The doctor طبيب ومريض

(The Doctor,TASTE OF OWN MEDICINE) تقديم وقرأة شخصية لكتاب: تذوق من الدواء الذي كنت تسقيه مرضاكَ!” عنوان كتاب رائع للمؤلف الأمريكي و الطبيب إدوارد روزنباوم ذلك الكتاب الذي نال به شهرة واسعة حيث يتكلم عن سيرته الذاتية ومسيرته مع سرطان الحنجرة. وبعد أن نال الكتاب رواجاً ترجم إلى فلم عام ١٩٩١ بعنوان The Doctor نال الفلم هو الآخر قسطا لا بأس به من الشهرة. عنوان الكتاب ‘’Taste of own medicine’’ مستوحى من عبارة اشتهرت في أحد حكايات وأساطير الروائي الأغريقي Aesop, حيث دارت أحداث تلك الرواية حول محتال يبيع الأدوية المزيفة، مدعيا أنها العلاج الأنجع رغم مرارته، ولما مرض ذلك المحتال، سقاه الناس من دوائهالمزيف، فتجرع الحنظل وهو يعلم أنه لن يبرئه ولن يشفيه!

قصة الطبيب إدوارد روزنباوم مع إصابته بسرطان الحنجرة

كيف كان يتعامل الطبيب إدوارد روزنباوم مع مرضاه قبل إصابته بسرطان الحنجرة؟

أما قصة المؤلف والفلم المستوحى من الكتاب فهي تدور حول جراح قلب ناجح مشهور في أفضل مشافي أمريكا وقد جمع المجد من أطرافه وكرس كل وقته للعمل، فالعمل، ثم العمل، والعمل لا شيء غير العمل يحقق به ذاته!، الشيء الذي جعل منه بليدا بارد المشاعر ليس تجاه مرضاه فحسب رغم أنهم مشاريع تسلق له على سلم (المجد)، بل حتى مع أقرب الناس لهُ: زوجته! الأدهى من ذلك كان قلما يرى ابنه الوحيد!

ما ردة فعل الطبيب إدوارد روزبناوم لحظة معرفته بإصابته بمرض السرطان؟

نعم كان طبيبا ناجحا متفوقا في كثير من المجالات إلا أن يكون إنسانا ذا مشاعر يفهم أحاسيس مرضاه ومعاناتهم! كان ككثير ممن حوله في تلك العيادة الجراحية لا يرون المرضى سوى أرقام، أرقام أسرتهم وغرفهم ولا يتذكرون أسمائهم ولا يرغبون في ذلك. كان قد ترك التدخين منذ زمن ولم يعر أهمية لوجع الحلقوم المزمن وفجأة يسعل دماً وبدل أن يراجع طبيب الأسرة كما اعتاد دون نتيجة تذكر، اختار هذه المرة أشهر أطباء مستشفاه المتطور بل أشهر أطباء ولايته وهي امرأة جميلة متفوقة في عملها مشهورة لنجاحاتها، ثم تقابله ببرودحتى دون مد يدها لمصافحته! وتقوم بأخباره بعد الفحص فورا دون تردد وبدون أي مشاعر ولا مداراة: “لديك ورم في الحبال الصوتيةوبعد تلقيه للصدمة أراد أن تشاركه رسم طريق العلاج هذا إن لم تعامله كزميل. رفضت وقالت له: بل تفعل كما أقول لك فأنت مريضي الآن.

كيف أصبحت حياة الطبيب إدوارد روزبناوم بعد معرفته بمرضه؟

حياة جديدة يعيشها الطبيب إدوارد روزبناوم

طبيبنا هذا بعد إصابته يبدأ يكتشف الحياة مجددا ويعطي أهمية لأمور طالما تخلى عنها، أو قلل من أهميتها ومنها ما هو الأهم في الحياة: الأسرةوخلال مسيرة العلاج يتعرف على مرضى آخرين ويحس بهم ويتعرف على مشاكلهم ومنهم الفتاة الشابة جون التي عانت من رفض التأمين تغطية نفقات الفحوصات المكلفة والذي بسببها تأخر التشخيص أشهر حتى أصبحت الجراحة غير ممكنة لاستئصال ورم دماغها! تعلم من صحبتها ما لم تعلمه كتب الطب له، علمته كيف يقاوم وكيف يفتح ذراعيه ويصدق مشاعره يتبعها قوله على الناس من حوله

