنا لنتأمل الماضي بجماله وسعادته، أوقفتنا لوهلةٍ في الحاضر الذي كنا نتسابق معه دون أن نعيّ معنى الحياة. أخذتنا إلى المستقبل الذي ننتظره بفارغ الصبر لنعانق الحياة من جديد ولكن…

هذه المرة سيكون العناق مغايرٌ، فهو مليء بالشوق والحب، خالٍ من البغض والكراهية والحسد. سنُقبلُ مهرولين إلى الحياة التي أشتقنا لها، فعلى الرغم من بقائنا على قيد الحياة ولكننا مازلنا نبحث عنها، ومازلنا نفتقدها بين ماضٍ لم نقدره وحاضرٍ نتأمله، خلقت لنا جائحة كورونا حياة مرصعة بالحب. أوجدت لنا أيامًا لن تكون عابرة بل ستترسخُ في ذاكرتنا، وستكتبها كلماتنا يومًا. بين دمعة ضجرٍ من الخوف وبسمة أملٍ لغدٍ أفضل سنعود إلى الحياة ولكن دون تلك الجائحة التي أنهكتنا.

هي أزمة من نوعٍ آخر فعلى الرغم من عيوبها، حملت لنا الكثير من المحاسن. فجمعت العوائل المتفرقة، وحدت الأيادي البيضاء لكي لا يبقى أيامٌ سوداء. فتلك الأيادي لم ولن تترك جائع، لن تصمت عن ألم مريض، ولن تنم وعيون المحتاجين ساهرة.

عزلةٌ صنعتنا من جديد

هي هدنةٌ مع الحياة صنعتنا وتصنعُنا من جديد، هدنةٌ جعلت القلوب تخفقُ من جديد، إستراحة من الحياة إلى الحياة. عزلةٌ أعادة بناء أرواحنا من جديد، فعلمتنا الصبر، زرعت فينا الحب والوفاء، علقتنا بالأشخاص وكأننا كنا في غيبوبة عن من هم حولنا. جعلتنا ندرك قيمة الأرواح المحيطة بنا، فكم كان العناق سهلًا وبات اليوم حُلم.

خَلوةٌ ولدتنا من جديد، فأنبتت في فؤادنا الرحمة والسلام، خلقت العدل والمساواة ما بين أبيضٍ وأسود، ما بين غنيٍ وفقير، وما فرقت بين كهلٍ، رضيعٍ ولا حتى شاب. فمصابنا بات واحد ونجاتنا واحدة. جرت السفنُ بما لا نشتهي، ولكن حتمًا ستعود مع الريح يومًا. ستعود الحياة، سيرجع العناق، على أمل أن تبقى الرحمة التي زرعها فينا ذلك الوباء.

فيديو مقال رحلةُ الأربعة عشر يومًا

 

أضف تعليقك هنا