وبعد فشل عدة محاولات لتحجيم الورم بالعلاج الاشعاعي يصاب بالاحباط وأثناء نوبة الانتكاسة هذه يلتقي بصديقته جون ويسألها من أين تأتين بالقوة على المواصلة؟ تأخذ جون مريضنا الجراح إلى سطح المستشفى العالي والمطل على المدينة تول صعدت هنا عندما علمت بتشخيص ورم الدماغ وقمت بالصراخ بأعلى صوتي وفجأة وجدت حمامة تنظر إلي وكأنها تضحك ولا أدري إن كانت تشفق علي أو تسخر مني! وفي كلا الحالتين كان لابد علي من أن أتوقف عن الصراخ وأقاوم! لعل تلك الحمامة ملاكي الحارس! والآن عليك أنت بالصراخ لتشعر بتحسن، فأجاب كلا لا أريد، قالت له اقفز من أعلى البناية إذاً! فأجاب كلا لا أريد، قالت إذا لم يبقَ لك سوى خيار واحد وهو أن تقاوم.

إنسانية الطبيب إدوارد روزبناوم في التعامل مع الناس ومع المرضى

و من مرافقته للمرضى كمريض بدأ يتفهم ويشعر بمعاناة المرضى ومدى الاخفاق في قطاع الصحة (في مجال مهنتنا!)، وكمية التلكؤ في الروتين الذي ربما يحرم مرضى من فرصة النجاة! ذلك الورم في حنجرته جعله يرى حياته وحياة الناس من حوله، زملاءه ومرضاه ببصيرة فصار أكثر تواضعا وترك أسلوبه المتعجرف القديمفصار أكثر وديه وشفقة على المرضى، ثم صار ينتقي زملاءه، بل ينتقي طبيبه المعالج! فاستبدل تلك الأخصائية المتعجرفة الأولى والأشهر في مستشفاه بزميل أصغر أقل خبرة لكنه أكثر أنسانية، فلما قدم له ملفه الطبي قال: اقبل بي كمريض، واقبل أعتذاري فطالما سخرت منك وتنمرت عليك! فقام الزميل الأقل خبرة بمقابلته بلطف وحنان وقال مازحا: بل يسعدني ذلك، فطالما أردت أن أقص حنجرتك! وينتهي الفلم بمشهد وهو يجمع طلبته ويطلب منهم ارتداء ملابس المرضى ليخضعوا لكل أنواع الفحوصات التي لا بد سيصفونها يوما لمرضاهم

ذكرني الفلم حين مرضت قبل عامين يومها وفجأة لم تحملني قدماي في العمل فحملني زملائي لقسم الطوارئ وبقيت مستلقي في الممر بين المارة على فراش متحرك لساعات، كنت أستجدي عطف الممرضات لأدخل الحمام، رغم أني زميل لهم وبملابس عملي إلا أني كنت بين عشرات من المرضى من مدينة أخرى، مرت سيارة إسعاف في مدينة مجاورة فكانت كمن أدلى دلوه ليخرج يوسف من الجب، أخذوني لمدينتي الصغيرة لأكون نزيلا في ردهة بين مرضى شتى، فكنت مريضا آخر بينهم أراهم بمنظار آخر وأحس بمعاناتهم كما يحسون بي، توسطت المرضى دون أن ألقي النصائح التي تعلمناها من محاضرات الطب والتي أوهمت البعض منا بالتفوق على أناس ليس أدني منا رتبة أو مرتبة بل قد يتفوقون علينا ثقافة ومعرفة وأدبا، إلا أن دورهم حان قبل أو بعد فلكل منا حين ووقت لا يفوته، والسعيد من فتح عينيه مبكرا. يقول أحد الزملاء: الطب بلا إنسانية كالصلاة بلا وضوء! عندما تقف وأمامك مريض تذكر أن الأيام دول والدهر يومان يوم لك ويوم عليك، وصدق أبو العتاهيه في هذين البيتين وهما لسان حال الكثير:
ما للطبيبِ يَموتُ بالدَّاءِ الذي         قَد كَان يُبْرئُ منه فيما قد مضى
ذَهَبَ المُدَاوِي والمُدَاوَى والذي     جَلَبَ الدَّواءَ وبَاعه ومَنِ اشترى

فيديو مقال The doctor طبيب ومريض

أضف تعليقك هنا